يسري الفضول في عروقهما منذ الصغر، كثِيرَا أسئلة وتأمّل، ميّالان للبحث والاستكشاف والتجريب، يطوِّعان كلَّ الأشياء للتعبير عن موهبتهما، حيث كانا يصنعان المجسّمات والأشكال الهندسية من الصلصال أو بقايا العجين الذي تصنعه والدتهما.
لينتقل الأخوَان لاحقًا للرسم على الكراريس، وتوظيف الألوان المختلفة في لوحات تشكيلية أخّاذة، مدهشة وتخطف الأنظار، تضمّنت رسم الطبيعة، والشخصيات الكرتونية، إضافة إلى رسم الخيول بأشكال وألوان ووضعيات متنوعة، حتى إنّ رسم الخيل كان الفكرة الأولى التي تخطر ببالهما كلما وجدا قلمًا وورقة أو لوحًا أمامهما.
شغفهما وحبّهما للرسم، طوّر الموهبة الفطرية العظيمة ونمّاها تدريجيًّا حتى الإجادة والتمكّن، يقول الأخوَان مشير/ة، لـ"لخيوط": "تدرّجت موهبتنا منذ الروضة، مرورًا بالمرحلة الابتدائية، ثم المرحلة الإعدادية التي شهدت قفزة نوعية في الانتقال لرسم الشخصيّات الواقعيّة، التي تطوّرت وصقلت -هي الأخرى- بالتزامن مع إتمامنا للمرحلة الثانوية".
إبداع يطابق الواقع
المتابع لرسومات الأخوَين، سواء عبر لوحات مباشرة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يكثر إعادة نشرها من قبل معجبين ومهتمّين، يندهش من تناسق الألوان وواقعيّتها وكأنّها لقطة حقيقيّة بكاميرا وليست رسمة، لكن الأنامل التي رسمت كانت بارعة ومتقنة، وتنم عن فنّانيَن كبيرَين، لهما خلفية أكاديمية وخبرة دولية متراكمة وباعٌ طويل، لكن سرعان ما ينصدم المتذوّق من حداثة تجربة الأخَوَين اللذَين لا تتجاوز أعمارهما العقدين، مع فارقٍ عمريّ بسيط بينهما، حيث تكبر مشيرة أخاها مشير بسنة واحدة فقط، وهو ما يجعلهما يبدوان كتوْءَمين .
تفوّق في الدراسة والفنّ
يتابع الأخَوان حديثهما لـ"خيوط"، حول تنظيم وقتهما بين الدراسة والفنّ، بالقول: "نقضي أيام الأسبوع في الدراسة والاجتهاد للحفاظ على تفوّقنا الدراسي، فيما نمارس هوايتنا المفضلة في الرسم والتشكيل، أيامَ العطل والإجازات الأسبوعية والسنوية، لكيلا يتلاشى شغفنا وانجذابنا للفنّ".
لو لم تنقطع رواتب والدَيَّ، ما اضطررت للعمل، كنتُ سأستثمرّ كلَّ وقتي في دورات تدريبية عبر الإنترنت، أتعلّم خلالها مهارات جديدة، وأستقبل طلبيات رسم، ومن مردودها كنّا سنشتري أدوات جديدة للاستمرار في الرسم وتطويره".
حرب، نزوح، وفنّ
نزحت أسرة الأخوَين (مشير ومشيرة) بسبب القصف القريب من منطقتها، إلى مدينة زبيد بمحافظة الحُديدة، تزامنَ هذا النزوح مع انقطاع الراتب الذي كانت تعتمد عليه الأسرة كليًّا، كون والديهما مُعلِّمَين يعتمدان في دخلهما الشهري على مصدر وحيد متمثّلٍ بالراتب الضئيل، يتقاضيانه نهاية كلّ شهر.
حاليًّا تعتمد الأسرة على مشير الذي يعمل في أحد محلات الصرافة والتحويلات، حيث يعيل أسرته. "لو لم تنقطع رواتب والدَيَّ، ما اضطررت للعمل، كنت سأستثمر كلَّ وقتي في دورات تدريبية عبر الإنترنت، أتعلّم من خلالها مهارات جديدة، وأستقبل طلبيات رسم، ومن مردودها كنّا سنشتري أدوات جديدة للاستمرار في الرسم وتطويره"؛ يقول مشير متحسِّرًا على ما آلت إليه الأوضاع وحرمته من ممارسة شغفه أطول وقت ممكن.
فترة النزوح هذه تسبّبت في توقف الأخَوَين عن الرسم، إذ انصبّ جهدهما على توفير متطلبات العيش الضروريّة، ممّا جعلهما يعيشان في معاناة أبعدتهما عن الرسم لفترة، بسبب عدم تمكّنهما من شراء أدوات الرسم باهظة الثمن.
تأثّر الأخَوان مشير بالعديد من رواد المدرسة التشكيلية والفنية اليمنية، ومن بينهم فنّانون شباب على رأسهم: الفنّان زكي يافعي، والفنّان ردفان المحمدي، اللذان يتابعان رسوماتهما بشغفٍ وحبٍّ واحترام، متمنّيان أن يصلا إلى نفس مستواهما يومًا ما.
فيما يتواصلان بشكلٍ مستمرٍّ مع الفنّان محمد الشميري، الذي لا يبخل عليهما في التعليم والتوجيه والنصح، حول الكثير من الأشياء والتفاصيل الدقيقة المتعلِّقة بالفنّ .
من ناحية أخرى، شارك الأخوان في مسابقة جائزة الفنّان عبدالإله البعداني للأدب والفنّ في دورتها الثانية بلوحتين؛ الأولى لمشير، تحمل اسم (العاديات)، والأخرى لمشيرة بعنوان (رسالة سبأ) تحمل مضمونًا يدعو للمحبّة والسلام ،لكن الحظ لم يحالفهما للأسف الشديد؛ بسبب صغر سنّهما وضعف خبرتهما وعلاقاتهما، ومع ذلك شكّلت لهم هذه المشاركة نقلة كبيرة، حيث حصلا على شهادة شكر وتقدير من قبل إدارة المؤسسة التي أقامتها، وعرّفتهم على مواهب أخرى .
وعود دون وفاء
المجلس المحلي بمديرية زبيد، كان قد وعد الأخوَين بإقامة معرضٍ فنيّ لهما، لكنه لم يفِ بوعده، وهو كذلك بالنسبة لوعود أخرى من قبل أشخاص آخرين لم يَذكرَا أسماءَهم.
أمنيات الأخَوان كثيرة وطامحة، في مقدمتها: التخصص الدراسي في مجال الفنّ التشكيليّ، لكن ضعف الحال والحرب حالا بينهما وبين تحقيق أحلامهما، رغم وجود التخصص في جامعة الحُديدة، ورغم محاولاتهما البحثَ عن عمل في هذه المدينة التي يندر فيها وجود فرص عمل؛ ممّا اضطرّهم للدراسة في تخصص آخر، في إحدى الكليات بزبيد.