هذا الكتاب

السويدي اليوناني يجيب عن السؤال الأهم
عبدالرحمن بجاش
May 27, 2022

هذا الكتاب

السويدي اليوناني يجيب عن السؤال الأهم
عبدالرحمن بجاش
May 27, 2022

هل يستطيع الكاتب أن يعود بعد التوقف؟ فرق كبير بين أن تقرر التوقف عن الكتابة، وبين أن تجد نفسك عقيمًا لا تستطيع الكتابة.

هل يلعب العمر دوره هنا؟ وأن لكل شيء نهاية كما في المهن الأخرى، هذا إذا اعتبرنا الكتابة مهنة قائمة لوحدها لا تشاركها مهنة أخرى كما في أحوال أخرى، كأن يكون نجيب محفوظ موظفًا في الأوقاف وأديبًا وصل إلى نوبل، هذا إذا كانت نوبل أداة مناسبة للقياس.

عندما تقرر أن تتوقف، ماذا تفعل؟ 

وإذا أصبت بالعقم، ماذا ستفعل؟

بالمجمل، هل تستطيع أن تحيا بدون أن تكتب؟

هنا قرر هذا الكاتب السويدي اليوناني الأصل، أن يتوقف عن "العمل"، في تلك البلدان يمكن -بل هي كذلك- أن تكون الكتابة مهنة تجلب الرزق، في البلدان المتخلفة يمكن لك أن تموت إذا ظللت تؤلف وتكتب.

هنا، نعث الوطن أعماقه الجميلة، فكتب كتابه البديع "حياة أخرى"؛ سيرة ولا أجمل بلغة شفيفة ساحرة وأسلوب عالي الألق، يضحك هنا، يتهكم هناك، يبين خيباته في موضع آخر.

قرر أن يتوقف عن العمل، لم يعد يقوم فجرًا، لم يعد يخرج مسرعًا ليلحق القطار، لم يعد يلمس جهازه ليكتب.

اكتشف أن حياته أصبحت بلا معنى.

حاول أن يعود، عجز عن أن يكتب حرفًا واحدًا.

                     *****

حاول وحاول وحاول...، وعجز عن أن يقول شيئًا.

جاء وطنه الأصلي إليه.

تلقى دعوة من مديرة مدرسة قريته "مُولاي" في اليونان، تقول له: "لقد تقرر أن نطلق اسمك على شارع من شوارع القرية"، "كل ما كتبته أهلني لهذا التكريم".

رد عليها بالموافقة ودمعتين. 

كان يزور اليونان التي غادرها في لحظة من عام 64 بالقطار، عندما أغلقت الأبواب كلها في وجهه، وكلما زارها وجد جزءًا منها يهرب من بين يديه، وفي السويد ظل لسنوات يمشي بجانب الحيط باعتباره لاجئًا، لكنه قرر أن يتعلم اللغة السويدية: "لغة ثرية".

كتب بها ما يقارب ثلاثين عملًا أدبيًّا، ترجم معظمها إلى عدة لغات. حاز على الجوائز الأدبية عالية المستوى من السويد واليونان، وحصل على الجائزة الإسبانية للآداب لعام 2019 عن الطبعة الإسبانية من هذا الكتاب الثري "حياة أخرى".

دَرّس مادة الفلسفة العملية في جامعة ستكهولم بين عامي 69 و72.

عاد هو وزوجته السويدية التي دعيت معه.

هنا نعث الوطن أعماقه الجميلة، فكتب كتابه البديع "حياة أخرى" سيرة ولا أجمل بلغة شفيفة ساحرة وأسلوب عالي الألق، يضحك هنا، يتهكم هناك، يبين خيباته في موضع آخر، حدثنا فيه عن السويد، كيف بدأ، كيف عرف السويد، كيف تغير المجتمع هناك، كيف تدفق اللاجئون إليها، وأشياء كثيرة.

كيف وصل إلى نقطة قرر بعدها أن يتوقف، وعندما حاول العودة لم يستطع.

من أثينا عبر عمق اليونان، يعود إلى مُولاي قريته، يصف الطريق وما حواليها وصفًا أزرق كالسماء.

يصل إلى مولاي، وفي مسرح القرية يشاهد مسرحية. افتتح الطلاب المجيدون المسرحية لإسخيليوس وأجادوا التمثيل، فبهر بأدائهم. وبهر بكلمة المسؤول الثقافي للقرية، وكلمة مديرة المدرسة.

عاد إلى جهازه وغيّر اللغة من السويدية إلى اليونانية، ليجد أصابعه تتنقل كأنامل عازف البيانو، ليُخرِج كتابٌ جميل كلَّ شيء "حياة أخرى"، لـ:ثيودور كاليفاتيدس، الذي قرر أن يتوقف، ثم جرّب القدرة على العودة لكنه عجز. حتى نصرته لغته الأم والوطن اليونان .

كتاب جدير بالقراءة.

•••
عبدالرحمن بجاش

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English