ألقت البطالة بتبعاتها على كاهل اليمنيين لتكون النتيجة مزيدًا من الظواهر السلبية المتفشية في المجتمع عمومًا، وفي تهامة- المنطقة الأكثر تهميشًا وفقرًا، انتشرت ظاهرة السرقة، التي أصبحت تؤرق المتسوقين والبائعين معًا، الذين يشكُون من سرقة أموالهم ومقتنياتهم في وضح النهار، في قضية تحولت من مجرد حالات فردية، إلى ظاهرة تستدعي المعالجة.
أساليب مرعبة
محمد يتيم (39 سنـة)، مواطن بسيط من أبناء مديرية كعيدنة، مزارع يعمل في رعي الأغنام، تحدث لـ"خيوط"، عمّا لحق به من أذى في سوق خميس الواعظات، التابع لمديرية الزهرة بمحافظة الحديدة، قائلًا: "ذهبت إلى السوق لبيع أحد الكباش الذي بثمنه سأشتري بعض متطلبات أسرتي الغذائية وحاجاتها، بعت الكبش بمبلغ لا بأس به؛ 20 ألف ريال، وحال الانتهاء من البيع، وضعت ثمن الكبش في جيب قميصي، واتجهت إلى داخل السوق لشراء المتطلبات، مررت ببائعي السمك، وتوقفت عند بائع الخضار، طلبت منه بعض الخضار، وعند شروعي بدفع القيمة، أدخلت يدي في جيبي لأجده فارغًا، فتّشتُ كثيرًا في كل جيوبي ومن حولي وفي كل مكان مررت به، دون جدوى، ذهبت إلى عاقل السوق أشكو له ما حدث، قال: للأسف، لا أستطيع خدمتك بشيء، فالسرق في سوقنا كثر، كان عليك أن تنتبه لنقودك".
في سياق متصل، تحدث علي موسى (21 سنة)، لـ"خيوط"، عن تجربته المؤلمة، قائلًا:" أعمل في بسطة أحذية (خياط أحذية) في سوق خميس الواعظات، حين ذهبت لشراء بعض النواقص، وفي جيب قميصي 500 ريال سعودي، فجأة وجدت جيبي فارغًا، ومقصوصًا من الأسفل، يبدو أنه قُصّ بمشرط أو مقص".
"أسلوب جديد، يتطلب الكثير من الخفة والبراعة من السارق، الذي يقص حتى جيبك، منتشلًا فلوسك أو أشياءك الثمينة دون أن تشعر"؛ يقول موسى.
ويتابع: "العجيب أنّ لهؤلاء اللصوص مقرات بعينها، ويتناول الناس أخبارهم بصفتهم أصحاب مهن وحرف، جرت العادة على تقبل وجودهم، شأنهم شأن أيّ عامل؛ لذلك ذهبت إلى مقرهم في السوق المذكور وهدّدتهم بإبلاغ القسم إذا لم يُحضِروا لي المبلغ المنهوب، وبوساطة عاقل السوق وعلى قاعدة "بعض من حقك، ولا يفوت كله"، استطعنا استرجاع ما تبقى من المبلغ، وهو 350 ريالًا سعوديًّا فقط".
محمد علي فقيه، في العقد الرابع من عمره، من أهالي عزلة الثلث بمحافظة حجة، تحدث عن تفشي ظاهرة السرقة في الأسواق التهامية، قائلًا: "أمارس مهنة بيع وشراء الملابس منذ الطفولة، كنت أرافق الوالد (رحمه الله) في كل الأسواق الشعبية التهامية والجبلية، كنّا وما زلنا باعة متنقلين نعرض بضاعتنا في الأسواق والتجمعات".
وتابع فقيه: "في آخر خمس سنوات، بدأت تنتشر في الأسواق التي نقصدها، ظاهرةُ سرقة النقود والهواتف والبضائع وحتى الدراجات النارية، حيث تعرّضت بسطاتنا للسرقة مرات كثيرة رغم زيادة تدابير الحراسة، ولا يكاد يمر يوم دون تعرض عددٍ من المتسوقين، خاصة الأطفال وكبار السن، والغرباء، وكذا بعض المحلات والبسطات، للنهب والسرقة".
يقول أحد الباعة الجائلين بين الأسواق الشعبية الأسبوعية:
"تعدّ الأسواق الشعبية في تهامة مصدر رزق لآلاف من البشر، ينبغي حمايتها من اللصوص الذين باتوا يتسكعون فيها بلا رادع، يبطشون حقوقنا من أيدينا، وينهبون بسطاتنا عنوة، أمام أنظارنا وبكل تحدٍّ، وإذا أردت استرجاع ما أُخذ منك، تتكالب عليك العصابات التي قد تُنهي حياتك".
لص بالضرورة
يعتقد محمد طاهر، من أبناء مديرية كعيدنة، وهو بائع أحذية متنقل، أنّ هذه الظاهرة أضرّت كثيرًا بسمعة الأسواق التهامية، التي كانت مشهودًا لها ولأهلها بالأمان، وتحدث طاهر لـ"خيوط"، عن تداعيات انتشار هذه الظاهرة، بالقول: "تراجع إقبال المواطنين على هذه الأسواق بصورة تثير القلق، وكان استهداف مدينة حرض وأسواقها العامل الرئيس في انتشار هذه الظاهرة؛ بسبب ما ترتب عليه من نزوح كبير، على إثره انتشرت مجموعة من اللصوص، في الأسواق التهامية، كسوق الربوع بمطولة حجة، وكذلك سوق خميس الواعظات، وأيضًا سوق المعرص بمديرية الزهرة، وغيرها من الأسواق التي باتت مهوى لعصابات اللصوص وقطّاع الطرق".
وأضاف: "تعدّ الأسواق الشعبية المذكورة مصدر رزقٍ لآلاف من البشر، ورافدًا اقتصاديًّا للوطن، ينبغي حمايتها من اللصوص الذين باتوا يتسكعون فيها بلا رادع، يبطشون حقوقنا من أيدينا، وينهبون بسطاتنا عنوة، أمام أنظارنا وبكل تحدٍّ، وإذا أردت استرجاع ما أُخذ منك، تتكالب عليك العصابات التي قد تُنهي حياتك".
وينهي طاهر حديثه، قائلًا: "يعمد هؤلاء إلى إحداث فوضى تمكّنهم من السلب والنهب بشكل أكبر، أما بالنسبة لعاقل أو حاكم السوق، فإنه لا يملك أي سلطة تستطيع ضبطهم أو تأديبهم، أو السيطرة عليهم، حتى الرجل الذي يدَّعي أنّه يعمل على تأمين السوق، نجده فقط عند استلام أجرته المحددة من 250 إلى 500 ريال يمني، دون أن يقدّم خدمة ملموسة تساهم في التقليل من هذه الظاهرة!".
تبعات مؤلمة
كمال دبأ، مواطن، يرتاد الأسواق المذكورة كثيرًا، ذكر لـ"خيوط"، أحداثًا مؤسفة حدثت في هذه الأسواق، قائلًا: "في العام قبل المنصرم، في مثل هذه الأيام، قبل عيد الأضحى في سوق خميس الواعظات، شهدت وفاة مسنّ بعد عشر دقائق من فقدانه خمس مئة ألف ريال يمني؛ قيمة ثور باعه في نفس السوق. أصيب الرجل بجلطة إثر صدمته بسرقة نقوده، وهكذا يعتبر اللصوص أي شخص من مرتادي السوق هدفًا مشروعًا، ينهشونه بدم بارد ودون أدنى رحمة، كما لو كانوا يمارسون عملًا شريفًا!".
يضيف: "بالمثل، قبل أيام، تمت سرقة دراجة أحمد محمد، النارية، من سوق المعرص. اختفى الرجل إثر هذه الحادثة، يبدو نتيجة أزمة نفسية؛ كونه كان يعتمد كليًّا في تيسير أمور حياته على هذه الدراجة، وكثيرٌ من القصص كانت مثل هذه السرقات بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير".
(ع. م)، أحد اللصوص الذين لا يخجلون من هذه الممارسات، ولا ينكرونها، بل ويعتبرونها ضربًا من الحنكة وتدبير الحال، يقول لـ"خيوط": "تعودت على السرقة وأنا صغير، حاولت العمل على دراجة نارية، لكن العمل لم يُؤتِ أُكله، ولا أظنّ أنّ هذا عمل جبان، مقارنة باللصوص الكبار الذين سرقوا حياتنا نحن المواطنين، بل هي مجرد محاولات لسد رمق أفواه جائعة، تقطعت بها سبل العيش، فاتجهت إلى السرقة، وبالرغم من أني أسرق، فإني أتجنب سرقة الفقراء والمساكين".
تهاون رسمي
علي زبيدة (28 سنة)، مسؤول عن أمن سوق المعرص في مديرية الزهرة بمحافظة الحديدة، يقول لـ"خيوط": "عملت حارس أمن بسبب انتشار السرقة هنا، وأعتقد أننا ساهمنا -ولو في الحد الأدنى- في تخفيف الضرر، لكن تأمين السوق بشكل كامل بحاجة لجهود ضخمة؛ نظرًا لازدحام السوق وتزايد أعداد اللصوص، وتفشي البطالة، وعدم تنفيذ الحد الأدنى من الضبط الجنائي من قبل الجهات المعنية، إذ غالبًا ما يتم الإفراج عن هؤلاء اللصوص بعد فترة وجيزة من احتجازهم، فيعودون أكثر تكتيكًا وتنظيمًا لممارسة السرقة؛ نظرًا للتهاون في تطبيق القانون الكفيل باجتثاث هذه الظاهرة".