نساء من ذمار في مواجهة تداعيات الحرب

مشاريع بسيطة ومواكبة، لتجاوز صعوبات المعيشة
نبيهة محضور
August 4, 2024

نساء من ذمار في مواجهة تداعيات الحرب

مشاريع بسيطة ومواكبة، لتجاوز صعوبات المعيشة
نبيهة محضور
August 4, 2024
منتوجات تطريز -مالكة علي- ذمار

تكافح اليمنيات لإسناد الحياة في بلادٍ كل ما فيها آيل للانهيار والسقوط، بسبب الحرب وتداعياتها. سيان أن يشتد الصراع، أو يمر عبر هدنة باردة، فالمأساة الإنسانية تظل قائمة، ومعضلة ممتدة تطال حتى أبسط مقومات العيش والبقاء، خاصة مع تزايد فجوة الفقر، وانعدام فرص العمل. 

في محافظة ذمار، واجهت نساء كثيرات قسوة الحياة بشجاعة، ولم يستسلمن للواقع المرير، وخضن تجارب كثيرة لإثبات الذات والاعتماد على النفس من أجل الوفاء بالتزاماتهن تجاه أُسَرهن، إذ ظهرت العديد من المشاريع النسائية الجديدة التي تلامس احتياجات النساء وتطلعاتهن المواكبة، والتي استفادت من وسائل التسويق والترويج الحديثة، إضافة إلى توافر التطبيقات الخاصة بالشركات والمتاجر في تعريف المستهلكين بمشاريعهن ومنتجاتهن المبتكرة، مع الحرص على مراعاة الخصوصية الاجتماعية في منطقة محكومة بنمط قبَليّ محافظ. 

ورغم كل التحديات التي واجهنها، برزت العديد من الأسماء والمشاريع المنزلية التي استطاعت تحدي الواقع وصنع علامة تجارية تركت بصمتها واستطاعت المنافسة وإثبات وجودها، إلى جانب مساهمتها في تحسين المستوى الاقتصادي لصاحباتها في ظل انعدام فرص العمل.

الجرموزي: "العمل الوظيفي مرهق ومعيق للإبداع، إضافة إلى أنّ عائده الاقتصادي لا يتناسب مع الجهد والوقت المبذول، ويُجبر المرء على البقاء ساعات خارج المنزل، وهو ما قد يتناقض مع التزامات كثير من اليمنيات الأسرية. هذه العوامل دفعتني لافتتاح مشروعي الخاص الذي أديره من منزلي، وأُسقط عليه كل مهاراتي وأفكاري التسويقية والترويجية".

نقلة نوعية

خوض غمار التجارة الإلكترونية -كونها واحدة من المشاريع التي لاقت رواجًا وإقبالًا مشجعًا؛ بسبب عدد من الميزات التي توفرها هذه الخدمات- كان أحد مقاصد بعض النساء الباحثات عن فرص عمل في محافظة ذمار. أميرة عبدالرحمن الجرموزي، مندوبة لشركة (Shein)، تتحدث عن تجربتها لـ"خيوط"، قائلة: "انطلقت بمشروعي مع شركة (شي إن) منذ عامين، كانت البداية صعبة، إلى أن تمكّنت بما عكسته في تعاملاتي من مصداقية والتزام، من اكتساب ثقة الزبائن، ومن ثم تكوين الكثير من العملاء الدائمين الذين يفضّلون شراء منتجاتهم وملابسهم من السوق الخارجي عبري".

تقول الجرموزي (24 سنة)، حاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال من جامعة ذمار، إنّها أول امرأة في محافظة ذمار تخوض تجربة التجارة الإلكترونية، بعد أن تنقّلت في عدة أعمال وظيفية مع القطاع الخاص بعد تخرجها، رأت أنها استنزفت وقتها وجهدها دون طائل.

شعار شركة(شي إن) خاص بـ أميرة الجرموزي مندوبة الشركة-ذمار

تضيف الجرموزي: "العمل الوظيفي مرهق ومعيق للإبداع، إضافة إلى أنّ عائده الاقتصادي لا يتناسب مع الجهد والوقت المبذول، ويُجبر المرء على البقاء ساعات خارج المنزل، وهو ما قد يتناقض مع التزامات كثير من اليمنيات الأسرية، هذه العوامل دفعتني لافتتاح مشروعي الخاص الذي أديره من منزلي، وأُسقط عليه كل مهاراتي وأفكاري التسويقية والترويجية".

وتتابع: "العالم بالفعل أصبح قرية صغيرة، وأمام المستهلكين عشرات الخيارات للاختيار والتسويق، وذمار ليست استثناء من هذه الاتجاهات الحديثة في التسوق والبيع والشراء، إذ يُقبِل الناس بشكلٍ متزايد، خاصة في مواسم الأعياد والعودة إلى المدارس، على منتجات شركات بعينها، ومنها شركة (شي إن) التي أعمل لديها".

أما عن أثر المشروع الاقتصادي على تحسين أمور حياتها، فتقول الجرموزي: "بفضل الله، ساهم عملي مندوبةً لدى (شي إن) في تحسين وضعي الاقتصادي بدرجة كبيرة، علاوة على أنّي حقّقت ذاتي وصقلت شخصيتي من خلال التطبيق العملي لما تعلمته خلال مرحلة تعلمي الجامعي الذي يُعنى بالسوق والترويج الإلكتروني". 

مواجهة للبطالة 

اقتحمت النساء مجالات عدة، لم تكن قد أثبتت حضورها فيها بالشكل المطلوب، منها مجال الديكور والتصميم. خولة محمد، صاحبة مشروع (لمسة فن) لأعمال (الريزن) والتصاميم المختلفة، تقول لـ"خيوط": "بدأت مشروعي مع بداية العام 2023، لم أجد فرصة عمل نتيجة كثرة خريجي الجامعة وانعدام فرص العمل في هذا المجال".

خولة، حاصلة على دبلوم مختبرات طبية، ورغم أهمية هذا التخصص الطبي فإنّ فرص الحصول على وظيفة أصبحت بعيدة المنال، نتيجة حالة الركود العام وتضخم البطالة، إلى جانب استخفاف المراكز الصحية بوظيفة المخبري، وتدني أجورهم.

"كوني امرأة متزوجة ولدي مسؤوليات، كان مشروع (لمسة فن) مشروعًا مناسبًا لي، فقد أتاح لي وقتًا كبيرًا يحتاجه بيتي وأسرتي، كما أنّه وفّر عليّ الكثير من الجهد، ولاقى تفاعلًا اجتماعيًّا محمودًا، وهي عوامل ساعدتني على المضي فيه، والحرص على تحقيق السمعة الطيبة والحضور الفاعل"؛ تضيف خولة.

واصفة مشروعها بالناجح، ورغم وجود مشاريع مشابهة له في ذمار، فقد تمكّنت من تكوين قاعدة جماهيرية تثق بمشروعها، وتحترم التزامها في تسليم الطلبات في المواعيد التي قطعتها على نفسها؛ حسب تعبيرها.

منتوجات مشاريع نسائية-لمسة فن- ذمار

حلم الوصول 

"بالنسبة لي، التصوير فن وإبداع، أستمتع جدًّا بالتقاط الصور وتوثيق اللحظات الجميلة للناس، لتخليد ذكراها، وتجميدها كما هي بعيدًا عن سنن الزمن وتتابع الأحداث والظروف، ولأجل تطوير ذاتي في هذا المجال، اشتركت في دورة للتصوير الفوتوغرافي، لأكتشف أنّ هذا عالم قائم بذاته، وعليّ أن أستفيد من كل معلومة ومن كل التجارب، لأصبح مصورة معروفة في بلادنا"؛ بهذه الكلمات بدأت ريزا النجيمي، صاحبة مشروع (ريزا للتصوير)، حديثها لـ"خيوط". 

وتضيف ريزا: "كانت بدايتي قبل عشر سنوات، حين كنتُ ألتقط بعدسة تلفوني صورًا للطبيعة، للسماء، للورود، للأطفال، لأشياء كثيرة من حولي، فاكتشفت موهبتي قبل أن أمتلك حتى كاميرا للتصوير، عندها قررت أن أحترف التصوير، وأن أترك بصمة في المجتمع، وأن أسعد الآخرين بتوثيق لحظات يومهم ومناسباتهم المختلفة، بعد أن تعلمت فنياته، وأصبحت تقريبًا ثاني مصوِّرة تظهر في محافظة ذمار عامة، كان ذلك في العام 2018، عام انطلاقتي نحو حلمي المنتظر".

(ريزا) عشقت التصوير هوايةً، رغم بُعده عن تخصصها الجامعي، فهي حاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال ودبلوم مساعد طبيب، ظلّت نزعة الفنّ الفطرية تأخذها في مجالات إبداعية تتطلب حسًّا جماليًّا وفنيًّا، وعاطفة إنسانية تحلّق بها في فضاءات عدة، قبل الاستقرار على احتراف التصوير، من بينها العمل في مجال التصاميم، مثل: دعوات الزفاف، وتصميم "الثيمات" للمناسبات المختلفة، وتصميم الخط على الورق وقطع الأخشاب الصغيرة، وغيرها من الأعمال.

المصورة ريزا-ذمار

تنهي (ريزا) حديثها بالقول: "ساهم عملي محترفةَ تصويرٍ للمناسبات النسائية، في تغيير حياتي وشعوري بالمتعة والرضا النفسي، ووفّر لهذه الأُسر المحافَظةَ على الخصوصية الكاملة لأكثر مناسباتهم حميمية، إضافة إلى دوره في دعم مسيرتي التعليمية، وتحسين دخلي، وأنه أتاح لي شراء بعض الأدوات والمقتنيات التي تطور مشروعي".

تتطلع ريزا إلى تحقيق مزيد من النجاحات، وتطوير مشروعها حتى يصبح لها إستوديو خاصّ بها، متكاملًا من معدات وأدوات وإضاءات وفريق عمل يقدّم أفضل خدمة لإنجاح العمل وإسعاد الزبائن.

ابتكرت بعض النساء أعمالًا جديدة مستوحاة من اهتمامات النساء حديثًا. (مالكة علي)، صاحبة مشروع تطريز الطارات الذي كان سابقًا يستخدم كغطاء للمواليد. طورت مالكة هذا النشاط التقليدي الذي يكاد يندثر، وقدّمته بشكل جديد من خلال تطريز التل بطريقة حديثة، أضفت عليه مزيجًا من الزخارف والورود والأشكال الفنية البديعة، التي تقدّم كهدايا في أعياد الميلاد وحفلات الزفاف والتخرج، وغيرها من المناسبات.

تحولات مهنية 

فيما سلكت (فاطمة كوين) عالمَ التصاميم والطباعة الحرارية على الأكواب والملايات، والمخدات و"الفنايل"، التي تهدى كهدايا، أو تستخدم زينة للمنازل.

فاطمة الفضلي، صاحبة مشروع تصاميم حرارية، تقول لـ"خيوط": "أجبرتني ظروف الحياة على البحث عن عمل يعيلني ويعيل ابني المريض الذي يحتاج إلى علاج وسفر للخارج؛ لذلك كان لا بدّ لي أن أعمل".

وتضيف الفضلي: "شغفي وموهبتي في مجال التصاميم والرسم، جعلاني أفكر في استغلالهما وإنشاء مشروع أستطيع عبره تطوير مهاراتي وتنمية قدراتي في هذا المجال، وبالفعل حصلت على تدريب في مجال عملي، ساهم في رفع مستوى أدائي إلى حدّ الحرَفية".

الفضلي تسعى من خلال مشروعها المنزلي، الذي تديره باقتدار وتفنن، إلى الاعتماد على نفسها وتوفير لقمة العيش الكريمة لها ولابنها، وتوفير تكاليف علاج ابنها المريض، علاوة على تحقيق ذاتها، مثبتةً للمجتمع أنّ المرأة المطلقة قادرة على الاعتناء بنفسها وبطفلها.

منتوجات مشاريع نسائية-فاطمة كوين- ذمار

تطوير قائم

في ظلّ الارتفاع المهول لمتطلبات الحياة، وتجنبًا للأساليب القديمة في الترويج وتسويق المنتجات، ابتكرت بعض النساء أعمالًا جديدة مستوحاة من اهتمامات النساء حديثًا. (مالكة علي)، صاحبة مشروع تطريز الطارات الذي كان سابقًا يستخدم كغطاء للمواليد. طورت مالكة هذا النشاط التقليدي الذي يكاد يندثر، وقدّمته بشكل جديد من خلال تطريز التل بطريقة حديثة، أضفت عليه مزيجًا من الزخارف والورود والأشكال الفنية البديعة، التي تقدّم هدايا في أعياد الميلاد وحفلات الزفاف والتخرج، وغيرها من المناسبات.

تقول (مالكة) لـ"خيوط": "كان هذا النشاط هواية، ولكن مع ارتفاع تكاليف الحياة فكرت أن يكون مصدر دخل يُعينني على تحمل نفقات ومتطلبات العيش؛ لذلك عملت على تطوير هذه الفكرة وإخراجها بشكل جديد وعصري، يجذب العميلات اللواتي غالبًا ما تتطور اهتماماتهن، بحيث يركزن على تفاصيل دقيقة للغاية".

منتوجات قماشية بأيادي نسائية -مالكة علي-ذمار

وتصف مالكة الإقبالَ على شراء منتجاتها بأنه جيد، ولكن ضعف القدرة الشرائية عند الناس تحدّ من الشراء عمومًا، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وندرة توافر المواد، وصعوبة الحصول عليها من الخارج لارتفاع أسعارها.

لم تكتفِ مالكة بهذا العمل فتوجهت للرسم بالجيسو وعمل الورود البارزة واستخدامه للديكورات المنزلية، ساعية لتطوير أعمالها وتحسين مستوى دخلها، إضافة إلى ما تتركه هذه الهواية من أثر نفسي إيجابي؛ كونها تمارس فنونًا تحبها وتترك في نفسها الشعور بفرح الإنجاز والابتكار.

قبول مجتمعي

تتوسع المشاريع النسائية المنزلية في محافظة ذمار، إذ تظهر كل يوم مشاريع جديدة وبروح معاصرة بحثًا عن الأمان الاقتصادي، وجميعها تحتاج إلى الدعم المجتمعي وإلى التشجيع والتوجيه حتى تكون مشاريع ناجحة وقادرة على الصمود والبقاء.

وأبرز الاحتياجات لهذه المشاريع من خلال الحديث مع عدد من رائدات هذه المشاريع، هو التدريب والتأهيل في مجال الاشتمال المالي وإدارة المشاريع وصناعة العلامة التجارية.

وهنا يأتي دور الجهات ذات العلاقة، مثل: اتحاد نساء اليمن، والغرفة التجارية، وبنوك التمويل، والمنظمات المهتمة بنشاط المرأة، من خلال تنفيذ مشاريع تأهيلية للراغبات، إضافة إلى تسهيل الدعم المادي لربات المشاريع، وتمكينهن من شراء المواد الخام والأدوات اللازمة، عبر القروض البيضاء والمنح المالية، وإيجاد سوق خاص للنساء لعرض منتجاتهن، وقبل كل ذلك الدعم المجتمعي ودعم القطاع الخاص، من خلال إعطاء أولوية لشراء هذه المنتجات.

•••
نبيهة محضور

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English