مع بداية العام الدراسي الجديد، عادت روح العملية التعليمية إلى مدرسة الوادي بكويع الشرقية في ريف مديرية بيت الفقيه، بمحافظة الحُديدة، بعد انهيار شبه كلي دام أكثر من عقد، إذ كان التحاق فتيات القرية والقرى المجاورة للدراسة في مدرسة الوادي لأول مرة في حياتهن منجزًا عظيمًا يبعث الأمل في قلوب الأهالي والطلاب بعد سنوات من الإحباط والمعاناة.
وانتظمت العملية التعليمية في المدرسة هذا العام في سابقة لم تحدث منذ عقد من الزمن، وبعد أن كانت تراجعت وتقلصت مراحلها الدراسية والتي كانت مفتوحة حتى الصف الثالث الثانوي لتصبح محصورة بين الصف الأول وحتى الخامس الأساسي، عادت اليوم لتفتح أبوابها حتى الصف التاسع الأساسي.
ويصل عدد الطلاب المسجلين في المدرسة إلى نحو 700 منهم 197 طالبة و140 طالبًا في الصف الأول الأساسي، موزعين على خمس شعب دراسية.
تأسّست مدرسة "الوادي" بكويع الشرقية في العام 1986، وكانت الدراسة تتم في مسجد المنطقة الريفية وتحت الأشجار، بعدها قام الأهالي ببناء ثلاثة صفوف دراسية جديدة، وفي العام 1993 تبرع أحد تجار القطاع الخاص ببناء ستة فصول دراسية إضافية، في حين يستفيد منها نحو 13 منطقة ريفية، في بيت الفقيه.
عودة الأمل
وتشهد العملية التعليمية في هذه المنطقة تراجعًا مطّردًا منذ العام 2010، إذ يعزو الأهالي ذلك إلى فساد الإدارات المدرسية المتعاقبة وما رافقه من إهمال وعدم متابعة من قبل الأسر وأولياء أمور الطلاب، والذي كان من أبرز نتائجه انحسار وتقلص المراحل الدراسية بشكل كبير.
كان الأهالي يرفضون إلحاق بناتهم بالمدرسة بحجة أنها غير جاهزة وصالحة لتعليم الفتيات لعدم وجود سور للمدرسة، إضافة إلى عدم توفر مقاعد دراسية في الفصول وحمامات خاصة بالفتيات
وازداد الوضع سوءًا بعد الحرب التي تشهدها اليمن منذ العام 2015، حيث كان القطاع التعليمي في طليعة المتضررين من نتائجها الكارثية مع انقطاع رواتب المعلمين، إذ أصبحت مدرسة الوادي شبه متوقفة كليًّا ولا تفتح أبوابها سوى مرتين في العام؛ تسجيل الطلاب بداية العام الدراسي الجديد ودعوتهم لأداء الامتحانات منتصف ونهاية العام الدراسي.
يقول عبده إبراهيم مشيخي، من أعيان المنطقة وصاحب إحدى المبادرات، لـ"خيوط"، إنّ الوضع الذي كان قائمًا طيلة السنوات العشر الماضية لم يكن يسر حال الأهالي والذين كانوا يقفون مكتوفي الأيدي ولا يملكون حلولًا سحرية من شأنها معالجة مشكلة مستعصية، الأمر الذي دفعه بحسب حديثه إلى التحرك وإطلاق مبادرة مجتمعية تهدف إلى إعادة تأهيل مدرسة الوادي وفتحها أمام الطلاب .
وبحسب مشيخي، فإنّ مدرسة الوادي أنشأت في العام 1986، وخلال مراحل عملها كانت تفتح أبوابها بانتظام، لاستقبال الطلاب في مختلف المراحل الدراسية الأساسية والثانوية والتي كانت محصورة الذكور، بينما تم إقصاء الفتيات من الالتحاق بالدراسة في هذه المدرسة.
أثمرت الخطوات العملية الجادة التي قادها عبده إبراهيم مشيخي خلال الفترة الماضية إلى تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، وكان من أبرز نتائجها ترميم فصول المدرسة التسعة، وكذا بناء سور خاص للمدرسة وبناء حمامات خاصة للطلاب، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، ومع بداية العام الدراسي الحالي كانت مدرسة الوادي جاهزة لاستقبال طلابها وطالباتها لأول مرة في تاريخ المدرسة .
ويصف مشيخي ما حدث في هذه المنطقة مع عودة العملية التعليمية والتحاق الفتيات لأول مرة بالمدرسة، بأنه مدعاة للفخر، فقد ساهم أهالي المنطقة والمناطق الريفية المجاورة في إنجاح كل هذه الجهود التعليمية، فقد كان مشهد دخول الطالبات للمدرسة لأول مرة في حياتهن لن ينسى من ذاكرة مشيخي وكل سكان المنطقة الذين لم يستطع بعضهم حبسَ دموعه للتعبير عن الفرحة بتعليم الفتيات في ريف تهامة لأول مرة منذ عقود طويلة.
ولأجل اكتمال الغاية العظيمة يشير مشيخي إلى أنّ هناك توجهًا لتوسيع المدرسة وإضافة ستة فصول دراسية جديدة، والعمل على رفدها بما تحتاجه من مقاعد دراسية وغيرها من الاحتياجات، ويأمل أن يجد تعاونًا لتحقيق هذه الغاية من قبل المنظمات المهتمة بالتعليم في اليمن.
مبادرات طوعية
بعد فترة من التوقف والشلل، بدأت بالظهور مبادرات طوعية من شأنها تدارك الوضع وإنقاذ العملية التعليمية في هذه المنطقة، منها مبادرة قامت بها قواعد محمد مساوى، إحدى المعلمات في المنطقة قبل ثلاث سنوات لتعليم فتيات هذه المنطقة الريفية.
كان الأهالي يرفضون إلحاق بناتهم بالمدرسة بحجّة أنّها غير جاهزة وصالحة لتعليم الفتيات لعدم وجود سور للمدرسة، إضافة إلى عدم توفر مقاعد دراسية في الفصول وحمامات خاصة بالفتيات.
تؤكّد مساوى لـ"خيوط"، أنّ مبادرتها لاقت تجاوبًا ودعمًا من الأهالي وإدارة المدرسة، بحيث أصبحت الفتيات قادرات على الدراسة المنتظمة في حوش منزلها الواسع والذي يتسع لاستقبال عدد كبير من الطالبات يصل إلى 200 طالبة في العام، ووفقًا لحديث قواعد فإنه تم هذه الجهود التي قامت بها بالنظام التعليمي المتبع في المدرسة، بحيث تدرس الطالبات المقرر الدراسي الحكومي ويحصلن على شهادات معتمدة رسميًّا كطالبات في مدرسة الوادي.
تقول قواعد مساوى، والتي عادت للتدريس في المدرسة في الفترة المسائية رفقة طالباتها اللواتي مثل حوش منزلها مدرسة لهن طيلة سنوات خلت أنّها لا تستطيع أن تعبر عن فرحتها، وهي ترى بناتها يدخلن المدرسة، وأصبح لهن مكانًا يحصلن فيه على التعليم، فتعليم الفتاة في منطقتهم هو حلم الجميع واليوم، وبفضل الله تعالى وبتعاون من الجميع بدأ الحلم يتحقق .
تتابع حديثها بالقول: "نتمنى أن نلقى الاهتمام والدعم المستمر من أجل الرقي بالمستوى التعليمي للمرأة، وأن تحظى مدرستنا بالدعم وإكمال النواقص وفي مقدمتها بناء فصول دراسية إضافية وتأثيث المدرسة، لكي تتسع لأعداد كبيرة من الطلاب والطالبات".
وتشير مساوى إلى أنّ هناك حماسًا غير مسبوق ورغبة في التعليم، وهناك إقبال غير متوقع والعدد يزداد كل يوم، في حين لا تستطيع وصف شعور الطالبات بعد التحاقهن بالمدرسة والفرحة التي عمت الجميع.