كارثة مزدوجة تضرب تهامة

سيول جارفة وألغام مهاجرة ومقيمة تفتك بالمدنيين
عمرو الأهدل
August 15, 2024

كارثة مزدوجة تضرب تهامة

سيول جارفة وألغام مهاجرة ومقيمة تفتك بالمدنيين
عمرو الأهدل
August 15, 2024
.

في الوقت الذي كانت فيه مناطق تهامة عمومًا تستعد لاستقبال موسم الأمطار، لتغذية أوديتها وآبارها وسقي مزارعها، ضربتها كارثة مزدوجة لم تشهدها من قبل، فإلى جانب الأمطار الغزيرة، والفيضانات التي أحدثتها السيول الجارفة القادمة بدرجة رئيسية من المناطق الجبلية المحيطة بالسهل التهامي ودمرت المنازل والمزارع، كشفت هذه السيول عن تهديد كامن أكثر فتكًا، ألا وهو الألغام الأرضية التي زُرعت بكثافة في أغلب المناطق خلال سنوات الحرب، وتحولت هذه الألغام بفعل الكارثة إلى قنابل موقوتة انفجرت في وجوه المدنيين الأبرياء، فحولت فرحة الاستبشار إلى مأساة حقيقية لم تشهدها من قبل.

ألغام جرفتها السيول -الحديدة

بين كارثتين متباينتين

قبل عشر سنوات، تعرضت مديرية زبيد لسيول أمطار غزيرة، كانت أضرارها محتملة، وفي العام 2022 تعرضت مناطق شمال تهامة من جهة مديرية عبس الشمالية لسيول جارفة بعد أمطار غزيرة على المنطقة، تسبّبت بخسائر كبيرة بين النازحين في مناطق النزاع في حرض وبني حسن ومزارع الجر الشهيرة شرق عبس.

وفي 6 أغسطس 2٠24، تعرضت عدة مناطق في الحديدة وحجة لأمطار وفيضانات شديدة، أعقبها سيول جارفة في الخوخة وحيس وزبيد وبيت الفقيه والدريهمي وباجل، وكانت هي الأشد والأكثر فتكًا من سابقاتها؛ فسيول الأمس كانت تنتهي أضرارها حالما تجف الأرض، أما سيول اليوم فقد انتهت بفقدان العديد من الأُسر مساكنَها ونفوق مواشيها، وبعضها فقدت معيلها، غير أن الأنكى هي حالة الألغام المهاجرة ومخلفات الحرب التي انتقلت من منطقة إلى أخرى، الأمر الذي جعل الوضع خطيرًا على المدنيين. 

ضحايا في الدريهمي

أفاد مصدر محلي في الدريهمي سقوط اثنين من المدنيين يعملان في صيد الأسماك؛ بسبب لغم مركبات أثناء عودتهما فجرًا إلى منزلهما بعد أمطار مسائية غزيرة. 

يقول أحد أقرباء الضحيتين؛ محمد عايش قبيصي (26 عامًا)، وأخيه عبدالله (28 عامًا(، من قرية ريحان أقصى قرى مديرية الدريهمي، وتبعد عن مدينة الحديدة ٢٠ كيلومترًا: "انفجر بهما لغم مركبات وسط القرية في الرابعة فجرًا، حينما كانا عائدَين على متن دراجتهما النارية. كان الانفجار وسط القرية، وفي الطريق الذي اعتادا المرور منه بشكل يوميّ تقريبًا".

وناشد قريب الضحيتين، الذي طلب عدم التعريف باسمه، جهات الاختصاص بإنزال فريق لمسح المنطقة الملوثة، والعمل على إزالة الألغام. 

لغم جرفته السيول - الحديدة

وفي مديرية حيس

ويقول أحد المواطنين لـ"خيوط"، وهو من سكان مديرية حيس: "كنا ذاهبين إلى سوق مديرية الخوخة الأسبوعي يوم الجمعة الماضية، ففوجئنا بسماع انفجار في طريق مجرى سيل وادي المرير في قرية الشعوب، الواقعة شمال مديرية حيس. هرعنا إلى المكان ووجدنا سيارة أحد المواطنين قد أُعطبت وسط الوادي، وكان بداخلها شخصان أصيبا بشظايا، وتم نقلهما على الفور للعلاج".

وبعد الحادثة، صرح مصدر طبي نقلته ألوية العمالقة التابعة للحكومة المعترف بها، أن المصابين هما: أحمد حسن قاسم سفيان (70 عامًا)، ونجله علي (30 عامًا)، ووفقًا للمصدر فقد تعرض الأول لشظايا متفرقة في الظهر واليدين والقدمين، وضغط في العمود الفقري، وتم تحويله إلى طبيب مختص في مستشفى الميداني، فيما الآخر أصيب بشظايا وتم إجراء اللازم له.

وفي ذات السياق، قال مصدر محلي من منطقة حيس، لـ"خيوط"؛ إنّ المواطنين وجدوا ثمانية ألغام في وادٍ شمال حيس، يوم 7 أغسطس، وهو اليوم الذي شهد توقف السيول. وفي اليوم التالي، وجدوا ٢٢ لغمًا في نفس الوادي، والعدد مرشح للتزايد مع توقعات بنزول سيول من المناطق الجبلية في العدين وإب عمومًا.

من جهة أخرى، تمكّنت فرق مشروع مسام لنزع الألغام من نزع وتأمين أربعة ألغام مضادة للدبابات من هيجة عبيد وقرية الضريبة التابعة لمديرية حيس، وكذلك ثماني عبوات ناسفة وجدت في بئر، وأخرى بجانبها لغم آخر في وادي قرية ظمي.

لا يجري التعامل مع الكارثة التي يُعاني منها أبناء تهامة بالشكل المطلوب من قبل الجهات المعنية في سلطة الأمر الواقع لحكومة صنعاء، حتى إنها لا تهتم بالنداءات الدولية لحجم الكارثة التي تترصد المدنيين. 

السيول وجرف الأجسام

وعن عدد ضحايا السيول والفيضانات، أصدرت جمعية الهلال الأحمر اليمنية بيانًا أعلنت فيه ارتفاعَ حصيلة ضحايا الفيضانات التي ضربت محافظات يمنية عدة إلى 45 قتيلًا و12 مفقودًا، فيما تجاوز عدد المتضررين 93 ألف شخص، ونزح أكثر من ثلاثة آلاف أسرة.

من جهته، أشار المرصد اليمني للألغام على حسابه في منصة "إكس"، إلى أنّ هذه الحادثة هي الأولى الناجمة عن آثار المنخفض الجوي الذي ضرب منذ عدة أيام الحديدة ومحافظات أخرى، وتسبّبت السيول الناتجة عنه في جرف ألغام وأجسام حربية إلى مناطق مأهولة.

ودعا المرصد المزارعين والعاملين في الرعي والأهالي وجميع المواطنين إلى أخذ الحيطة والحذر من الألغام والذخائر التي تجرفها السيول إلى المناطق المأهولة ومحيط مخيمات النزوح والمناطق السكنية والقرى، وإبلاغ الجهات المختصة عن أي جسم غريب، وتوعية الأطفال بمخاطر تلك الأجسام على حياتهم.

كما نبه المسافرين في الطرقات الرئيسية والفرعية والبديلة بين المحافظات على ضرورة أخذ الحيطة والحذر من خطر الألغام والأجسام الحربية التي جرفتها السيول إلى تلك الطرقات وممرات العبور، حفاظًا على سلامتهم". 

أكثر المحافظات تضررًا

ولا يجري التعامل مع الكارثة التي يُعاني منها أبناء الحديدة بالشكل المطلوب من قبل الجهات المعنية في سلطة الأمر الواقع لحكومة صنعاء التابعة لأنصار الله (الحوثيين)، حتى إنها لا تهتم بالنداءات الدولية لحجم الكارثة التي تُعاني منها الحديدة، فقد ذكرت نائبة رئيس بعثة أونمها، السيدة فيفيان فان دي بيرا، لجميع الحاضرين في مأدبة إفطار بتاريخ 3 أبريل 2023، أن "اليمن هي واحدة من أكثر البلدان تلوثًا بالألغام الأرضية في العالم، حيث تعد الحديدة من بين أكثر المحافظات تضررًا". وشدّدت على الحاجة الملحة للمضي قُدمًا في أنشطة إزالة الألغام في الحديدة، ودعم الناجين من الألغام وعائلاتهم، وكررت تفاني بعثة أونمها في دعم شعب الحديدة من خلال توفير التنسيق والدعم الفني للأعمال المتعلقة بالألغام، بما في ذلك دعم التوعية بمخاطر الذخائر المتفجرة لحماية السكان.

وفي 17 مايو 2023، ناقش الرئيس المشارك للجنة تنسيق إعادة الانتشار، اللواء مايكل بيري، في إحاطة بعثة أونمها لمجلس الأمن، الوضعَ في الحُديدة وأنشطة البعثة، بما في ذلك جهود المراقبة المستمرة، ومبادرات المشاركة المجتمعية، وتنسيق الأعمال المتعلقة بإزالة الألغام. ونبّه لاستمرار سقوط القتلى والجرحى بين المدنيين من جراء الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب، مؤكدًا الضرورة المُلحة لمنع استمرار إلحاق الأذى بالضحايا الأبرياء، لا سيما النساء والأطفال، واختتم اللواء بيري إحاطته بتوجيه الشكر لأعضاء المجلس على دعمهم المستمر لتفويض البعثة.

مواجهة التحديات الكبيرة

في الختام، تمثل سيول الأمطار في تهامة عمومًا، ومحافظة الحديدة على وجه الخصوص، تحديًا كبيرًا بسبب ما تسببه من دمار للسكان والممتلكات. ومع تدفق هذه السيول، تزداد خطورة الألغام الأرضية المزروعة في المنطقة، حيث يؤدي انجرافها مع المياه إلى انتقالها إلى مواقع جديدة، مما يزيد من مخاطرها على المدنيين؛ لهذا تتطلب مواجهة هذه التحديات تنسيق الجهود الإنسانية والحكومية لتأمين المناطق المتضررة وضمان سلامة المواطنين، إلى جانب تعزيز الوعي بخطر الألغام وتقديم الدعم اللازم للضحايا والمتضررين. كما يناشد سكان محافظة الحديدة الجهات الحكومية المعنية، وبالأخص تلك المسؤولة عن إزالة الألغام، بضرورة التدخل السريع للكشف عنها وإزالتها. ويطالبون المنظمات الدولية المعنية بالشؤون الإنسانية بضرورة العمل على تخفيف المعاناة التي يعيشها السكان، والضغط على الأطراف المتنازعة لتجنيب المواطنين وممتلكاتهم الأذى والتدمير بعد انتهاء الحرب.

•••
عمرو الأهدل
.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English