الجرائم الإلكترونية والمجتمع

غياب التشريعات وتدني الوعي يفاقمان من المشكلة!
عبده تاج
July 3, 2023

الجرائم الإلكترونية والمجتمع

غياب التشريعات وتدني الوعي يفاقمان من المشكلة!
عبده تاج
July 3, 2023
.

ظهرت أول قوانين الجرائم الإلكترونية في سبعينيات القرن الماضي حين لُوحظَتْ لأول مرة آثارها المُدمّرة على المجتمع. وكذلك ظلت أغلب الدول في انتهاج سياسات رقابة مستمرة لمستجدات هذا النوع من الجرائم وإصدار لوائح تحاول التقليل من تفشّيها، فوفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة بدأتْ في الفترة الأخيرة 80 في المئة من دول العالم بتنفيذ تشريعات تمنع هذا النوع من الجرائم. أما في اليمن فقد أتاحَ غياب هذه القوانين انتشار جرائم اجتماعية عديدة، كالابتزاز والتهديد والتشهير بخصوصيات الآخرين.

يتعلّق انعدام هذه التشريعات في بعض الحالات بضآلة البُنية التحتية لتقنية المعلومات وهشاشتها في اليمن. حيث تبدأ في العادة مقاضاة الجُناة الإلكترونيين استنادًا على تحديد نوع الجريمة والفاعل؛ بالأخص جرائم الأمن السيبراني، وهي التي تتضمن اختراق الحسابات الشخصية والتجسس على معلومات المواطنين ومصادرة حسابات التواصل الاجتماعي. 

وهذا النوع من التجاوزات لا يمكن الفصل فيه دون الرجوع إلى المعطيات التقنية الضرورية كسرعة الإنترنت وخبراء الأمن السيبراني والمنهجية الأمنية المتقدمة، وكذلك دقة الخرائط الإلكترونية لجغرافيات اليمن. إلا أنّ غياب هذه القوانين يمتد إلى تلك الحالات التي لا يُشترط فيها وجود قدرات تقنية عالية للسيطرة عليها، كقضايا التشهير وتضليل الرأي العام.

تؤثر الجرائم الإلكترونية بجميع أنواعها على النسيج الاجتماعي اليمني، ولعل أكثرها خطورة هي التّشهير، فالجرائم التي تتصدر "الترند" في اليمن كحوادث السرقة والقتل، ليس لها تأثيرها على الجاني فحسب، بل تشمل عائلته وأقربائه وكل من يمسهم هذا الازدراء. فاستخدام اليمنيين للإنترنت الذي يتزايد مع مرور الوقت، حسب تقارير منصات التواصل، يجعل المعلومات والأخبار التي يتلقونها، أغلبها من الفضاء الإلكتروني فقط. مما يولّد لديهم آراء وتحيزات لا تستند إلى ضوابط عادلة، وهكذا يدفع أهالي الضحية ثمن سرعة انتشار الخبر الذي يقدمه عصرنا الحالي.

يأتي في هذا السياق أيضًا، نوع آخر من الجرائم التي تتضمن الإساءة والأذى النفسي لمستخدم التواصل الاجتماعي، فاستسهال المواطن لإطلاق الأحكام وإنشاء الحسابات الوهمية يسهل له ممارسة التعنيف اللفظي للمواطن الآخر، ليجد الضحية نفسه دون حماية قانونية أو وعي بالتصرفات القضائية التي يلزم عليه فعلها للدفاع عن نفسه. 

بالنسبة للإساءة الإلكترونية، تضع منصات التواصل سياسات وضوابط تحدّ منها، وهي ضوابط آلية لا تمتلك الدقة لتحديد إساءات لها خصوصيتها اللغوية المحلية، ولكنها تظهر كبديل لغياب أي قوانين رسمية تضبطها. إضافة إلى أنّ عقوبات هذه المنصات لا تتجاوز الحظر والكتم والحجب وهي عواقب عادية لا تساهم في منع الجرائم الإلكترونية إلا القليل فحسب. 

وتندرج ضمن هذه الجرائم أيضًا، ظاهرة التحرش الإلكتروني بالفتيات، وبما أنّ المرأة اليمنية هي أكثر عرضة لهذا النوع من الابتزاز نظرًا للتركيبة الاجتماعية التي تضع المرأة في مساءلة شرف إذا ما تسربت خصوصياتها، كالصور والفيديوهات الشخصية، تمر هذه الجرائم دون مساءلة قانونية؛ وبالتالي بلا حل، تاركة المجال لجرائم أخرى دون رادع.

لا تكتفي بعض الدول بوضع تشريعاتها الإلكترونية فحسب، بل تعمل من خلال وسائلها الإعلامية على توعية الفرد بخطورة هذه الجرائم، وتوضح له آليات التعامل والإبلاغ إلى الجهات المختصة، آخذة بالاعتبار تأثير الجرائم الإلكترونية كأي جرائم أخرى.

أما في اليمن فلا توجد جهة حكومية مرجعية لتوعية المواطن بخطورة الجرائم وتزويدهم بالمعلومات التي تمكنهم من حماية خصوصياتهم وبياناتهم، وكذلك إنشاء وسائل تواصل لتقديم البلاغات عن أي انتهاكات. مع العلم أنّ هناك مقررات تتعلق بأخلاقيات الإنترنت تُدرّس في كلية الحاسوب، بجامعة صنعاء، وبعض كليات الحاسوب الأخرى، وهي مواد مهمة تساعد على فهم الفرد مسؤولية استخدامه للهاتف والإنترنت إلا أنها بعدُ لم تترجم كنتائج ملموسة لتلبي حقوق المواطن. 

فحقوق النّشر مثلًا، لم يزل المتحكم الوحيد به المنصات الإلكترونية بينما الجهات المعنية لم تصدر بيانات وقوانين تصنِّف وتوعّي المجتمع بالملكيات الحقوقية المكتوبة أو المرئية، ولم تضع بعدُ قوانين واضحة للتعامل مع هذا النوع من الانتهاكات.

قد تتعدى هذه الجرائم إلى عمليات الاحتيال والخداع عبر الأسواق والمتاجر الإلكترونية، فهي أيضًا لم تضع أي ضوابط لتقنينها وتسيير معاملاتها وإشهار المتاجر المعتمدة لدى الدولة، تاركة المجال الإلكتروني دون حدود، وقد يطلب بعض المواطنين احتياجاتهم من الإنترنت ليجدوا أنفسهم أمام مغامرة قد تنتهي بالاختلاس. وكذلك كأي حالة أخرى، لن يكون هناك جهات يرجعون لها لتقديم الشكوى. وقد يفتح التغافل عن خطورة المتاجر الإلكترونية، المجالَ لبيع وترويج البضائع والمنتجات غير المشروعة، والتي تهدّد حياة الفرد؛ كونها لا تخضع إلى أي مقاييس ضبط جودة أو فحص. 

بالرغم أنّ جرائم الاحتيال التقليدية توجد تشريعات لها في القانون اليمني، لم يوعَّ الشعب بإدراج الاحتيال الإلكتروني ضمن القضاء، مثله مثل أي نوع آخر من التجاوزات.

تهدِّد هذه الجرائم شرائح عديدة من المجتمع اليمني، وقد تزيد تركيبة اليمن الاجتماعية القبَلية والدينية بمفاقمة المشكلة التي تؤثر على سير حياة الإنسان اليمني وتزيد من معاناته. فلا تقِلّ تأثيراتها عن أيّ جرائم أخرى، ومع تزايد الخدمات عبر الإنترنت، وأيضًا ظهور مشاكل مصاحبة لهذا التطور، يستدعي الحال وجود حلول جذرية لهذه المشكلة وتصرفات فورية من الجهات المعنية؛ للانتباه لها بمحاكمة الجناة وتقديم الدعم للضحايا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) كاتب وقاص.

•••
عبده تاج
كاتب وقاص.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English