تريم إحدى مدن وادي حضرموت المشهورة حتى اليوم، وهي: شبام، وسيئون، وتريم، وتقع شمال شرق شبام في وادي حضرموت، حيث يبدأ وادي المسيلة. قيل: "سميت باسم تريم بن السكون بن الأشرس بن كندة"، ويقال: "إن أول من عمرها تريم بن حضرموت بن سبأ الأصغر"، وقد جاء ذكرها في النقوش اليمنية القديمة ترم (في نقش إرياني 32)، وتريم بالياء في (نقش جام 547).
وفي العصر الإسلامي، أصبحت تريم مركزًا من مراكز العلم والمعرفة في اليمن، وصفها الهمداني في (الصفة) بأنها "مدينة عظيمة"، وكان جامعها المشهور المؤسس في القرن الرابع الهجري من أشهر تلك المراكز، حيث كان طلاب العلم من اليمن ومناطق شرق أفريقيا المجاورة يرتادونها.
قال عنها ابن عبيد الله السقاف في كتابه (إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت): "تريم هي قاعدة حضرموت". قال الهمداني عنها: "وتريم مدينة عظيمة، وقال ياقوت: "تريم اسم لإحدى مدينتي حضرموت؛ لأن حضرموت اسم للناحية بجملتها، ومدينتاها تريم وشبام، وهما قبيلتان سميت باسمهما المدينتان"، وقال الأعشى:
طال الثواء على تريـ ـــم وقد نأت بكر بن وائل
وقال كثّير:
كأن حمولها بملا تريمٍ سفينٌ بالشعيبة ما تسيرُ
وقال أيضًا الهمداني: "تريم ديار تميم، وتريس بحضرموت".
وقال في الجزء الثامن من الإكليل: "حصون حضرموت دمون لحمير، والنجير لبني معدي كرب من كندة، وحضرموت، وحورة فيها كندة اليوم، وتريم موضع الملوك من بني عمرو بن معاوية، منهم أبو الخير بن عمرو الوافد على كسرى، ليستمد منه على ابن الحارث بن معاوية".
ومما استدركه صاحب (تاج العروس) على (القاموس) قوله: "وتريم كأمير مدينة بحضرموت سمّيت باسم بانيها تريم بن حضرموت. قال شيخنا: هي عش الأولياء ومنبتهم، وفيها جماعة ممن شهد بدرًا، وهي مسكن السادة آل باعلوي ومنها تفرقوا في البلاد".
وبمجرد ما وصل كتاب النبي (صلى الله عليه وسلم) أسلم أهلُها، وانتشر الإسلام بحضرموت، وكان سليم بن عمرو الأنصاري داعية الإسلام بحضرموت، فنجح نجاحًا باهرًا، ولما تُوفِّي النبي (صلى الله عليه وسلم)، وارتد من ارتد بحضرموت، ورد كتاب أبي بكر الصديق على لبيد بن زياد وهو بمدينة حضرموت، فقرأه على أهلها فبايعوه، ثم بايعه أكثر حضرموت، فطالع أبا بكر بالخبر، فدعا لأهل تريم بما بعضُ أثرِ إجابته محسوسٌ إلى اليوم من البركة، ثم ظهرت الإباضية.
أما جامع تريم، فأول ما انتهى من عمارته سنة 215هـ، ثم جدد عمارته الحسين بن سلامة. ولم يذكر الشلي عمارته إلا سنة 581هـ، قال: ثم جددت عمارته سنة 585هـ، ثم في سنة 903هـ كتب الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بافضل بلحاج إلى السلطان عامر بن عبدالوهاب يطلب منه توسيع المسجد؛ لأنه ضاق بالناس، فأرسل بمالٍ جزيل مع السيد الجليل محمد بن أحمد باسكوته، فعمره عمارة أكيدة هي الموجودة إلى الآن".
ومن علماء تريم الشيخ علي بن محمد بن علي بن حاتم المتوفَّى -كما في تاريخ باشراحيل- بتريم في شعبان سنة 603هـ.
ومنهم الفقيه الصالح علي بن محمد بن ميمون المتوفى سنة 604هـ، أما الشيخ سالم بن فضل بن محمد بن عبدالكريم بن محمد بأفضل، صاحب الرحلة إلى العراق، فقد توفِّي شهيدًا بتريم سنة 581هـ، صرّح بذلك العلامة عبدالله بن أبي بكر قدري باشعيب".
وقد خرج من تريم كثير من العلماء والأدباء والشعراء المبرزين، كعبدالله بن علوي الحداد، وعبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه، وأبي بكر بن شهاب، ومفتي تريم عبدالرحمن المشهور، والمؤرخ محمد بن أحمد الشاطري، وسالم بكير، وغيرهم كثير ممن لا يحصيهم عد، ولا يحصرهم حد.
وقال عنها إبراهيم المقحفي: تريم -بفتح فكسر فسكون- مدينة قديمة ذات شهرة علمية وتاريخية تقع في نهاية وادي حضرموت، شمال شرقي مدينة سيئون، بمسافة نحو 32 كم. سميت باسم تريم بن حضرموت ابن سبأ الأصغر، وتشير الحفريات التي تم العثور عليها إلى أن تاريخ تأسيسها يعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد؛ أي في العصر السبئي، وهناك رأي آخر يقول: إن تريم اختطت في زمن أسعد الكامل من التبابعة الحميريين في القرن الرابع الميلادي، وكان موقعها في طريق البخور، وبعد الإسلام نالت شهرة دينية واسعة كمركز إشعاع علمي وفكري وديني، حيث أقيمت فيها الكثير من المراكز العلمية، وبالتالي فقد وفد إليها طلبة العلم من المناطق اليمنية المختلفة، وكذا من الدول الإفريقية القريبة، ومن الدول المجاورة بل ومن إندنوسيا والشرق الأقصى، وقد ساعدها في القيام بهذا الدور الريادي كثرة أربطتها العلمية والمساجد والزوايا العامرة بالتدريس، وتعدد علمائها، ومن أهم هذه الأربطة والمساجد والزوايا رباط تريم، ورباط مسجد الفتح الذي وصفه البعض في ذروة نشاطه العلمي بأنه الأزهر الصغير، ومدرسة أبي مريم وهو محمد بن عمر بن محمد بن أحمد ابن الفقيه المقدم المتوفى سنة 822هـ، ومدرسة الشيخ سالم بافضل الواقعة بإزاء مسجده، وهي من أقدم مدارس تريم، ومدرسة الشيخ حسين بن عبدالله الحاج، وهي الواقعة في غربي جبانة تريم، وتسمى اليوم بمسجد "شكره"، ومدرسة باغريب، ومدرسة آل باجمعان، أما أشهر مساجد المدينة، فنذكر منها:
وقد أعطت هذه المساجد والكتاتيب والمكتبات التي تم بناؤها في فترة العصر الإسلامي الذهبي فيما بين القرنين العاشر والثالث عشر الهجري- أعطت للمدينة شهرة واسعة حتى اليوم، وقد ذكر المؤرخون أنه كان يوجد بمدينة تريم حوالي 365 مسجدًا تمثل كل يوم من أيام السنة الهجرية، وقيل إنّ في مقبرة مدينة تريم سبعين بدريًّا شاركوا في غزوة بدر.
قد برز الكثير من أبناء مدينة تريم في مختلف المجالات العلمية والدينية، كما أنتجوا المئات من المؤلفات في التفسير والحديث واللغة والجغرافيا وغيرها من العلوم، وأغلب هذا التراث ما زال موجودًا محفوظًا في مكتبة الأحقاف التي تحتل الطابق الأعلى من الجامع الكبير في تريم، وهي تلي في أهميتها مكتبة الجامع الكبير بصنعاء، وتحتوي على ستة آلاف ومئتَي عنوان، من بينها مخطوطات يدوية حضرمية مكتوبة بخط فني رائع موقوفة على طلبة العلم من مدينة تريم وبعض المناطق الأخرى.
ومدينة تريم ذات بيوت ومبانٍ جميلة تتميز بفنٍّ معماري فريد، وخاصة بيوت آل الكاف، والمدينة القديمة كان لها سور دائري من الطين لها بوابتان للدخول والخروج من المدينة، وتسمى البوابة الرئيسية بوابة هاشم، وفي تريم كثير من الحافات والحواري، ومنها:
حارة الخليف -بكسر الخاء وفتح اللام- وهي في غرب تريم إلى الشمال، ثم الرضيمة، ثم السحيل، ثم النويدرة، ومنها الجهة الشرقية من تريم السوق ثم الحجف.
ويطلق أبناء وادي حضرموت على مدينة تريم اسم (الغناء)؛ لكثرة الأشجار والنخيل التي تتساقط رطبًا جَنيًّا، وتستفيء بظلالها تلك القصور التي تشتهر بها هذه المدينة الجميلة التي تتميز بعذوبة مائها ونقاء هوائها.
ويربط بين مدينة سيئون وتريم طريق أسفلتي تتدلى على جانبيه أشجار النخيل التي كست الوادي بالخضرة الدائمة، وتنتشر حوالي تريم كثير من القرى، منها:
المصادر: