تسبّبت الحرب الدائرة في اليمن منذُ مارس آذار 2015، في تفاقم الوضع الصحي والبيئي في محافظة تعز الواقعة جنوب غرب البلاد، ممّا قد ينذر بكارثة بيئية وصحية بسبب مكب النفايات، الذي يقع في الجنوب الغربي للمدينة، والتي لا يبعد عنها سوى كيلو متر واحد فقط، في ظلّ انتشار الأوبئة والأمراض.
كما أنّ المكب يقع بالقرب من آبار المياه الجوفية التي تعتبر المخزن المائي الوحيد الذي يغطي احتياجات المدينة، وفي مناطق سكانية في ريف الضباب الذي يعدّ من أهم المناطق الزراعية والسياحية، حيث يعتبر المتنفس الوحيد للمواطنين، جراء الحصار الخانق التي تفرضه جماعة أنصار الله الحوثيين على المدينة.
وتعدّ التأثيرات الناتجة عن إتلاف وإحراق مكبات النفايات، كما هو حاصل في مدينة تعز (جنوب غربي اليمن)، من أكبر المخاطر التي قد تُودِي بحياة عشرات من البشر والحيوانات، إضافة إلى الأمراض المعدية الناتجة عن احتراق القمامة وتلوث الهواء المستمر.
فضلًا عن احتواء ثلثي هذه المواد العضوية المتحللة من مخلفات المنازل والشركات والمستشفيات المتواجدة في المدينة، على غازاتٍ سامّة تؤثّر بشكلٍ كبيرٍ في الهواء الذي تستنشقه الكائنات الحية، كما تنبعث عن احتراق النفايات بالهواء المجاور رائحةٌ كريهة.
صورة لأحد الآبار في ريف الضباب في تعز والذي يقع بالقرب من مكب النفايات - تصوير: خالد القاضي - © خيوط
يقول الأخصائي في مجال البيئة، وديع الشرجبي، لـ"خيوط"، إنّ هناك العديد من المخاطر التي تواجه الإنسان والبيئة المحيطة، منها تأثير الغازات السامة على السكان المنبعثة من دخان الاحتراق، إضافة إلى كونها مصدرًا لتكاثر الحشرات وغيرها من الكائنات الضارة والناقلة للعديد من الأمراض.
تدرك السلطات الصحية في تعز، خطورةَ بقاء مكب القمامة في حدائق الشهاب، لكنها عاجزة عن إيجاد بدائل متاحة، الأمر الذي يفاقم من خطورتها على الوضع الصحي والبيئي.
وتؤثر مدافن النفايات على النظام الحيوي في المنطقة، وذلك عبر استجلاب الفئران والغربان والحشرات، بدلًا من الثدييات والطيور، كما تحدث تغييرات في الغطاء النباتي، حيث يتم استبدال بعض الأنواع النباتية بأنواعٍ أخرى. ويعتبر الأشخاص أكثر عرضةً للأمراض المعدية، والتشوهات الخلقية، والسرطان، وأمراض الجهاز التنفسي.
وتهدّد هذه المخاطر المياه الجوفية في منطقة الضباب التي تعتبر شريانًا أساسيًّا لمعظم سكان مدينة تعز، حيث تلبي احتياجات السكان من مياه الشرب بنسبة تتجاوز 30%، في ظلّ الحرب والصراع الدائر في اليمن والحصار الذي تعاني منه مدينة تعز، لكن لسوء الحظ قد يتلوث هذ المخزون المائي، بسبب مكب القمامة الذي لا يبعد عنها إلا مئات المترات فقط، ممّا قد يتسبّب في أزمة مياه حقيقية لأبناء المدينة.
ويضيف وديع: "تكمن خطورتها على المياه الجوفية في المنطقة والبيئة المحيطة في كون المقلب في مكان مرتفع، ورشاحة المخلفات بما فيها الموادّ الضارّة، قد تنتقل إلى عمق التربة وتختلط بالمياه".
تراكم وسموم
في نفس السياق، تؤثر المكبات على المياه الجوفية من خلال تكوين العصارة أو ما يُعرف شعبيًّا بـ"حساء القمامة"، عادةً ما تتراكم النفايات السائلة في مدافن، حتى وإن كانت بكميات صغيرة.
يتابع الأخصائي في مجال البيئة وديع الشرجبي، حديثه بالقول: "إنّ هناك أيضًا مكانًا مخصصًا للراشح القادم من المطر، خلال مواسم الأمطار، تغتسل تلك المخلفات وتنتقل تلك المواد مع المياه الجارية".
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإنّ مكبات النفايات يمكن أن تتسبّب في تلوث مياه الشرب، حيث إنّ الأمطار الهاطلة على مواقع مكبات النفايات تحلل المواد العضوية وغير العضوية، ممّا يكوّن موادًّا شديدة السمية تتسرب إلى المياه الجوفية وتحتوي على مستوياتٍ عاليةٍ من المعادن السامة والأمونيا والمركبات العضوية الخطرة، وقد تصل هذه المواد الكيميائية الضارّة إلى الأنهار والبحيرات.
مكب في مناطق سكنية
تسبّبت الحرب والصراع في اليمن منذ العام 2015، بإغلاق الطريق المؤدّي إلى مكب القمامة الرسمي الذي يقع في منطقة "مفرق شرعب" في الشمال الغربي لمدينة تعز، لكن مع استمرار الصراع لجأت السلطة المحلية بالمحافظة إلى اتخاذ مكب جديد في منطقة الضباب، المدخل الغربي للمدينة.
يوضح مدير مكتب النظافة والتحسين الأسبق، عبدالله جسار، لـ"خيوط"، بالقول: "يعرف الجميع أنّ مقلب القمامة الحالي مؤقت، إلى أن يتم فتح الحصار المفروض على المدينة من قبل الحوثيين ويعود المقلب إلى مكانة الرئيسي".
تدرك السلطات الصحية في تعز، خطورة بقاء مكب القمامة في حدائق الشهاب، لكنها عاجزة عن إيجاد بدائل متاحة، الأمر الذي يفاقم من خطورتها على الوضع الصحي والبيئي.
يتابع جسار: "قد يكون هناك تأثيرات سلبية على المنطقة والسكان، لكن البديل قد يكون أشدّ ضررًا، ونحن كسلطة محلية لا نستطيع توفير مكب بديل".
أضرار صحية وتشوهات
يشكو أهالي منطقة عقاقة القريبة من مكب القمامة، من تصاعد ألسنة الدخان الناتج عن احتراق المخلفات، وما يسبّبه لهم من أعراض صحية متواصلة.
يتحدث المواطن عبدالكريم محمد، أحد أهالي المنطقة، لـ"خيوط": "منذُ ثماني سنوات ونحن نعاني من مقلب القمامة بسبب الدخان والنامس الذي يأتي منها؛ ممّا سبّب لنا العديد من الأمراض، لكن لا حياة لمن تنادي".
حوّلت الحرب حدائق الشهاب، من منتزه كان يتجه إليه الجميع من أجل التنزه، إلى مكب يرمى فيه ما تبقى من المخلفات، وتصبح المناطق التي تتجمع فيها النفايات أرضًا خصبةً لتكاثر البكتيريا والرائحة الكريهة، كما أنّها تؤثر على المناظر الطبيعية، وتكون عادةً المنازل القريبة من مكبات النفايات ذات أسعارٍ رخيصةٍ بسبب الحشرات المحيطة بها. ويتابع عبدالكريم: "كانت قبل الحرب منطقة سياحية يتوافد عليها الناس من كل مكان. الآن لم يعد أحد يرغب بالسكن هنا؛ أصبحت المنازل رخيصة".
فضلًا عن التأثيرات الأخرى التي تسبّبها مكبات القمامة على جودة التربة والمحاصيل الزراعية والتنوع البيولوجي، والتي قد يتسبّب في القضاء على نموّ الأشجار والنباتات الزراعية.