تغيرت حياة حسام الحجرية -طالب جامعي- منذ إعادة فتح طريق المنفذ الشرقي الرابط بين مدينة تعز- مركز المحافظة، ومنطقة الحوبان، وذلك بعد أن أصبح بإمكانه التنقل وزيارة أقاربه في غضون ساعات قليلة، عوضًا عن أكثر من ثماني ساعات كان يقطعها عبر طريق جبلي محفوف بالمخاطر وأجور مواصلات عالية.
في 13 يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت السلطة المحلية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، عن فتح طريق تعز – الحوبان، المُغلق منذ تسع سنوات عقب سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على منطقة الحوبان وإغلاقها للطريق في 2015. فَتحُ الطريق منحَ المواطنين الأمل باستعادة بعض مظاهر حياتهم الطبيعية التي تم مصادرتها قرابة عشر سنوات.
إغلاق الطريق كان قد خلق العديد من التحديات أمام الحياة اليومية للمواطنين الذين أُجبروا على عبور طريق التِفافيّ عبر منطقة الأقروض (جنوب شرقيّ تعز) للوصول إلى منطقة الحوبان، في رحلة تستغرق أربع ساعات (مقارنة بربع ساعة في طريق الحوبان - مركز المدينة)، فضلًا عن تكبّدهم زيادة باهظة في تكاليف النقل والسلع وتعقيد رحلات العلاج والتعليم والعمل، ممّا ضاعف معاناتهم وفاقَمَ وضعهم الاقتصادي الصعب.
كان السفر من الأقروض مهمة شاقة ورحلة من العذاب والغُربة، يشعر فيها المسافر أنه قادم من بلد آخر، وليس من منطقة في نفس المحافظة أو من محافظة أخرى مجاورة.
عودة بعد غياب
لم ينتظر حسام، الذي يدرس بصنعاء، بعد فتح الطريق، سوى بضعة أيام حتى سافر للتأكد من عدم وجود عوائق، ثم بعدها يقرر دخول المدينة عبر الحوبان على متن باص نقل صغير لم يكلّفه سوى 500 ريال يمني، ووقتًا وجيزًا للغاية.
بين سفره الأخير في 29 يونيو/ حزيران الماضي عبر طريق الحوبان، وبين سفره الأول عبر طريق الأقروض في الرابع من أبريل/ نيسان 2023، حدث تحوّلٌ هائل في حياته.
يتحدث حسام لـ"خيوط" عن التجربتين، بالقول: "كان السفر من الأقروض مهمة شاقة ورحلة من العذاب والغُربة، يشعر فيها المسافر أنه قادم من بلد آخر، وليس من منطقة في نفس المحافظة أو من محافظة أخرى مجاورة، إذ تستمر الرحلة أكثر من أربع ساعات عبر طرق جبلية مجهدة ومُكلّفة ماديًّا، تسلكها مركبات دفع رباعي تنقل المسافرين من الحوبان إلى تعز المدينة، مقابل 50 ألف ريال يمني. بينما لم يكلّف سفري الأخير سوى 500 ريال يمني فقط عبر باصات النقل الصغيرة، ولم يستغرق سوى ربع ساعة".
حُرِمَ الكثير من الطلاب، من مواصلة الدراسة في مدينة تعز، التي تضمّ عددًا من الجامعات الحكومية والخاصة، أكبرها جامعة تعز؛ بسبب عجزهم عن تأمين تكاليف السكن والغذاء داخل المدينة، واستحالة سفرهم يوميًّا عبر الطريق الفرعي، لكن فتح الطريق شكّل انفراجة للعديد من هؤلاء الطلاب الذين يسكنون في الحوبان، وأعاد لهم حلم الذهاب إلى الجامعة والعودة في غضون نصف ساعة.
"الطريق تقرب البعيد"؛ هكذا يقول المثل، الذي يجسّد قصة الطالب، محمد شوقي (26 عامًا)، الذي تمكن أخيرًا من زيارة أمه في تعز بعد غياب سنوات عاشها محمد في العاصمة صنعاء، وعند فتح الطريق، كانت زيارة والدته أول شيء يفكر به.
يتحدث شوقي لـ"خيوط"، عن هذه التجربة، قائلًا: "استغرقت الرحلة من صنعاء إلى مدينة تعز مدة ثماني ساعات، هذا الوقت -قبل فتح المنفذ الشرقي للمدينة- كنت أستغرقه عند السفر من منطقة الحوبان إلى مركز مدينة تعز عبر طريق الأقروض. لم أصدق أنّي وصلت بالفعل، ورأيت أمي. إنه بالفعل عيد لي ولكل أبناء تعز المحاصرين، ولكل الذين كانت الطريق تفاقم من معاناتهم الإنسانية والصحية".
"تشتي أعزمك"، مبادرة هدفت إلى تسكين زائري مدينة تعز لقرية (المحزف) المُعلّقة في أعالي جبل صبر، وتُلامس غيوم السماء بشكل مجاني في منازل المواطنين.
انتعاش ومبادرة فردية
التوق إلى الحياة، واستعادة بعضٍ من مظاهرها -ولو في حدّها الأدنى- ظهر جليًّا بالتزامن مع افتتاح طريق الحوبان - تعز، إذ شهدت أماكن الجذب السياحي -مثل منطقة جبل صبر المطلة على مدينة تعز، التي تضم متنفسات ومتنزهات- إقبالًا وحركة توافد كبيرة، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع أسعار الخدمات، فقد وصل سعر الغرفة في بعض الاستراحات إلى قرابة 50 دولارًا أمريكيًّا.
ولمشاركة هذه الفرحة بشكل جمعي دون الرضوخ لاستغلال التجار وملاك العقارات والاستراحات، أطلق العديد من المواطنين في قرى جبل صبر مبادرات استقبال الزائرين الذين لا يستطيعون الإقامة في الغرف المدفوعة للبقاء في منازلهم.
واحدة من هذه المبادرات، طرحها المصور نادر محمد الدُّغيش، على صفحته بموقع (فيسبوك) باسم "تشتي أعزمك"، هدفت المبادرة إلى تسكين الزائرين لقريته (المحزف) المُعلّقة في أعالي جبل صبر، وتُلامس غيوم السماء بشكل مجاني في منازل المواطنين.
يتحدث الدُّغيش لـ"خيوط"، عن مبادرته هذه، قائلًا: "أسعى لمساعدة الزائرين الذين يرغبون في زيارة المنطقة، وحمايتها من استغلال مُلاك الاستراحات، خصوصًا أنّ أغلبهم من المنقطعين عن المدينة سنوات؛ إضافة إلى التعريف السياحي بالمنطقة وقرية المحزف التي أنتمي لها".
وإلى جانب انتعاش الحركة السياحية نتيجة قدوم كثير من المتعطشين لزيارة المنطقة بعد طول غياب، ساهم فتح الطريق في إنعاش النشاط التجاري وحركة السوق داخل المدينة بفضل دخول آلاف المواطنين للمدينة، قادمين من الحوبان والمدن الأخرى، لكن هذه الحركة تسبّبت بخلق ازدحامٍ مروريّ بشكل غير مسبوق.
لا يستفيد أولئك الذين يسكنون في منطقة الحوبان ممّا لديهم من العملات الصعبة؛ لأن صرف 100 ريال سعودي مثلًا، حوالي 14 ألف ريال يمني، وبالكاد هذا المبلغ يغطي شراء أسطوانتين غاز.
صرف وعقاب تمويني
ولم يقتصر دخول المواطنين على زيارة أقاربهم أو العودة إلى منازلهم والالتحاق بالجامعات والعلاج، بل يشمل المئات ممن يأتون للتسوق يوميًّا للاستفادة من فارق سعر الريال اليمني بين المناطق المختلفة. ففي المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون يبلغ سعر الصرف ٥٣٥ ريالًا للدولار الواحد، بينما في مناطق الحكومة المعترف بها متغير، ولا يقل عن ١٨٥٠ ريالًا للدولار الواحد.
هذا التفاوت في أسعار الصرف، يؤثر على أسعار السلع والمواد الأساسية والخدمات، مما يعني أنه مريح بالنسبة للذين مداخيلهم بالعملة الأجنبية، سواء أكانت الدولار أو الريال السعودي، ففي مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا يكفي أحدهم مئة دولار لتغطية أهم نفقاته، مثل إيجار شقة وسداد رسوم الكهرباء والمياه.
وعلى العكس من ذلك، لا يستفيد أولئك الذين يسكنون في مناطق الحوثي، مثل الحوبان، مما لديهم من العملات الصعبة كثيرًا؛ لأنّ صرف 100 ريال سعودي مثلًا، حوالي 14 ألف ريال يمني، وبالكاد هذا المبلغ يغطّي شراء أسطوانتين غاز، بينما داخل مدينة تعز يمكنه صرفها بحوالي 50 ألف ريال يمني.
من جهة أخرى، أدّى ارتفاع الطلب على السلع والمنتجات إلى زيادة أسعار بعضها واستهلاكها بشكل كبير في ظلّ شُح المعروض منها؛ بسبب استمرار حظر دخول شاحنات البضائع من المنفذ الشرقي للمدينة المؤدّي إلى الحوبان، ومن ثم ما تزال هذه الشاحنات تسلك الطريق الفرعي عبر الأقروض، وهذا ما يُفسّر محدودية توفرها وارتفاع أسعارها مع الإقبال الكبير من المواطنين.
التاجر يحيى صادق، يتحدث لـ"خيوط"، عن هذه الأزمة التي تفسد فرحة فتح الطريق، بالقول: "للأسف الشديد، الأسعار المرتفعة تطال المواد الغذائية الضرورية والأكثر طلبًا واستهلاكًا من الناس، مثل الأرز والأجبان، بفعل منع شاحنات النقل والبضائع من المرور حتى بعد الطريق الرابط بين تعز المدينة التابعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، ومنطقة الحوبان التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيين) في يونيو/ حزيران المنصرم".
تعاني المدينة من مشكلة الازدحام المروري منذ سنوات، والسبب في ذلك يعود إلى ضيق ومحدودية مساحة شوارع المدينة، بالنظر للكثافة السكانية العالية، لكن المشكلة تفاقمت بعد فتح المنفذ، خصوصًا في المناطق السياحية.
اختناقات مرورية مستمرة
من جانبه، يوضح قائد شرطة السير بالمحافظة، سمير رزاز، في حديث لـ"خيوط"، أن دخول المنفذ الشرقي ما يزال حكرًا على السيارات العادية التي يستخدمها المواطنون للتنقل، في حين يمنع على شاحنات البضائع الدخول عبر المنفذ، وما زالت تسلك الطريق القديمة، وبطبيعة الحال، فإنّ معدل دخول البضائع للمدينة لم يتغير عما قبل فتح المنفذ، وما زالت معاناة شاحنات نقل البضائع قائمة بمرورها بطريق محفوف بالمخاطر شهد الكثير من الحوادث؛ وفقًا لتعبيره.
مضيفًا: "ترجع أسباب زيادة أسعار السلع وشُحها إلى الطلب الكبير في ظل استمرار حظر دخول ناقلات البضائع عبر المنفذ الشرقي والاعتماد على الطريق الفرعي الشاق".
الجدير بالذكر أنّ مدينة تعز تعاني من مشكلة الازدحام المروري منذ سنوات، حتى خلال سنوات الحصار، والسبب في ذلك يعود إلى ضيق ومحدودية مساحة شوارع المدينة بالنظر للكثافة السكانية العالية، لكن المشكلة تفاقمت بعد فتح المنفذ، خصوصًا في المناطق السياحية كجبل صبر ومناطق الحدائق والمنتزهات.
وفي محاولة للحدّ من هذا الازدحام، اتخذ قائد شرطة السير، إجراءات مثل: "تحديد مسارات جديدة للسيارات، كمسار إجباري يمينًا من المنفذ الشرقي إلى الثورة وعصيفرة ووادي القاضي، وكذلك مسار السيارات الخارجة إلى الحوبان".