"تعز طافي" حملةٌ مجتمعية تفضح فساد الكهرباء

مسؤولون متورطون في تأجير الشبكة العامة، بطرق مخالفة للقانون
خيوط
January 20, 2024

"تعز طافي" حملةٌ مجتمعية تفضح فساد الكهرباء

مسؤولون متورطون في تأجير الشبكة العامة، بطرق مخالفة للقانون
خيوط
January 20, 2024
.

في مساء الثالث عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 2023، ظهر الإعلامي نائف الوافي بفيديو مباشر عبر صفحته بالفيسبوك، وخلفه دخان يتصاعد من أجزاء محطة كهرباء عصيفرة العامة في مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن).

لقي فيديو نائف -المنشور في صفحته التي تضم أكثر من 150 ألف متابع- تفاعلًا واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي، مستبشرين بتشغيل محطة كهرباء عصيفرة بعد توقفها أكثر من 9 سنوات، بسبب الحرب الجائرة في البلاد بين القوات الحكومية المعترف بها دوليًّا، وجماعة (الحوثيين).

محطة كهرباء عصيفرة تعز

حملة تعز طافي

تحولت الحملة إلى "اشتلصي بتكاتف الجميع"، وهي لملمة شمل الأصوات والجهود إلى هدف تعاوني وتكاتف بين المجتمع والسلطة على ضرورة إعادة الكهرباء الحكومية والتخفيف من أعباء المواطنين، وبدأت ملامح الضوء تشع بالجهود لإعادة التيار الكهربائي للمدينة المحاصرة بعد انقطاع دام تسع سنوات.

يقول مسؤول حكومي: "إن هناك استغلالًا هائلًا لمولدات حكومية تم نهبها من مؤسسات وبنوك في المدينة، إضافة إلى العبث واستخدام شبكة الكهرباء العامة بشكل يخدم أشخاصًا محددين في السلطة المحلية والمؤسسة، وهو ما يخالف القوانين النافذة؛ وذلك للاستفادة من أرباحها وجني ملايين الريالات".

يقول الإعلامي نائف الوافي، وهو أحد المبادرين لإطلاق الحملة الشعبية، خلال حديثه لـ"خيوط"، إنّ حملة "تعز طافي"، تهدف إلى إدخال النور لمدينة تعز بالكهرباء الحكومية، في ظل معاناة المواطنين من ارتفاع أسعار الكهرباء التجارية، التي وصل سعرها للكيلو وات الواحد إلى 1100 ريال، و70 ألف قيمة الاشتراك، بالإضافة إلى 2000 ريال اشتراك شهري.

ويضيف الوافي، أن الحملة المطالبة بعودة الكهرباء الحكومية، نتج عنها حملة عمل وصيانة داخل محطة عصيفرة لتوليد الكهرباء، وحملة تضامن شعبية واسعة.

انطلقت هذه الحملة، بحسب الوافي، من مواقع التواصل الاجتماعي، واتجهت إلى أرض الواقع؛ من حيث إعادة ترميم محطة كهرباء عصيفرة الواقعة شمالي المدينة، وإعادة العاملين فيها من مختلف المناطق. وأكد الوافي أن هناك نتائج إيجابية بعد بدء تدشين الصيانة والعمل داخل المحطة، التي كان يُقال إنها خارج الخدمة، وهي إشاعات غير صحيحة -وفق الوافي- إذ إن العمل في الصيانة نتج عنه تشغيل تجريبي لأحد مولدات المحطة بمقدار 5 ميجا وات.

فضلًا عن وجود حماس وتفاعل واسع من المواطنين والناشطين، وبعض مسؤولي السلطة المحلية بالمحافظة، فيما البعض الآخر يحاول عرقلة إعادة الكهرباء العامة. "هذا ما أنتجته حملة وتكاتف الجميع، وليس حملة نائف الوافي فقط"، كما يقول الوافي لـ"خيوط"، مشيرًا إلى أن تكاتف الجميع في هذه الحملة لن يقف أمامه أحد، وأن هذا التكاتف سيأتي بالضوء الحكومي إلى هذه المدينة المحرومة منه منذ 9 سنوات.

ستكون هذه المحطة توليدية لكهرباء مدينة تعز، ومستقبلًا سوف تكون محطة داعمة لمنحة البرنامج السعودي، المقدرة بـ30 ميجا وات، والتي سبق أن أعلن عنها البرنامج كمنحة مقدمة لمحافظة تعز.

فوزي محمد، مهندس فني الكهرباء في محطة عصيفرة منذ عام 1997، يقول لـ"خيوط"، إنّ هناك خمسة مولدات تصل قدرتها إلى 14 ميجا وات، لكنها غير صالحة للعمل منذ 2003، فهي من فترة حكم الرئيس إبراهيم الحمدي لليمن.

أما المولدان الموجودان الآن واللذان تم تشغيل أحدهما تجريبيًّا والبدء بصيانته -بحسب فوزي- فتم توفيرهما في عام 2003، بعد تهالك المحطة الأولى، التي تكلف إعادة إصلاحها قيمة محطة جديدة.

ويؤكد فوزي أن المحطة تأثرت بفعل الحرب المستعرة بالبلاد، حيث تضررت خزانات وقود المحطة، وبعض الطلقات النارية بالمولدات، ومبردات المحطة، موضحًا: "بدأنا أولًا بصيانة خفيفة، وشغلنا أحد المولدات قدرته 5 ميجا وات، تجريبيًّا؛ لكي تعرف السلطة المحلية أنها قادرة على العمل، بعدها بدأنا في الصيانة العمرية".

مولدات الكهرباء في محطة عصيفرة تعز

تأثير الحملة

عودة الضوء إلى مدينة تعز أمرٌ هامٌّ وحيويّ للسكان والبنية التحتية، وفي هذا السياق لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًّا في تحريك الجهات الرسمية.

الإعلامي والناشط المجتمعي، عمران فرحان، يقول لـ"خيوط"، إنه عندما تم إطلاق حملة (تعز طافي) من قبل الصحفي المعروف نائف الوافي ورفاقه، تفاعل المجتمع معه وتجاوب مسؤولون في السلطة المحلية.

ويضيف فرحان، أنّ الحملة أثّرت بشكل إيجابي في استثمار مواقع التواصل الاجتماعي نحو النفع العام بالضغط على الجهات الرسمية، إضافة إلى تحفيز المجتمع على دوره في التركيز على أولويات احتياجاته وحقوقه، بدلًا من استغلاله في قضايا لا تخصه أساسًا، وهذه نقلة إيجابية كرستها الحملة بزيادة الوعي لدى المجتمع المحلي والجهات الرسمية، بأهمية إعادة التيار الكهربائي إلى المدينة تعز.

ويوضح أن قيمة تيار الكهرباء الخاصة مهلكة، وأن شركاءهم في السلطة المحلية والعسكرية طيلة السنوات الماضية وبعضًا منهم، يعملون بكل جهد لإفشال عودة التيار، ورغم اجتماع السلطة في 22 أكتوبر الماضي لخفض القيمة، فإنها لا تلامس الفعل.

شكوى ضد مدير كهرباء مدينة تعز عارف غالب

مخالفة للقانون

من جهته يقول رئيس لجنة الدفاع عن كهرباء تعز، والأمين العام للجنة التحضيرية لنقابة عمّال وموظفي كهرباء تعز، أمين الحاج، إنه تم البدء بالمطالبة بعودة الكهرباء في عام 2017، بعد توقف المحطة بسبب الحرب.

يضيف في تصريح لـ"خيوط"، أن هناك صعوبات كانت تواجههم آنذاك، من قبل قيادات في السلطة المحلية وبعض القيادات العسكرية في المدينة، الذين بدَؤُوا لاحقًا في السماح بتشغيل الكهرباء التجارية عبر استخدام الشبكة العامة، بدون أي طرق أو إجراءات قانونية.

بعد تلك الصعوبات وما يصفه الحاج بـ"الفساد الحكومي"، قام هو وأشخاص آخرون في اللجنة، بالمتابعة عبر مكتب الشؤون القانونية بالمحافظة، وعبر نيابة الأموال العامة، ونيابة المخالفات، عدة سنوات، بسبب عدم التفاعل معهم، حتى صُدرت قرارات قانونية بمصادرة جميع المولدات التي تم نهبها من مؤسسات ومكاتب حكومية وفناء محطة الكهرباء، وإعادتها.

"كما وضحت القرارات القانونية، أنه تم استخدام الشبكة العامة بطرق غير قانونية، وللأسف لم نجد من يقوم بتنفيذ هذه القرارات"؛ يؤكد الحاج. حيث سيطر بعض مالكي الكهرباء التجارية، على شبكة وأسلاك الكهرباء في المدينة بطريقة غير قانونية، وتم فرض رسوم اشتراك على المواطنين للحصول على خدمة الكهرباء التجاري، بمخالفة للقوانين، واشتراك شهري يدفعه المشترك طوال فترة اشتراكه.

الجدير ذكره أنّ المحطة، التي تبلغ قدرة تشغيلها لاثنين من المولدات 10 ميجا وات، سوف تغطي أجزاء واسعة في المدينة، حيث إن المدينة تحتاج 30-40 ميجا وات لتشغيلها كاملة، بحسب مسؤول في مؤسسة الكهرباء، فضّل عدم ذكر اسمه.

تتبعت "خيوط" الوعود الكثيرة التي أدلى بها مسؤولون في السلطة المحلية بمدينة تعز، بشأن ضبط سعر التعرفة الكهربائية التجارية، وإعادة تأهيل محطة كهرباء عصيفرة الحكومية. كان آخر هذه الوعود في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2023.

بحسب هذا المسؤول الحكومي، فإن هناك استغلالًا هائلًا لمولدات حكومية تم نهبها من مؤسسات وبنوك حكومية في المدينة، إضافة إلى العبث واستخدام شبكة الكهرباء العامة بشكل يخدم أشخاصًا محددين في السلطة المحلية والمؤسسة، وهو ما يخالف القوانين النافذة؛ وذلك للاستفادة من أرباحها وجني ملايين الريالات.

وحصلت "خيوط" على تقرير يوضح الرأي القانوني بشأن حقوق وممتلكات كهرباء تعز، موجه إلى محافظ المحافظة، وصادر عن مكتب الشؤون القانونية بتعز، بتاريخ 18 مارس/ آذار 2021. وأكد التقرير بطلان عقود تأجير الشبكة العامة للكهرباء، المبرمة بين مدير عام المؤسسة العامة- فرع تعز، وبين أصحاب المولدات الخاصة؛ وذلك لمخالفتها للقانون، وعدم صفة واختصاص مدير عام مؤسسة الكهرباء بتعز بإبرامها والتوقيع عليها.

يذكر التقرير -ووفقًا للقانون- أن تعرفة الكهرباء تصدر بالحد الأعلى للشريحة بقرار من رئيس مجلس الوزراء (بعد موافقة مجلس الوزراء)، بناءً على عرض الوزير، وهو الحكم الذي نصت عليه أحكام المادة (25) من قانون الكهرباء اليمني.

إهمال يطال أجهزة توليد الكهرباء في محطة عصيفرة - تعز

كما أنّ بعض التجار أصحاب المولدات الخاصة يستخدمون الشبكة العامة للكهرباء دون أن يكون لهم عقودٌ أو تراخيص باستخدام الشبكة، إذ يبين التقرير "أن ذلك يعد تسهيلًا للاستيلاء على المال العام وإثراء للتجار بدون سبب على حساب المال العام، ما يعد إضرارًا بمصالح الدولة، وهي جريمة منصوص عليها بالمادة (163) من قانون الجرائم والعقوبات، والتي تنص على: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات، كلُّ موظف عام عُهد إليه بالمحافظة على مصلحة الدولة أو إحدى الهيئات أو المؤسسات العامة أو الوحدات التابعة لها في صفقة أو عملية أو قضية وأضر بهذه المصلحة ليحصل على ربح أو منفعة مادية لنفسه أو لغيره".

نسخة صورة من تقرير مكتب الشؤون القانونية بتعز

ويوجد في مدينة تعز أكثر من (13) شركة تجارية لتوليد الكهرباء، بأكثر من 50 مولدًا كهربائيًّا في أحياء مدينة تعز، في استغلال فاضح لانقطاع التيار الكهربائي الحكومي، وإهمال وعدم رقابة السلطة المحلية في المحافظة.

ومن أبرز هذه الشركات: "يمن كو"، "الأخوين"، "الأنوار"، "الدبعي"، "يمن باور"، "المتحدون"، "أنوار المدينة"، "النهضة"، "الضبوعة"، "الحرمين"، "الوفاء"، "النورس"، "محطة تعز"، "الحياة لايت".

أجهزة الكهرباء الخاصة بمحطة عصيفرة تعز

وعود كاذبة

تتبعت "خيوط" الوعود الكثيرة التي أدلى بها مسؤولون في السلطة المحلية بمدينة تعز، بشأن ضبط سعر التعرفة الكهربائية التجارية، وإعادة تأهيل محطة كهرباء عصيفرة الحكومية. كان آخر هذه الوعود في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2023، عندما أصدرت الإدارة العامة للإعلام بيانًا تؤكد فيه أنّ اجتماعًا برئاسة وكيل أول محافظة تعز؛ عبدالقوي المخلافي، أقرّ تخفيض سعر الكهرباء التجاري، وإلغاء رسوم الاشتراك الشهري.

وقال البيان، الذي اطلعت "خيوط" على نسخة منه، إنه: "تم تحديد سعر استهلاك وحدة الكيلو وات من الكهرباء بـ800 ريال، ابتداءً من شهر نوفمبر 2023، وإلغاء الاشتراك الشهري الذي كان مالكو الكهرباء قد فرضوه على المستهلكين بواقع 2000 ريال على كل مستهلك، وتوجيه الجهات المعنية وشرطة المحافظة بتنفيذ التوجيهات والقرارات الصادرة، واتخاذ إجراءات حازمة بضبط المخالفين".

لكن لم يتم تنفيذ ذلك البيان الحكومي، حيث حصلت "خيوط" على فاتورة كهرباء لأحد المستفيدين -المشتركين- تابعة لشركة (يمن كو) لتوليد الكهرباء التجارية وسط مدينة تعز، صادرة في تاريخ 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ بلغ سعر التعرفة الكهربائية للكيلو وات الواحد للمنزلي، 950 ريالًا، والاشتراك 650 ريالًا، لمدة 10 أيام فقط.

رسوم فاتورة كهرباء تجارية بتعز

بدأت وعود السلطة المحلية بإعادة تأهيل محطة كهرباء عصيفرة الحكومية في شهر أبريل/ نيسان 2020، وبعد قرابة 4 سنوات لم يتم تنفيذ تلك الوعود، وما تزال قيمة التعرفة الكهربائية مستمرة في الارتفاع.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته، أعلنت السلطة المحلية بتعز، بَدء فريق الصيانة في العمل، تمهيدًا لتشغيلها. وفي 25 أبريل/ نيسان 2022، عُقد اجتماع لسلطة تعز لتزويد المدينة بـ10 ميجا وات كهرباء بشكل إسعافي، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.  في 20 أكتوبر 2022، محافظ تعز نبيل شمسان، يزور أعمال الصيانة في محطة كهرباء عصيفرة.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English