استقبل أهالي مدينة تعز العام الجديد على دوي القذائف التي تساقطت على الأحياء السكنية، وسط أزمة اقتصادية حادة فاقمت المعاناة وتسببت في ارتفاعات حادة للأسعار، رغم ذلك يأمل السكان أن يحقق العام الجديد أمنياتهم المؤجلة منذ ستة أعوام.
من خلال مقابلات مباشرة مع عدد من سكان المدينة، يلاحظ ارتباط الأمنيات الخاصة بالعامة، حيث يجمع السكان على أن الحصار المفروض على المدينة جعل حياتهم صعبة وفاقم معاناتهم بجانب الارتفاع القياسي في أسعار السلع الأساسية، على خلفية تهاوي العملة وارتفاع تكاليف النقل نتيجة الحرب.
مراد السامعي (28 سنة)، من سكان تعز الذين عانوا من النزوح نتيجة الحرب، ويتمنى أن يعود إلى مدينته، إذ تحدث لـ"خيوط"، بحسرة عن استمرار إغلاق المنافذ البرية وانقسام المدينة إلى شطرين، مؤكدًا بأنها المعضلة الأبرز التي يعاني منها سكان محافظة تعز في كل عام، ومنذ ست سنوات مضت.
"أتمنى أن نعود إلى بيوتنا في العام الجديد"، هكذا يخبر مراد "خيوط" عن أمنيته الحالمة كون أسرته تمتلك منزلًا داخل مدينة تعز، لكنهم الآن نازحون في منطقة الحوبان -الشطر الشرقي للمدينة- وذلك بفعل الحرب والحصار.
جزيرة معزولة
تبدو مدينة تعز مثل جزيرة معزولة نتيجة الحصار المفروض عليها من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) التي تسيطر على ثلاثة منافذ برية حيوية، وتبقّى للسكان منفذ بري وحيد في الجنوب، وتأتي عن طريقه السلع الغذائية والأدوية عبر طرق جبلية وعرة.
كما تعد من أكثر المدن اليمنية تأثرًا بالحرب الدائرة منذ ست سنوات، وقد تعرضت أحياؤها لدمار كبير، فيما لا تزال المدينة محاصرة، بينما يحلم السكان باليوم الذي تتوقف فيه الحرب ويحل السلام.
حتى أطفال تعز "الذين لا يزورهم بابا نويل"، باتت أمنياتهم ترتبط بالحرب، تقول ريما صبري (8 سنوات) أن أمنيتها تتمثل في إيجاد الأمان عندما تكون في المدرسة، إذ إن سماع دوي القذائف أخافها كثيرًا العام الماضي
أيمن الحرازي، وهو مقيم في مدينة تعز ويعمل في الشأن الإنساني التطوعي يذهب في الاتجاه ذاته، قائلًا: "إن النصف الأول من العام 2020، شهد هدوءًا في جبهات مدينة تعز العسكرية، مع سيطرة فيروس كورونا على المشهد وتوقف العديد من النشاطات بشكل عام".
ويضيف لـ"خيوط"، أن هذا الهدوء كان قد شكل أملًا بأن تنتهي الأعمال القتالية ويعم السلام، لكن النصف الثاني من العام جاء مغايرًا وحمل الكثير من العنف، وهو ما لا يتمناه أن يتكرر في العام الجديد.
حتى أطفال تعز "الذين لا يزورهم بابا نويل"، باتت أمنياتهم ترتبط بالحرب، تقول ريما صبري (8 سنوات) إن أمنيتها تتمثل في إيجاد الأمان عندما تكون في المدرسة، إذ إن سماع دوي القذائف وهي تتساقط أخافها كثيرًا العام الماضي.
ويُجمع عدد من السكان، الذين استطلعت "خيوط" آراءهم، على أن العام 2020 كان عامًا صعبًا، مع متاعب إضافية، أبرزها تداعيات فيروس كورونا الذي تخطت وفياته المليون حول العالم، وكان مأساويًا لمدينة بحجم تعز.
وتعلق الطبيبة، فريال محمد، على الأمر قائلةً إن 2020 ليست متهمة هنا بقدر ما شهدته من مآسٍ جعلت الجميع ينظر لها كذلك، "والسنوات بريئة بالطبع"، تؤكد.
فريال محمد، التي عملت في قلب الجائحة في إحدى مراكز العزل الصحي بالمدينة تطرقت بشكل شخصي لتجربتها، وكيف أن الأمر "كان أشبه بكابوس". تضيف في هذا الصدد لـ"خيوط": "لقد كنا نعاني حينها من شحة الكوادر الطبية وميزانية مالية صفرية، لكننا الآن متماسكون والوضع الصحي في تعز مع العام الجديد أكثر استقرارًا، ونعطي أهمية للتقديرات الدولية بوجود سلالة أشد خطرًا لكورونا".
تداعيات اقتصادية
الأزمة الاقتصادية التي صنعتها جائحة فيروس كورونا وانقطاع الأعمال والرواتب في العام الماضي، كان لها وقعها وأثرها الكبير في نفوس الناس وحياتهم المعيشية.
الأستاذ في كلية التربية بجامعة تعز، محمد علي، يؤكد لـ"خيوط"، تمسكهم بالأمل رغم كل شيء، ويتمنى أن يحمل العام الجديد أخبارًا جيدة لسكان تعز، مبديًا تفاؤله بعودة الحكومة الجديدة المعترف بها دوليًّا للعمل من عاصمتها المؤقتة، وهذا من وجهة نظره هو الأمل الأجمل الذي أطل بداية العام".
يشدد الأكاديمي في جامعة تعز، على أهمية وجود الحكومة المعترف بها دوليًّا على أرض الوطن، والذي يعني الكثير بالنسبة للناس، حيث يمكنها تقييم وضع احتياجاتهم عن قرب وإيجاد الحلول لكافة المشاكل.
كما أن لطلاب المدينة، أمنيات مختلفة، يعبر عنها صلاح الواسعي، الطالب في إحدى الجامعات الخاصة داخل مدينة تعز، والذي يشتكي من قرار يفاقم معاناة الطلاب وأهاليهم، والمتمثل في انهيار الريال مقابل الدولار، الذي يؤثر كثيرًا على رسوم التسجيل والالتحاق بالجامعات الخاصة.
ويتساءل الواسعي عبر "خيوط"، عن عدم تراجع الجامعات عن قرارها الظالم بحق الطلاب رغم تراجع سعر الصرف، واصفًا السلطات والجهات الرقابية "أنها بلا ضمير".
وكانت الجامعات تعتمد الرسوم الجامعية للطلاب بالدولار عند سعر الصرف القديم قبل الحرب، الذي يساوي 250 ريالًا للدولار، لكنها اعتمدت سعرًا جديدًا مع نهاية العام الماضي، عند 400 ريال للدولار.
أسعار السلع
يجمع عدد من المواطنين، التقتهم "خيوط" في أسواق المدينة، أن ارتفاع الأسعار فاق قدرتهم وبات بمثابة غصة تفاقم معاناتهم في ظل الحرب، ولديهم أمنية مشتركة تتمثل بتحسن الوضع الاقتصادي وانخفاض الأسعار.
وشهدت أسعار السلع تصاعدًا ملحوظًا منذ بداية الحرب، لكن الارتفاع الأخير للأسعار خلال العام الماضي فاق قدرة السكان في تعز على الاحتمال وبات الآلاف عاجزين عن شراء الخبز والسلع الأساسية.
ويبرر التجار ارتفاع الأسعار بتراجع قيمة العملة المحلية في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، خصوصًا في النصف الثاني من عام 2020، حيث هوى الريال إلى أدنى مستوى له متجاوزًا 900 ريال للدولار، قبل أن يتراجع إلى 720 ريال للدولار بداية العام الجاري.
علي الدربوجي، أحد أهالي مدينة إب المقيمون في تعز، أقر بصعوبة العمل في ظل بيئة الحرب من الأساس، مبديًا تعجبه من الأسعار التي لم تعرف التغيير داخل المدينة، رغم تعافي الريال مؤخرًا أمام العملات الأجنبية.
الدربوجي، الذي يملك عربة لبيع الملابس المستعملة وسط شارع جمال، وصف في حديثه لـ"خيوط"، مدى جشع التجار –حسب تعبيره– وأنهم لا يريدون سوى مصلحتهم فقط.
ويشير عدنان عبدالله، تاجر مواد بناء، إلى خسائر يتكبدها التجار في ظل التضارب غير المعقول –حسب تعبيره– في سعر صرف العملة بشكل يومي.
بدوره، يؤكد فاروق الكمالي، الصحفي المتخصص في الاقتصاد، أن تراجع الريال ليس السبب الوحيد لارتفاع الأسعار، موضحًا في حديثه لـ"خيوط"، أن عوامل كثيرة تتحكم بأسعار السلع من بينها الوضع الأمني وارتفاع تكاليف الشحن البحري إلى الموانئ اليمنية، وكذلك ارتفاع تكلفة النقل البري إلى المحافظات.
ويؤكد الكمالي، أن أسعار السلع في مدينة تعز، تزيد نحو 15% عن بقية المحافظات نتيجة الحصار وارتفاع تكلفة النقل البري للسلع من ميناء عدن، متوقعًا أن تتضاعف مشاكل الاقتصاد اليمني خلال العام الجاري، على خلفية التوقعات بتفشي وباء كورونا في اليمن بالإضافة إلى تأثير الوضع السياسي والعسكري وانخفاض المساعدات الإنسانية.