عمل مهندسو الهدنة في نسختها الأولى، وبتناسلها لنسختين تاليتين بين أبريل/ نيسان، وسبتمبر/ أيلول 2022 بذات الآلية، على إيقاف مؤقت للعمليات العسكرية على الأرض بهدف البناء عليها، أو كما أعلنوا، من أجل الوصول إلى إيقاف نهائي لحرب عبثية أكلت الأخضر واليابس في البلد الفقير والمنسي، الذي يشهد أكبر كارثة إنسانية على المستوى العالمي بحسب تصنيف الأمم المتحدة.
كان من أهم بنود الهدنة إيقاف الأعمال العدائية في الداخل والخارج، وفتح جزئيّ لمطار صنعاء الدولي وتسيير رحلات محددة لوجهتي العاصمة المصرية والعاصمة الأردنية، والسماح بدخول سفن المشتقات النفطية عبر موانئ الحُديدة، وتكثيف الأعمال الإغاثية في المناطق المتضررة ومخيمات النازحين، وصرف مرتبات موظفي الدولة المقطوعة منذ ست سنوات من عوائد رسوم المشتقات والعوائد الأخرى في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، إلى جانب التفاوض من أجل فك الحصار عن تعز وفتح الطرق إليها، وفتح الطرق بين المحافظات التي تقع على خطوط التماس.
الذي تم إنفاذه من هذه البنود هو إيقاف الأعمال العدائية الكبيرة، فلم يعد طيران التحالف السعودي الإماراتي يقصف أهدافًا في الداخل، ولا الصواريخ والمسيّرات الحوثية تستهدف المنشآت الحيوية والأعيان في كلتا الدولتين، وهذا هو الهدف الواضح من فرض الهدنة برعاية أممية وضغوط دولية كبرى، لأنّ الأسواق العالمية لم تعد تحتمل المزيد من التوتر الذي يُفضي إلى إرباك إمدادات الطاقة، التي تأثرت بشكل مباشر من الحرب الروسية الأوكرانية، وما ترتب عليها من المقاطعة الجماعية للوقود والغاز الروسيين اللذين كان الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأخرى يعتمدون عليهما بشكل أساسي.
لم تزل أحياء المدينة المحاصرة تتعرض لقصف وحالات قنص متعددة، راح ضحيتها أطفال ونساء ورجال عديدون صادف مرورهم أو تواجدهم في المناطق التي استهدفتها العمليات البربرية، التي لا يُحرك معها ضمير مهندسي الهدنة ورعاتها، طالما أنها لا تطال مصالح بلدانهم.
مكافأة الطرف المدلل (الحوثي) عن ذلك، كان السماح لسفن الوقود بالتدفق إلى الموانئ التي يسيطر عليها، وتسيير رحلات من صنعاء يتحكم بها إلى الوجهتين المعلن عنها. وبالمقابل لم ينفذ، هذا الطرف، من بنود الهدنة الأخرى أي شيء؛ فلا مرتبات الموظفين المقطوعة من سنوات صرفت من عوائد رسوم المشتقات النفطية والجبايات الكثيرة والمتنوعة التي يفرضها على كل صغيرة وكبيرة، ولا فُتحت طرق تعز المحاصرة منذ سبعة أعوام، برغم جولات المفاوضات بين ممثلي الطرفين برعاية الأمم المتحدة، بسبب التعنت الحوثي الذي يريد فتح طرق بدائية بديلة عن الطرق والمنافذ الرئيسية، وإبقاء الطرق بين المحافظات مقطوعة لفرض واقع سياسي وأمني مستدام.
لم يزل المسافرون من وإلى مدينة تعز وأريافها الغربية والجنوبية يعانون الأمرّين من سلكهم لطرق بدائية ووعرة وطويلة من أجل الوصول إلى وجهاتهم تقتطع من صحتهم الكثير من وقتهم ساعات طويلة، كانت قبل فرض الحصار المشدد لا تستغرق غير دقائق معدودة للوصول إلى قلب المدينة، لأنّ الطرف المدلل لا يريد أن تتأثر مصالحه الاقتصادية الكبيرة من السيطرة العسكرية والأمنية على المنطقة الشرقية من المدينة، حيث يتواجد أكبر مجمع للمنشآت الصناعية بعوائدها المالية الكبيرة، وإنّ الطرق البدائي الجديدة التي يقترحها تتيح له بدائل أمنية وعسكرية متعددة لحصار المدينة أكثر.
لم تزل أحياء المدينة المحاصرة تتعرض لقصف وحالات قنص متعددة، راح ضحيتها أطفال ونساء ورجال عديدون صادف مرورهم أو تواجدهم في المناطق التي استهدفتها العمليات البربرية، التي لا يُحرك معها ضمير مهندسي الهدنة ورعاتها، طالما أنها لا تطال مصالح بلدانهم ولا تمس أمنها.
باختصار؛ أراد مهندسو ورعاة الهدنة عقد صفقة استفاد منها كما هو ملاحظ الطرف المتعنت الذي لم ينفذ أي شيء من بنود الهدنة أنصار الله (الحوثيين)، وتعزز وجودهم كطرف قوي على الأرض بمستحكمات عسكرية وأمنية واقتصادية واضحة، مقابل كفّ أذاهم عن مهاجمة وتهديد المناطق الاستراتيجية في السعودية التي تتزود البلدان التي يمثلونها بنفطها، فهم ليسوا معنيين -أصلًا- بمعاناة ملايين المواطنين الذين تحاصرهم بنادق الحوثيين وألغامهم، ولا تهمهم عملية التجويع والإفقار التي تمارسها جماعة متسلطة بحق اليمنيين، الذين تخلى عنهم الجميع.