منصة خيوط
كلمات: عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول)
لحن: أيوب طارش
غناء: أيوب طارش
كثيرة هي الأغاني التي ربطت الفضول بأيوب، وشكلت في تنوعها وخصوصياتها اللهجوية وموضوعاتها عنواناً بارزا لثنائية فنية فذة أفرزتها سنوات التعاون الطويلة بين الأثنين، لتصير مع الوقت حالة متفردة في مدونة الغناء اليمني، فلا يذكر أيوب إلا ويذكر الفضول والعكس أيضاً، فكل منهما لم يزل يعرَّف بالآخر رغم انقضاء أكثر من أربعين عاما على وفاة الشاعر. ومن الأغاني ذات الخصوصية العالية، التي أنتجها الإثنان، أغنية "طاب البلس" التي ظهرت أول مرة مطلع الثمانينات، ولم تزل حتى اليوم تتوهج في ذاكرة الاستماع، لأنها قطّرت جبال صبر بنسائه ومنتوجاته بكثير من الجمال الفخيم .
تقول كلمات أغنية ( طاب البلس):
طاب البلس طاب وا عذارى طاب
هيا صبّحونا بلسْ
والفرسك أخضر وحالي فراسكك واصبر
لا ما تسبب ضرَس
ما أحلى بنات الجبل حينما ما يطوفين
المدينه بالثياب الَدمس
خدود مثل الورد ضوء الفجر أرواها
وأعطاها المشاقر حرس
محوطات الوجوه البيض بالكاذي
المسقى في برود الغلس
يسقيك ما أحلى ورودك وغرسك وا صبر
يرحم أبوه من غرس
كم فيك من حسن كم فيك من ألوان
فتنه ليت قلبي نَفَس
لكن قلبي ملانه حب من حينما
في الحب قلبي غطس
حبيت وافي أحتكم قلبه لقلبي
في الهوى واحتبس
لو جيت انسى هواه حتى لبعض الثواني
دق قلبي جرس
هواجسي كلها عنده
ويغلط نبض قلبي لو بغيره هجس
اذا ابتسم يبتسم روحي
ويتضاحك وتبكي مهجتي لو عبس
كم يا نجوم زاورت روحي
وما شي نجم غيره وسط روحي جلس
وكم بدور ضيَّفتني بعدما حبيت
قلبي من هواها خنس
طاب البلس طاب واعذارى
طاب هيا صبّحونا بلس
أشتي بلس بس أما الحب
قلبي قد شرب منه لحتى قال بس.
عن الشاعر
ولد عبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضول) مواليد قرية ذبحان بالقرب من مدينة التربة، مركز مديرية الحجرية، في العام 1918، ووالده هو قائم مقام الحجرية، درس في زبيد وعلى يد ابن عمه الأستاذ أحمد محمد النعمان، والأستاذ محمد أحمد حيدرة في مدرسة ذبحان، وبعد عودة الأستاذ النعمان من مصر إلى تعز أوائل 1941، وانضمامه إلى طاقم ولي العهد، انتقل الفضول إلى تعز حيث عمل مدرسًا في المدرسة الأحمدية حتى العام 1944، حين التحق من جديد بابن عمه الذي فر إلى عدن، وكان معه من أوائل مؤسسي حزب الأحرار اليمنيين.
في عدن عمل معلمًا لمادة اللغة العربية في مدرسة بازرعة الخيرية، في منطقة العيدروس، ثم ترك التدريس في العام 1946، وعمل في صحيفة "صوت اليمن" الناطقة باسم الجمعية اليمنية الكبرى، التي بدأ منها كتابة المقالات الساخرة التي تتهكم على نظام الإمامة، بالإضافة إلى كتاباته السياسية في جريدة فتاة الجزيرة بتوقيع "يمنيّ بلا مأوى" وكتابة الشعر. وبعد فشل ثورة 1948 الدستورية، أصدر صحيفة الفضول لمدة خمسة أعوام، وإن بشكل غير منتظم، حتى أغلقتها الحكومة الاستعمارية بضغوط من حكومة الإمام.
انقطع عن الكتابة الصحافية، وعن كتابة الشعر لسنوات طويلة، حيث فضَّل الاشتغال بمهن حرة مختلفة، وبقي متنقلًا بين عدن وتعز وصنعاء، حتى العام 1966، حيث تم اعتقاله في سجن القلعة بصنعاء ضمن مجموعة من السياسيين المعارضين للتدخل المصري في الشؤون الداخلية، وبالتزامن مع الاعتقال الشهير للرموز السياسية اليمنية وحكومة حسين العمري في السجن الحربي بالقاهرة، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد نكسة 1967.
في هذه الفترة تقريبًا عاود الفضول كتابة الشعر، بل وكتابة القصيدة الغنائية بشكل مكثف، بعد أن كانت بالنسبة له نوعًا التنفيس، على نحو قصيدة شبان القبيلة التي لحنها في وقت مبكر (1964) الفنان محمد مرشد ناجي، وغنتها الفنّانة فتحية الصغيرة، والفنان محمد صالح عزاني في وقت لاحق، وأغنية "رح لك بعيد" التي لحّنها لمنى علي الفنان علي الآنسي، وغنتها مع أيوب طارش منتصف الستينيات.
بعد ذاك، شكّل ثنائيًّا مع الفنان أيوب طارش عبسي، فأنتجا معًا الكثير من الأغاني العاطفية والأناشيد الوطنية الخالدة، وعلى رأسها النشيد الوطني.
تُوفّي في 5 يوليو 1982، بتعز ودُفِنَ في مسقط رأسه بذبحان.
عن الفنان
خلال أكثر من خمسة عقود، استطاع الفنان اليمني الكبير (أيوب طارش) أن يفرض مكانة بين اليمنيين قلّما حازها غيره من الفنانين، فخارطة حضوره تمتد من صعدة إلى المهرة، وأصبحت أغانيه جزءًا من الممارسات اليومية في الحياة العامة، ليس لأنه فقط عبَّر عن وجدان الشرائح الأوسع في المجتمع، وإنما لكونه الأكثر شبهًا بناسها، ومارست أغانيه حضورها بعيدًا عن الصنعة المتحذلقة، فكانت بسيطة ومفهومة. ولا يمكن تناوله بعيدًا عن سياق تكوينه الفني، وواقعه ومحيطه الاجتماعي والثقافي والسياسي.
جاء أيوب من جذور ريفية، وليس معيبًا في حقّه تلك الجذور "القروية"، لأنه مثل معظم أبناء جيله، أحد أولئك الذين انتقلوا من الريف إلى المدن. وبخلاف طغيان لهجته التعزية على غنائه، يمتاز دائمًا بأنه غنّى لكل اليمنيين؛ فمفرداته اللحنية شكّلت مشتركًا لكثير من العناصر الموسيقية اليمنية، مضفيًا عليها جزءًا من تأثره بفنانه المُفضَّل محمد عبدالوهاب. ونجح في جعل هذا التأثر خفيًّا، لكنه سيظهر في تكوين أدواته اللحنية، وموهبة صوته.
ولعل أيوب استفاد من عناصر متواجدة في منطقة الحجرية، مثل: "المهاجل" أو "الملالات"، غير أنّه استطاع أن ينفح فيها مصادر عديدة، أنتجت شخصية غنائية لا تشبه غيره، واستطاعت الوصول إلى كل بيت في اليمن. وهكذا أصبح أحد الرموز الكبيرة في الغناء اليمني.