الصيف حين يتحول إلى كابوس

شتاء الحكومة الذي لم يهل على سكان المناطق الحارة
نجيب الكمالي
July 6, 2024

الصيف حين يتحول إلى كابوس

شتاء الحكومة الذي لم يهل على سكان المناطق الحارة
نجيب الكمالي
July 6, 2024
الصورة لـ: علي السنيدار - خيوط

يمثّل قدوم فصل الصيف كابوسًا مرعبًا يتجدّد كل عام ليقض مضاجع السكان في المدن الساحلية اليمنية، ويهدّد حياتهم مع ارتفاع درجة الحرارة إلى أكثر من 40 درجة مئوية، ووصول نسبة الرطوبة في السهول الساحلية إلى أكبر من 80% بالتزامن مع غياب خدمة الكهرباء.

يكابد السكان المحليون الذين يقطنون المناطق الحارة عمومًا، ويلات متصلة، زادت وطأتها خلال السنوات الأخيرة، وتبلغ ذروتها خلال الفترة من مايو/ أيار حتى سبتمبر/ أيلول من كل عام، مع قدوم فصل الصيف الحارق، الذي لا تخففه وعود الحكومات، التي قالت قبل سنوات إنّها ستجعله شتاء، في إشارة إلى توفير خدمة الكهرباء لسكان هذه المناطق.

حرارة وتلوث بيئي 

تعدّ مدينة عدن (جنوبي اليمن)، أكثر المدن اليمنية رطوبة وحرارة على مستوى البلاد، وبحكم موقعها الساحلي المطل على خليج عدن، ووقوعها ضمن المنطقة المدارية في نطاق موقعها الفلكي بدائرة عرض 12.47 شمالًا، إلى جانب الخصائص الجغرافية للمدينة، والتغيرات المناخية العالمية وظاهرة الاحتباس الحراري، سببًا رئيسًا في ازدياد درجة الحرارة خلال السنوات الماضية، ما جعلها عرضة للإشعاع الشمسي طوال العام، وتندر الأمطار الهاطلة على المدينة صيفًا، وتشح شتاء، ويبلغ المعدل العام لمتوسط الأمطار 50 ملم.

مثّل التلوث البيئي، واختلال التخطيط الحضري للمدينة، معضلة مضافة فاقمت من التغيرات المناخية التي تشهدها المدينة الساحلية منتصف كل عام، ويتوقع خبراء البيئة ارتفاع درجات الحرارة في اليمن بمقدار (2-3) درجات مئوية خلال الأعوام القادمة، في الوقت الذي لا تتعامل فيه الحكومة المعترف بها دوليًّا، التي تتخذ من مدينة عدن عاصمة مؤقتة لها، بمسؤولية مع قضايا البيئة والمناخ والاحتباس الحراري، حسب حديث ناشطين في مدينة عدن، للعربي الجديد. 

مطلع مايو الماضي، عاش سكان مدينة عدن، الذين يقدر عددهم بمليون ونصف، أوضاعًا إنسانية قاسية في ظل ظلام دامس أعقب خروج محطات الكهرباء الخمس التي كانت تغذي المدينة، وجحيم لا يطاق إثر اشتداد درجة الحرارة بشكل غير مسبوق، الأمر الذي دفع الكثير من السكان للخروج إلى شوارع المدينة الساحلية بمظاهرات مندّدة بانهيار المنظومة الخدمية في المدينة، الذي يتكرر مع دخول فصل الصيف ووصولًا إلى ذروته من كل عام. 

وأظهرت صور نشرها ناشطون محليون في المدينة، فداحة الوضع الإنساني الذي يعيشه السكان، خاصة المرضى في مستشفى الصداقة بعدن، حيث اضطر الأطباء لإخراج مرضاهم من غرف الرقود والعناية المركزة إلى باحة المستشفى فوق أسرّة يدوية لاستكمال علاجهم وهربًا من شبح جحيم يهدّد حياة المرضى نتيجة ارتفاع درجة الحرارة وانقطاع الكهرباء داخل الغرف المغلقة في المستشفى، كما أظهرت الصور طلبةً في المدارس وهم يؤدّون امتحاناتهم بأجساد شبه عارية بعد أن خلعوا جزءًا من ملابسهم للتخفيف من شدّة ارتفاع درجة الحرارة وسط موجات الحر القاتل.

غياب خدمة الكهرباء العمومية يهدّد حياة العشرات من مرضى الربو والحساسية الجلدية، ويزداد الوضع سوءًا مع انتشار مرض الكوليرا ودخول فصل الصيف، وارتفاع درجة الحرارة بشكل غير مسبوق.

أزمات الصيف المتكررة

أندا الصلاحي، تربوية وناشطة حقوقية في مدينة عدن، قالت في حديث خاص مع "خيوط"، إن أزمات فصل الصيف تتكرر كل عام، خاصة في المناطق الساحلية التي تشهد نسبة رطوبة عالية، كما في عدن التي تحتضن أطيافًا من البشر تزداد معاناتهم مع قدوم الصيف منذ سنوات، في ظل تفاقم مشكلة انقطاع الكهرباء الحكومية، وزيادة أزمة الوقود في المحطات، وفي ظل تسيّب ولا مبالاة الحكومة الشرعية التي تتنصل عن القيام بواجباتها تجاه الشعب، وعدم إيجاد حلول ناجعة للمشكلة المتأصلة.

ووفقًا لحديث الصلاحي، فإنه نتيجة للتغير المناخي، وازدياد العمران العشوائي، الأثر البالغ على السكان في مدينة عدن وفي ظل ارتفاع درجة الحرارة في الصيف، حيث أغلب البيوت في عدن عبارة عن شقق سكنية تنعدم فيها مساحات التهوية، لتشكل كارثة كبيرة يتجرع ويلاتها المسن والمريض والنساء والأطفال والمصابون بالأمراض المزمنة. 

تداعيات الوضع الاستثنائي في المناطق الساحلية والصحراوية خلال فصل الصيف، تنعكس سلبًا على الحياة المعيشية والاقتصادية للناس، وحسب حديث الصلاحي للعربي الجديد؛ "يزداد احتكار التجار للبضائع المطلوبة في فصل الصيف، فمثلًا الطاقة البديلة، وتجار الثلج، يجدون فرصتهم في فصل الصيف لفتح باب رزق وفير، يتلذذون فيه بمعاناة الناس مقابل المال، وترتفع الأسعار، ولا يجد المواطن حلًّا بديلًا، فإما ينام في الشارع، أو يصبر على نار الصيف وحرارته.

وتقول الصلاحي إنه برغم كون عدن العاصمة المؤقتة ومقر مجلس القيادة الرئاسي وحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا، فإنّ العابثين يريدون جعلها قرية وهي لا تلوم المواطن على التظاهر والمطالبة بحقه في حياة كريمة؛ لأن "الحكومة لم تبقِ شيئًا من الأعذار، ولم نرَ منها سوى السفريات والشعب يولع في الجحيم".

نوم في الشواطئ

رهف يابلي، من سكان مدينة عدن، تقول في حديث خاص مع "خيوط"، أصبح غياب خدمة الكهرباء العمومية يهدّد حياة العشرات من مرضى الربو والحساسية الجلدية، ويزداد الوضع سوءًا مع انتشار أمرض الكوليرا والحصبة ودخول فصل الصيف، وارتفاع درجة الحرارة بشكل غير مسبوق. 

وبحسب حديث يابلي؛ "تفاقم الوضع مع انقطاع إمدادات المياه عبر الشبكة، وبدأ الماء يختفي في أحياء كثيرة من كريتر والمعلا والشيخ عثمان، وفي الصيف الماضي توقف مصنع إنتاج الأكسجين نتيجة أزمة المشتقات النفطية في مستشفى الجمهورية التعليمي بعدن". 

وتنوه يابلي إلى أنّ أغلب الناس يخرجون ليلًا للنوم في الشواطئ، فيما يذهب المقتدرون إلى الفنادق، وتعمل السلطة على توظيف ملف الكهرباء كأهم ورقة للحرب الخدمية على المواطن في المدن الساحلية حتى أصبح ملف الكهرباء بالغ التعقيد والصعوبة؛ حسب وصفها. 

من جهتها، قالت ليزا الحسني، وهي وكيلة وزارة الإعلام في حكومة عدن وتسكن مدينة عدن، في حديث خاص لمنصة "خيوط"، أن إطفاء الكهرباء عن سكان مدينة عدن مدة تزيد على 18 ساعة في اليوم الواحد، يمثّل انتهاكًا لحقوق الإنسان، ووحدهم المواطنون "الغلابى" من يكتوون بجحيم الصيف اللاهب.

ونوّهت الحسني إلى أنّ ضرر غياب الخدمة الكهربائية في فصل الصيف عن مدينة عدن يطال مختلف الفئات، بمن فيهم كبار السن والأطفال، بل يتعدى الضررُ البشرَ ليصل إلى الأجهزة الكهربائية نتيجة تلف أبسط الأشياء، كالخضار الذي يتلف ويتعفن بفعل غياب التيار الكهربائي، وفي أوقات كثيرة يصعب على الناس الحصول على كيس ثلج بارد، إلى جانب انتشار معاناة مرضى السكر والضغط والربو والغدة الدرقية. 

بدوره قال علي جعبور، وهو إعلامي من أبناء محافظة الحديدة الساحلية، ويسكن في مدينة عدن، في حديث خاص مع "خيوط"، وضع المواطن اليمني في عدن وبقية المدن الساحلية يزداد سوءًا عامًا بعد آخر بفعل تردي الخدمات العامة، وعلى وجه الخصوص الكهرباء التي عجزت الحكومة المعترف بها، عن توفير حلول مستدامة لها، تحافظ على استقرار التيار الكهربائي، على الأقل في فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة في المدن الساحلية. 

وبحسب حديث جعبور، فإنه رغم كل الوعود التي يطلقها المسؤولون لتحسين الخدمة فإن المشكلة تظل قائمة، وتتفاقم أكثر لتلقي بآثارها السلبية على حياة المواطنين وتُضاعف من معاناتهم. 

تعيش آلاف الأُسر من شريحة المهمشين والنازحين والفئات الأشدّ ضعفًا في مدينة عدن، أوضاعًا إنسانية صعبة للغاية، في ظل غياب خدمة الكهرباء داخل مخيمات وبيوت الصفيح المنتشرة في المدينة.

انهيار منظومة الخدمات

ماجد الداعري، وهو ناشط من أبناء مدينة عدن، قال لمنصة "خيوط"، إن عدن والمناطق الجنوبية تعيش في أسوأ مرحلة في تاريخها الحديث، من حيث تفاقم معاناة الناس، وتدهور حياتهم المعيشية، وانخفاض سعر العملة المحلية، وانهيار منظومة الخدمات الأساسية، كالماء والكهرباء والاتصالات. 

وأشار الداعري إلى أنّ مدينة عدن تعيش في حالة موت خدماتي بشكل تام، وللأسف هذا الوضع المعيشي يعمل على تدهور الحياة والوضع الإنساني بشكل عام، وكل يوم تكون هناك وفيات لكبار السن جراء سكتات مفاجئة وانسداد وصعوبة تنفس.

تعيش آلاف الأسر من شريحة المهمشين والنازحين والفئات الأشدّ ضعفًا في مدينة عدن، أوضاعًا إنسانية صعبة للغاية في ظل غياب خدمة الكهرباء داخل مخيماتهم في فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة بشكل غير مسبوق، وتسكن أكثر من 8000 أسرة من فئة المهمشين في مخيمات وبيوت للصفيح منتشرة في مناطق دار سعد والبريقة والمعلا والشيخ عثمان وكريتر.

سميرة سيود، ناشطة حقوقية مدافعة عن فئة المهمشين، وعاقلة محوى المهمشين في منطقة الحجامة في منطقة دار سعد بعدن، أكبر تجمع سكاني عشوائي في إطار المدينة الساحلية، قالت في حديث خاص لمنصة "خيوط"، إن الوضع الذي يعيشه المهمشون والنازحون والفئات الأشد ضعفًا داخل المخيمات المنتشرة في عدن سيئ للغاية، وأن المجاري تطفح فوق سكان المخيمات؛ كونها تعمل بواسطة مضخات تشتغل بالكهرباء، الأمر الذي أدّى إلى انتشار الوباء، والكوليرا، والملاريا، وحمى الضنك داخل تلك المخيمات. 

ونبهت سيود إلى أن غالبية المهمشين الذين يعملون في مهنة النظافة بمدينة عدن لا تفي رواتبهم الضئيلة أصلًا، لمواجهة متطلبات العيش الأساسية، فما بالك لو فكر أحدهم بشراء بطارية ولوح شمسي؟! يذكر أن متوسط راتب عامل النظافة لا يتعدى 50 ألف ريال يمني؛ ما يعادل 30 دولارًا شهريًّا، في ظل انخفاض سعر العملة ووصول الريال إلى 1700 مقابل الدولار الواحد، مشيرة إلى أنّه في حال وصول الكهرباء إلى مخيمات المهمشين، فإنّها لا تتعدى الساعتين مقابل انطفاء معظم اليوم.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English