منذ عقود والتعليم في اليمن يعاني من تدهور ملحوظ، لكنه مع تصاعد حدّة الحرب في منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة، تفاقم للأسوأ، ما شكّل نفقًا مظلمًا يتسرب خلاله الطلاب من المدارس بصورة مثيرة للقلق على مستقبل البلاد.
أدّى انقطاع رواتب موظفي الدولة، وعلى وجه الخصوص رواتب الكادر التربوي التي تمثل مصدر دخل وحيد لهم، إلى تدني مستوى التحصيل العلمي لدى طلاب وطالبات المدارس، مع اضطرار المعلمين للتسرب أيضًا عن العمل التربوي، والبحث عن مصدر دخل آخر يعيلون به أسرهم.
وفي سياق نتائج طلاب وطالبات المرحلة النهائية للثانوية العامة، والتي أُعلنت رسميًّا في 27 سبتمبر/ أيلول 2021، في المناطق التابعة لحكومة صنعاء، هناك ما يدل على انهيار المنظومة التعليمية لدرجة مريعة مقارنة بالسنوات السابقة، وهذا ما يبعث الخيبة والإحباط في أوساط الطلبة، حيث حصد الكثير منهم على أرقام متدنية ما بين الخمسين والسبعين في المئة، بعكس المتوقع.
وبحسب نائب وزير التربية والتعليم في حكومة صنعاء، الدكتور قاسم حمران، فإن "إجمالي عدد الطلاب المتقدمين لاختبارات الثانوية العامة في القسمين العلمي والأدبي، بلغ ١٩١ ألفًا و٨٧٩ طالبًا وطالبة، حضر الاختبار ١٧٩ ألفًا و٢٩٨ طالبًا وطالبة، وغاب عنها ١٢ ألفًا و٥٨١ طالبًا وطالبة، ونجح ١٤١ ألفًا و٩٨٢ طالبًا وطالبة، فيما رسب في الاختبار ٣٧ ألفًا و٣١٦ طالبًا وطالبة". وخلص نائب الوزير، حمران، إلى أن نسبة نجاح طلاب وطالبات الثانوية العامة، وفق هذه الإحصائية، 79.19%؛ بينما معدل الرسوب 20.81% للعام الدراسي 2020/2021، وهذه المؤشرات لم تُرضِ الكثير من الطلاب والطالبات، وعبّر بعضهم عن تعرضهم للظلم واعتساف درجاتهم.
عقبة الاختبارات وأسئلتها
شكّلت الاختبارات الوزارية عقبة أمام الطلاب والطالبات، للوصول إلى نسب النجاح التي كانوا يطمحون لتحقيقها، وحسب قول الكثيرين فإنها تفتقر للمعايير العادلة والمتلائمة مع حصيلة الطلاب العلمية في المدارس، حيث إن التعليم في اليمن يتفاوت في جودته بشكل كبير ما بين المدينة، والأرياف الفاقدة لأبسط مقومات التعليم. أيضًا هناك تفاوت في التعليم بين المدارس الحكومية والمدارس الخاصة، وتُظهر النتائج المعلنة للطلبة العشرة الأوائل على مستوى الجمهورية، اللامساواة في التعليم ونتائجه؛ حيث انحصرت المراكز العشرة في نطاق ثلاث محافظات، بينما حُرم طلبة بقية المدن والمحافظات الواقعة ضمن سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) من ذلك. وعلى سبيل المثال، حصد طلبة مديرية واحدة في العاصمة صنعاء خمسة مراكز ضمن أوائل الجمهورية، الأمر الذي قد يفرز الشعور بالغبن لدى طلبة المحافظات الأخرى.
هناك الكثير من الأسباب التي أثرت في تدني نسب النجاح في العام المنصرم من الثانوية العامة، يُرجعها التربوي عبدالله الرسمي، إلى "اختلاف العملية التعليمية وضعف الأداء في معظم المدارس، وعدم وجود تكافؤ في الأداء بين مدارس المدن ومدارس الريف، إلى جانب عدم تفعيل العملية التعليمية في المدارس".
ويضيف الرسمي في حديثه لـ"خيوط"، أن عدم مراعاة القائمين على العملية التعليمية لهذه الاعتبارات، جعلهم يصيغون أسئلة الاختبارات "بناء على أفضل أداء"، وأنه لهذا ظُلم طلاب وطالبات المدارس الذين لم تُفعّل فيها العملية التعليمية بصورة كاملة، بينما استفاد طلاب وطالبات المدارس التي تم فيها تفعيل العملية التعليمية، "مثل مدارس المتفوقين، وجمال عبدالناصر، وبعض المدارس الأهلية".
تربوي: "وضع أسئلة الاختبارات لجميع المحافظات في مستوى واحد، لا يظلم الطالب في الريف والمدارس المحرومة من المعلمين ووسائل التعليم فحسب، بل يُحبطه ويكسر معنوياته، فتنتهي حياته في قبضة الفشل"
وحسب قول الرسمي، فقد "كان من المفترض أن تكون الاختبارات عادلة وتراعي مثل تلك الفروق، حيث إن العملية التعليمية ليست مُفعّلة بنفس مستوى الأداء في جميع المدارس"، مشيرًا إلى أنه كان يفترض "تجنب قياس مستوى الجميع بنفس المعيار، كما أن الاختبارات وفق النمط الأخير -ما يسمى بـ"الأتمتة"- كان له دور في انخفاض نسبة النجاح؛ لأنه يتجاهل الفروق الفردية بين الطلبة ويتجاهل معظم المهارات والمستويات ولا يستطيع قياسها".
كما أضاف الرسمي أن "العملية التربوية التي تمضي بدون نقد وتصحيح لمسارها، لا تثمر غير الخراب والانتكاس والتفاهة والرداءة"، لافتًا إلى أن "نتائج اختبارات نهاية المرحلة الثانوية، صورة من صور الظلم الاجتماعي، والتجهيل التربوي، الذي يكرس الإحباط، وكل وسائل النجاح الرخيصة"- وفق تعبيره.
وقال هذا التربوي الخبير في مجاله، إنه لا يمكن المقارنة بين الاختبارات ونتائجها بين طالب في الريف، يفتقر لأدنى مقومات التعليم، منهجًا ومعلمًا وبيئة مدرسية، وبين آخر في المدينة تتوافر له كل هذه المقومات أو جزء كبير منها على الأقل، كما لا يمكن المقارنة بين طالب أو طالبة في مدرسة المتفوقين في قلب العاصمة صنعاء، وبين طالب أو طالبة في إحدى مدارس المناطق الجبلية والصحراوية المحرومة من المعلمين وأبسط وسائل التعليم، وبالمثل، المقارنة بين طلبة المدارس الخاصة وطلبة المدارس الحكومية الذين لا يحظون بدراسة جميع الحصص ومحرومون غالبًا من الوسائل التعليمية.
وأردف الرسمي بالقول إن "أسئلة الاختبارات تُوضع للجميع في مستوى واحد، وبهذا لا يُظلم الطالب في الريف والمدارس المحرومة من المعلمين ووسائل التعليم فحسب، بل يُحبط وتُكسر كل معنوياته، وتنتهي حياته في قبضة الفشل"، وقد شبّه اختبارات الشهادة الثانوية كمن يضع إنسانًا قوي البنية تلقى غذاء صحيًّا امتد لسنوات وحصل على رعاية كاملة، وآخر ضعيف البنية يعاني من سوء تغذية، في حلبة مصارعة، "هكذا هي الاختبارات في اليمن"، قال التربوي المتابع لسير العملية التعليمية.
وانتقد الصحفي علي الضبيبي في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أسئلة اختبارات الثانوية العامة للعام الدراسي المنصرم 2020/2021، مورِدًا نماذج من أسئلة اختبار القرآن الكريم، ومنها أسئلة اختيار "الصح" من "الخطأ":
وعلق الضبيبي على نماذج الأسئلة التي أوردها في منشوره بأسئلة مقابلة: "ما علاقة هذه الأسئلة بالقران الكريم؟ ما علاقتها بالتفسير؟ ما علاقتها بالحفظ أو بالفهم؟ ما علاقتها بالعقل والتربية من الأساس؟"، واسترسل في تعليقه بالقول: "هكذا يتم قهر الأجيال منذ عشرات السنين بمثل هذه الأسئلة الغرائبية التي لا تدجن العقل فقط، بل تنفيه من الاساس، والأدهى والأفدح أن يأتوا بهذه الاسئلة بصيغة الأسئلة المغلقة التي لا تقبل إلا إجابة واحدة فقط. عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات مقهورون ومحبطون، والله ويبكون، هذا جنون".
ووجه نداءه للمهتمين بأن يحاولوا الإجابة عن تلك الأسئلة ليعرفوا إلى أي مدى "نرتكب مجازر بحق أبنائنا الطلبة"، وللقائمين على العملية التربوية، قال الضبيبي: "يا لجان الامتحانات؛ احترموا عقولنا وارحموا أبناءنا. ملاحظاتي على الأسئلة أسلوبية وعلى طريقة عرض الأسئلة والقيمة التربوية والعلمية منها؛ على الغموض، التعجيز، الغرابة، وليس على القرآن الكريم كمنهج ومادة أساسية".
تغيُّب 12 ألفًا و881 طالبًا وطالبة عن اختبارات نهاية المرحلة الثانوية، ورسوب أكثر من 37 ألفًا، ناهيك عن ذوي نسب النجاح المتدنية، كل هذه أرقام كبيرة ومقلقة، وتوحي بمأساة التعليم في اليمن
خيبة أمل
شكلت هذه النتائج الدراسية صدمة لدى الكثير من الطلبة وآبائهم، كما لدى الكثير من المعلمين، وعبروا عن استيائهم من المخرجات الضئيلة للطلاب والطالبات، والتي تعتبر حصيلة 12 سنة، ثم تأتي النتيجة مخيبة للآمال، وتعكس تردي واقع التعليم في اليمن، والذي لا يقل فداحة عن التدهور الاقتصادي وانهيار مؤسسات الدولة الأخرى. كما شكّلت ظاهرة انتشار الغش خلال السنوات الماضية، عاملًا نشطًا في إهمال الطلاب والطالبات متابعة دروسهم، والاعتماد على الغش بالدرجة الأولى في الاختبارات النهائية، إضافة إلى تردي مستواهم في التحصيل العلمي بسبب قصور تفعيل العملية التعليمية في جميع المدارس بالأداء الكامل لها.
الأستاذة بثينة محمد، معلّمة في إحدى مدارس ريف محافظة إب، تحدثت لـ"خيوط" عن هذه الإشكالية الكبيرة، إذ تعتبر أن "هناك مشكلة مزدوجة لتدني نتيجة الطلاب والطالبات؛ مشكلة قلة حصص التدريس وغياب المدرسين، والمشكلة الأخرى تتمثل في إهمال الطلبة أنفسهم". وتضيف أن مدرسة الثورة التي تعمل فيها تعاني من نقص حادّ في الكادر التعليمي، بالإضافة إلى افتقار المواد العلمية إلى كادر متخصص، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء.
وتشير بثينة إلى ما وصفته بالتقصير في إكمال المقرر الدراسي، "حيث تخلى المدرسون الرئيسيون عن مهامهم مع انقطاع الرواتب، وحلّ مكانهم كادر بديل أقل خبرة وكفاءة، كما شكّل غياب الإدارة عن دورها في المتابعة، مشكلة تضاف إلى ما سبق". وحسب قولها، فإن اعتماد الطلبة على الغش، جعلهم أكثر إهمالًا وأقل مطالعة وقراءة، موضحة أن الطلبة الجيدين في المدرسة قليلون، ورغم ذلك أهملوا دروسهم بسبب تراخي العملية التعليمية، وهذا سبب إضافي -برأيها- لحصول الطلبة على نسب نجاح متدنية أو غير مرضية. وتفيد في السياق ذاته، أن أعلى طالب في الثانوية العامة بمدرسة الثورة التي تعمل فيها، حصد نسبة 83% بينما أغلبية الطلاب بين 50-70%، وهي نسب متدنية للغاية مقارنة بسنة 2019/2020، التي قالت إن كثيرين من الطلبة حصلوا على نسب عالية تعدت نسبة الـ90%.
وفي السياق نفسه، تحدث لـ"خيوط" لؤي محمد، وهو أحد الطلاب الذين اختبروا في "مدرسة شملان" غربي العاصمة صنعاء، وحصل على نسبة 69%. يقول لؤي: "كانت الاختبارات صعبة، وكان هناك غشّ غير طبيعي، مقابل دفع مبالغ معينة من كل طالب، وكانت لجنة المراقبة تجلب متخصصين لحل الاختبارات، في كل المواد، حتى إن اللجنة الأمنية كانت تأخذ رشوة من الطلاب وتقوم بإدخال الهواتف الشخصية، وكنا على ثقة بأننا سنحصد تسعينات، لكن لا نعلم ما الذي حدث حتى حصلنا على هذه المعدلات المنخفضة".
ربما لا يعرف لؤي وغيره من الطلبة الذين يعتمدون على الغش في الاختبارات أو ينساقون مع هذه الظاهرة المدمرة، أن تبعات الغشّ فادحة ومؤلمة وغير متوقعة، كما لا يعرف الطلبة أن عملية تصحيح الاختبارات تخضع لأكثر من وسيلة تحقق من إجابة الطالب أو الطالبة. ومع ذلك تُظهر نتائج بعض الطلبة عشوائية واضحة في وسائل التحقق من الإجابات، فقد حدث أن هُظم طلبة متفوقون في نتائجهم، وحصد طلبة بواسطة الغش على نسب نجاح عالية وغير متوقعة. وفي كل الأحوال، يُجمع الكثير من المعلمين والآباء والأمهات على أن العملية التعليمية تحتاج لتفعيل أدائها الكامل في المدارس، تمامًا كما تحتاج لضبط لجان الاختبارات ووضع حدٍّ للغش والانفلات أثناء الاختبارات. عدا ذلك، سيظل قصور الأداء في التدريس واستمرار ظاهرة الغش، أبرز الأسباب لتخريج "جيل فاشل" وغير قادر على الإسهام في بناء البلاد المنكوبة بالحرب وتبعاتها.
تشير التقارير الأخيرة للأمم المتحدة إلى أن أكثر من مليوني طفل يمني خارج المدارس، وإلى ذلك، فإن غياب 12 ألفًا و881 طالبًا وطالبة عن اختبارات نهاية المرحلة الثانوية، ورسوب أكثر من 37 ألفًا، ناهيك عن ذوي نسب النجاح المتدنية، كل ذلك يعدّ أرقامًا كبيرة ومقلقة، وتوحي بمأساة التعليم في اليمن. وفي الجانب الآخر، هناك تبعات نفسية على الطلبة غير الناجحين، وهي تبعات لا يمكن التنبؤ بها، وغالبًا ما يتم تجاهلها من قبل المؤسسات التعليمية، ومن قبل الأسرة.
سارة هي إحدى الطالبات اللواتي حصلن على نسب نجاح متدنية (57%)، تقول لـ"خيوط": "سنة مرت صعبة علينا، وكانت الاختبارات تفوق مخزون الطالب وما اكتسبه خلال السنة الدراسية. لم نتوقع أن تكون الأسئلة بتلك الصعوبة، ومع الترقب الممزوج بالتوتر لزمن إعلان النتائج، كانت صادمة في الأخير". كانت سارة تطمح لدراسة الجرافيكس، لكن نسبة 57% لا تؤهلها للالتحاق بهذا التخصص الذي يشترط نسبة 70% للقبول، وتقول بأنها حائرة "بين إعادة السنة، أو التوقف عن الدراسة، والانزواء في البيت".
خلاصة
يحتاج نظام التعليم في اليمن، بما في ذلك نظام الاختبارات، لإعادة نظر وإصلاح واقع العملية التعليمية المختل، بحيث تُراعي الظروف الحرجة للطلاب والطالبات في ظل الوضع الكارثي الذي تعاني منه اليمن، وأن تُصاغ بطريقة عادلة لتحقيق المساواة بين طلبة المدارس في المدينة والريف، وفي المدارس الخاصة والحكومية، وأن يحصل الطلاب والطالبات في جميع المناطق اليمنية على تعليم متساوٍ وعادل، وبالتالي، نتائج عادلة.