يتنقل رأفت من التاسعة صباحًا حتى الثامنة مساءً، مع عربيته في حي التحرير والمناطق المحيطة به وسط صنعاء لبيع الأحزمة والقُبعات الشبابية وبعض المستلزمات الأخرى. رأفت البالغ 21 عامًا يعمل بهذه المهنة ذات العوائد الشحيحة منذ ما يقارب العامين، بعدما أجبرته الظروف على ترك مقاعد الدراسة، مثلما أجبرت الحروب المتتالية الكثير من الشباب أمثاله على الانخراط في سوق العمل في مهن متعددة وثانوية لمواجهة الفقر.
كان واقفًا بالقرب من مدخل وزارة الثقافة في الميدان الشهير، يقوم بمسح بقايا الغُبار المتطاير على بضاعته بعد هروبه من موظفي البلدية، الذين يجبرونه وغيره على دفع إتاوات كبيرة، بالرغم من كونهم باعة متجولين على عربيات ولا يشغرون مكانًا محددًا تحت سلطة البلدية.
ويشكوا رأفت -الذي يعيش في صنعاء منذ ثلاثة أعوام- حالَه قائلًا: "إنه لأمر منهك أن تظل متنقلًا لساعات في الشوارع والحواري والأزقة، ولا تبيع غير القليل، ومع ذلك لا نسلم من مطاردة البلدية التي لا تنتهي".
ويضيف في صباح كل يوم تطاردنا البلدية في كل مكان بعدها ننتقل إلى هنا حيث نشعر بنوع من الأمان، قبل أن نعود مساءً لسكننا المشترك المكون من غرفة واحدة فقط، حيث تتكدس أجسادنا المنهكة من التجوال طيلة النهار.
في الرصيف المجاور لوزارة الثقافة، ينشغل رأفت بترتيب بضاعته على واجهة العربية الحديدية، وبالقرب منه رفاقه المتجولون الذين يأتون إلى ذات المكان عندما تصل أطقم البلدية إلى الشارع العام بحجة التنظيم، واصفًا يومياته بأنها قتال من أجل الحياة.
اتخذ بعض الباعة أرصفة شارع علي عبدالمغني، والشوارع المجاورة، مكانًا لعرض بضائعهم على المتسوقين بسبب قربها من ميدان التحرير النابض بالحياة، فيسهل عليهم التنقل للأماكن المجاورة في حال جاءت حملات مداهمة وما أكثرها.
ويكافح هؤلاء الباعة من أجل مصدر رزقهم الشحيح رغم ما يعانونه من التعديات تحت غطاء التنظيم والنظافة وإشغال الأرصفة، في مشهد يعكس مأساة آلاف الباعة المتجولين المتحدر معظمهم من مناطق وسط البلاد وجنوبها وغربها.
يقول ناشط في مجال حقوق الإنسان، لـ"خيوط": "إنّ معاناة الشباب اليمنيين في زيادة مستمرة بسبب الحروب والصراعات والنزوح الذي يصل أحيانًا لحد التهجير من المناطق التي شهدت مواجهات عنيفة، خلال الحرب الجارية، والتي لم تنتهِ فصولها بعد، رغم حالة الهدنة الهشة".
وأضاف -مشترطًا عدم كشف هويته- أنّ هذه الظروف ساهمت بدرجة رئيسية في زيادة معاناة الشباب، الذي صار معظمهم مسؤولين عن أسر كثيرة بدون معيلين، واضطرت أسر فقيرة إلى إخراج أبنائها من مراحل التعليم المختلفة، ودفعهم إلى الانخراط في سوق العمل من أجل إعالة أفرادها.
تسببت الأزمة الاقتصادية الخانقة في ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 40 بالمئة، وارتفاع نسبة البطالة إلى 35 بالمئة من 14 بالمئة قبل الحرب. كما زاد الفقر إلى نحو 78 بالمئة، ليجد الشبان الذين يشكلون 70 بالمئة من إجمالي السكان البالغ عددهم 32.6 مليونًا، أنفسَهم أمام طريق مسدود ومستقبل معتم.
وتشهد البلاد الأفقر عربيًّا منذ 2014، نزاعًا مسلحًا على السلطة بين أنصار الله (الحوثيين) المدعومين من إيران، ويسيطرون على وسط وشمال وغرب اليمن، من بينها العاصمة صنعاء، وقوات الحكومة المعترف بها دوليًّا المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية وتسيطر على جنوب وشرق اليمن وبعض الساحل الغربي وتعز.
وتسبّبت الحرب بمقتل مئات الآلاف من المدنيين والعسكريين، فيما يهدّد خطر المجاعة ملايين السكان، ويحتاج آلاف إلى علاج طبي -عاجل غير متوافر- في البلد الذي تعرّضت بنيته التحتيّة للتدمير.
تقول الأمم المتحدة إنّ أكثر من 21,7 مليون شخص (ثلثا السكان) يحتاجون إلى مساعدات إنسانيّة هذا العام.
وبحسب الأمم المتحدة، تسبّبت الأزمة الاقتصادية الخانقة في ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 40 بالمئة، وارتفاع نسبة البطالة إلى 35 بالمئة من 14 بالمئة قبل الحرب. كما زاد الفقر إلى نحو 78 بالمئة، ليجد الشبان الذين يشكّلون 70 بالمئة من إجمالي السكان البالغ عددهم 32.6 مليونًا، أنفسَهم أمام طريق مسدود ومستقبل معتم.
ويُعاني الموظفون الحكوميّون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين من انقطاع مرتباتهم منذ أكثر من ست سنوات.
وانتهت أوائل تشرين الأوّل/ أكتوبر 2022، هدنة توسّطت فيها الأمم المتحدة في نيسان/ أبريل 2022، دون أن يتوصّل أطراف النزاع إلى اتّفاق لتمديدها بعد أكثر من عام، لكنّ الوضع ظلّ هادئًا نسبيًّا على الأرض.
ويعلّق البعض آمالًا على اتفاق التهدئة بين الحوثيين والسعودية مطلع نيسان/ أبريل الماضي، شكل الشق الأول من عملية إنسانية على مرحلتين لإنهاء الحرب الدائرة منذ سنوات طويلة، بينما يشكك به آخرون باعتباره يفتقر إلى تفاصيل وجداول زمنية.
فيما اعتبر مبعوث الأمم المتّحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، أنّ البلد الغارق في الحرب لم يشهد منذ ثماني سنوات "فرصة جادّة" كهذه لإحلال السلام، مؤكِّدًا في الوقت نفسه أنّه ما زال هناك عمل كثير يجب فعله على هذا الصعيد.