ما إن تَمُرّ في شارع جمال وسط مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، إلّا وتشاهد على جانبيك أكوامًا من الحطب (جذوع الأشجار) أمام محلات المغاسل البخارية والأفران والمطاعم والحلويات.
أدّى ارتفاع أسعار الغاز والديزل وانعدامهما بسبب الأزمة التي تعيشها البلاد، إلى توجّه أصحاب المغاسل البخارية لاستخدام الحطب (جذوع الأشجار)، الذي يعتبرونه البديل المناسب الذي أجبروا على استخدامه نتيجة الأسباب السابقة.
يقول شوقي سيف، وهو أحد العاملين في إحدى المغاسل البخارية بتعز، خلال حديثه لـ"خيوط"، أنّه وبسبب ارتفاع أسعار الغاز والديزل، اضطرّ لاستخدام الحطب، وذلك لأنّ الحطب -كما يؤكد- الوسيلة الوحيدة البديلة، سواء من حيث التكلفة أو لميزة توفره بشكل مستمر.
ويضيف شوقي أنّ قيمة الحطب الذي يتم استخدامه في المغسلة لتوليد البخار في عملية كي الملابس خلال اليوم الواحد، تبلغ 35 ألف ريال يمني (33 دولارًا أمريكيًّا).
استخدام الحطب في كي الملابس!
يُستخدم الحطب لتوليد البخار ممّا يسمى "البويلر" غلاية البخار، إذ تتسبب الحرارة الناتجة عن احتراق الحطب بغليان وتبخر المياه الموجودة في خزان الغلاية، ويمر البخار عبر مواسير وأنابيب إلى المكان الذي يتم استخدامه، ثم يبدأ العمل في كي الملابس وتجهيزها.
يجب تنظيم عملية الاحتطاب في البلاد إن كان لا بدّ منها، لا سيما أنّ اليمن وبحسب مؤشر التكيف العالمي لجامعة "نوتردام" ضمن البلدان الأكثر عرضة لخطر التغييرات المناخية ومن ضمن الدول الأقل قدرة على التصدي لها.
بدأ استخدام الحطب في المغسلة، بحسب شوقي، منذ أكثر من عامين، عندما ارتفع سعر الدبة الديزل (20 لترًا) إلى 30 ألفًا، فيما بلغ سعر أسطوانة الغاز المنزلي آنذاك (20 لترًا) 17 ألف ريال، حيث تحتاج الغلّاية نحو 60 لترًا من الغاز خلال اليوم الواحد، و40 لترًا من الديزل، وأنّ هذا عبءٌ وصفه شوقي بـ"الثقيل والمُنهِك" على أصحاب المغاسل، لذا كان الحطب هو الوسيلة البديلة.
وبحسب شوقي أنّه يتم استخدام الحمولة الواحدة -حمولة شاحنة نقل الحطب- والتي تبلغ قيمتها من (250 – 300) ألف ريال، خلال 8 أيام كحد أدنى أو 12 يوم كحد أقصى.
أدّى ارتفاع الغاز إلى عزوف مُلّاك المغاسل والمطاعم ومحلات الحلويات، والأفران، في مختلف المناطق اليمنية، عن شرائه وتوفيره، واللجوء إلى حلٍّ اعتبروه البديل المناسب لهم وهو "الحطب"؛ وذلك للاستمرار في نشاطهم التجاري بتكلفة أقل، وميّزة سهولة الحصول عليه.
يستهلك البويلر كميات كبيرة من الحطب، وذلك لضرورة توفر الحرارة فيه بشكل متواصل حتى لا يفقد الحرارة المخزونة؛ ممّا يؤدي إلى تصاعد كميات كبيرة من الدخان، الأمر الذي يجعل العامل والمواطن أمام مخاطر صحية خطيرة نتيجة استنشاق الهواء الملوّث.
تأثيرات صحيّة
لا يكمل شوقي، الجملةَ أثناء حديثه معنا إلّا وقاطعته الكحة (السُّعَال)، بسبب آثار الدخان الناتج عن حرق الحطب في المغسلة.
المهندس جميل الشجاع، مدير الصحة البيئية بمحافظة تعز، يقول إنّ احتراق الحطب في المغاسل والأفران وغيرهما من المحال والأنشطة والأعمال التي يتم استخدام الحطب فيها، يؤدّي إلى أمراض في الجهاز التنفسي بالإنسان، مثل: الربو وأمراض الرئة وضيق التنفس والحساسية.
ويضيف الشجاع، خلال حديثه لـ"خيوط": "نلاحظ أنّ الأمراض هذه تنتشر في الأماكن التي تتزايد فيها عمليات إحراق الحطب، وأيضًا دخان السيارات، ومخلفات المصانع المتصاعدة إلى الجو".
منصور الحياني، أحد سكان مدينة تعز، يشكو معاناته مع دخان الحطب، إذ يقول لـ"خيوط": "نتيجة لتواجد منزلي بالقرب من إحدى المحلات التي تستخدم الحطب، أتعرض أنا وعائلتي بين الحين والآخر لالتهابات الصدر إثر الدخان الذي يتولّد من احتراق الخشب"، الأمر الذي يجبر الحياني على القيام بإغلاق نوافذ منزله في غالبية الأوقات.
في السياق، يؤكّد جميل، أنّ شكاوى تصل إليهم من مواطنين بالمنازل المجاورة لبعض الأفران أو الأماكن التي يُستخدم فيها الحطب، بسبب الدخان وتلوّث الهواء، حيث تقوم إدارة الصحة البيئية باتخاذ بعض الإجراءات اللازمة والممكنة للتخفيف عن المواطن، كما يقول.
ومن الأضرار البيئية الناتجة عن احتراق الحطب: تصاعد الدخان إلى الجو المحيط بالمنطقة، ويؤدّي إلى تلوّث الهواء؛ لاحتوائه على ثاني أكسيد الكربون، والذي بدوره يُحدث مع المدى البعيد والاستخدام الواسع، تفاعلًا مع بخار المياه بالجو، ويشكّل حمض الكربونيك الذي ينزل إلى التربة، ويؤدّي إلى حموضة التربة وتلوّثها، ومن الأضرار أيضًا انجراف التربة والتصحّر ومشاكل بيئية عديدة.
تهديدات بيئية
تهدّد ظاهرة الاحتطاب الجائر الغطاءَ النباتي في مختلف المحافظات اليمنية، حيث فاقمت الحربُ وتبعاتها الاقتصادية وتردي الخدمات، الأزماتِ البيئيةَ والتغيرات المناخية.
يقول الناشط الاجتماعي هلال عبدالله- مهتم في قضايا البيئة والتغيرات المناخية، إنّ الاحتطاب الجائر، يعمل على زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون، الذي يعدّ من الغازات الدفيئة التي تُسبّب زيادةُ تركيزها الاحتباسَ الحراري، والذي بدوره يُحدِث التغييرات المناخية التي مصدرها الأكبر الأنشطةُ البشرية واستخدام مصادر الطاقة.
ويضيف هلال خلال حديثه لـ"خيوط"، أنّه يجب تنظيم عملية الاحتطاب في البلاد إن كان لا بدّ منها، لا سيما أنّ اليمن، وبحسب مؤشر التكيف العالمي لجامعة "نوتردام"، ضمن البلدان الأكثر عرضة لخطر التغييرات المناخية ومن ضمن الدول الأقل قدرة على التصدي لها.
مدير عام هيئة حماية البيئة بتعز، حمود الصوفي، يتحدّث لـ"خيوط"، عن أهمية الغطاء النباتي في البيئة، قائلًا: "إنّ للغطاء النباتي أهمية كبيرة في الحفاظ على البيئة وحيويتها، وصحة الإنسان؛ لاحتوائه على الأوكسجين، كما أنه يحافظ على درجة الحرارة، ويعمل على عدم ارتفاعها، وتلطيف الجو، وامتصاص ثاني أوكسيد الكربون، ومنع التصحّر".
من ضمن الحلول اللازمة والضرورية للتخفيف من آثار الاحتطاب على البيئة والصحة: توفير مادتَي الغاز والديزل من قبل الجهات والمؤسسات الحكومية، بحيث يكون مناسبًا لاستخدامه لدى المواطن البسيط، وأصحاب المنافع مثل ملاك المغاسل والأفران والمطاعم والحلويات، ورفع مستوى الوعي البيئي لدى أفراد المجتمع بأهمية الأشجار والغطاء النباتي.
ويُرجِع الصوفي أسباب ضعف الرقابة على ظاهرة عمليات الاحتطاب المنتشرة في مختلف المحافظات اليمنية، والتي ارتفعت بنسبة كبيرة خلال فترة الحرب، إلى أنّه في اليمن لا يوجد قانون يحمي النباتات والأشجار، لأنّها تعد ملكية خاصة، باستثناء شجرة دم الأخوين في جزيرة سقطرى.
معالجات
وفي المقابل، يتفق الشجاع الصوفي مع أنه يجب أن يكون هناك قوانين للحدّ من الاحتطاب والاعتداء على الغطاء النباتي في اليمن، كما أنّ هذه الأضرار البيئية يصعب إيقافها إلى حدٍّ ما في ظلّ الحرب، كون الغاز المنزلي لا يفي بالغرض اللازم لاستخداماته، فيضطر الناس للعمل بالبدائل، وهي استخدام الحطب.
وفي سبب إقدام الناس على قطع الأشجار والاحتطاب الجائر، يؤكّد الصوفي أنّ ذلك نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، وأزمة الغاز المنزلي والمشتقات النفطية، مشيرًا إلى أنّه إذا وُجد احتطاب خاص بالأشجار المنتهية والجافة اليابسة، فلن يكون هناك تأثير على الغطاء النباتي في البيئة، لكن قطع الأشجار الخضراء السليمة وبشكل مستمر، هو المشكلة.
من ضمن الحلول اللازمة والضرورية للتخفيف من آثار الاحتطاب على البيئة والصحة: توفير مادتَي الغاز والديزل من قبل الجهات والمؤسسات الحكومية، بحيث يكون مناسبًا لاستخدامه لدى المواطن البسيط، وأصحاب المنافع مثل ملاك المغاسل والأفران والمطاعم والحلويات، ورفع مستوى الوعي البيئي لدى أفراد المجتمع بأهمية الأشجار والغطاء النباتي، وعمل ضوابط تشريعية للحدّ من قطع الأشجار.
الحفاظ على البيئة بشكل عام، يجب أن يكون من مهام وزارة البيئة، وهي التي تختص بالحفاظ على البيئة البحرية والبرية والحيوانية، والمحميات الطبيعية، كما أنّ من اختصاص وزارة الزراعة الحفاظ على المسطحات الخضراء وعدم السماح بالاحتطاب الجائر بقطع الأشجار؛ يضيف الشجاع.
ويكشف التقرير الوطني السادس لاتفاقية التنوع البيولوجي الصادر عن هيئة حماية البيئة في اليمن للعام 2019، عن زيادة عدد الأسر التي تعتمد على الحطب كوقود من 6% عام 2014 إلى 8% في العام 2017، باستخدام مليون و335 ألفًا و744 طنًّا عام 2014، وارتفاعها إلى مليون و888 ألفًا و232 طنًّا عام 2017.