بدأت القصة في نهاية مايو ٢٠٢٣، عندما ذهب المجلس الانتقالي إلى المكلا بقياداته وقواته ومدرعاته لعقد اجتماع الجمعية الوطنية. هنا تداعت عدد من الشخصيات والقبائل للاعتراض على هذه الخطوة التي اعتبروها استفزازية، وسرعان ما جاءت الدعوة من الرياض، ليقضوا شهرًا كاملًا من المناقشات حول التسمية والوثيقة المرجعية للمكون الحضرمي الجديد. ثم إعلان مجلس حضرموت الوطني برئاسة بدر با سلمى، للإعداد لمؤتمر حضرمي أكبر. ثم بدأت الخطوات العملية بزيارة الوفد السعودي برفقة رئيس مجلس القيادة الرئاسي د. رشاد العليمي وخطابه الشهير بما يشبه الإعلان عن الإدارة الذاتية لمحافظة حضرموت.
والذين يستغربون أو تفاجؤوا من الخطوة الحضرمية هذه، فهم لم يتابعوا جيدًا الحراك الحضرمي منذ ١٩٩٦، فأولى المظاهرات ضد النظام آنذاك كانت في المكلا، بعد حرب ١٩٩٤، التي أخرجت قيادة الحزب الاشتراكي من شراكة الوحدة، وعبث النظام بالقطاع العام ونشر الفساد ووزع الأراضي لشراء الولاءات لأنصاره ورؤساء القبائل. ثم في ٢٠١١، تكوّن "حلف قبائل حضرموت"، ثم تلاه مؤتمر "حضرموت الجامع". كل ذلك الحراك يبدو حضرميًّا بحتًا، بل في نوفمبر ٢٠١١، عندما انعقد مؤتمر القاهرة برئاسة الرئيس علي ناصر ومعه كلٌّ من الوزير محمد علي أحمد وصالح عبيد، انبرى ١١ شخصًا من جامعة حضرموت برفع وثيقة تعتبر حضرموت دولة لوحدها، وأن ربطها بالجنوب بعد الاستقلال في نوفمبر ١٩٦٧، كان جريمة تاريخية. لم تقبل الفكرة حينها، واعتبرت شططًا غير مقبول؛ ممّا أدّى إلى انسحاب أصحاب هذه الورقة.
لماذا يغضب الانتقالي؟
لا أحد ينكر امتعاض المجلس الانتقالي من الإعلان عن المجلس الوطني الحضرمي، (ودلالة الوطني هنا مهمة؛ لأنه قد يتم تصورها بأنها تنفي عنه جنوبيته أو حتى يمنيّته).
ولا يوجد ما يبرر هذا الامتعاض، فالمجلس الانتقالي جاء بنفس الطريقة التي جاء بها المجلس الحضرمي. فهو تأسّس بدعم قوي مالي وعسكري من دولة الإمارات العربية المتحدة وبمباركة صريحة من المملكة العربية السعودية ورضاها التام عنه.
قيام المجلس الانتقالي كان ردة فعل على قرار إقالة المحافظين الموالين للإمارات، وردة فعل سريعة حتى دون أن تكون لديه وثيقة مرجعية تحدد مهامه وأهدافه وتحالفاته واستراتيجياته. أما المجلس الحضرمي فهو ردة فعل على ما اعتبروها خطوة الانتقالي الاستفزازية، ولكن على الأقل تمت مناقشة اسم المكون الجديد والاتفاق على أهدافه ومهامه.
إنّ المجلس الانتقالي موجود بدعم ورعاية التحالف، وواضح أن المجلس الحضرمي يحظى بدعم ورعاية سعودية كاملة وصريحة. بل وضربت قوات الشرعية بحروب داخلية من أجل أن تصفى عدن والجنوب للانتقالي وحده. لقد تعامل التحالف مع الانتقالي باعتباره غطاء سياسيًّا لتحقيق أجندة السعودية والإمارات، وتعاملوا مباشرة مع قادة الأحزمة والنخب دون المرور بمؤسسات الدولة أو الانتقالي، بل تعاملوا مع هذه القوات مباشرة دون أن تمر رواتبهم بالبنك المركزي أو البنوك الموازية. والآن تركت هذه النخب والأحزمة والدعم والإسناد بلا رواتب وسمح لهم أن يسطوا على الأراضي ويفرضوا الجبايات غير القانونية التي أثخنت كاهل المواطن.
إنني أؤيد تكوين مجالس في كل محافظة بمبادرة ذاتية، وإن لم تكن مدعومة. يجب أن يُسمح للناس أن يديروا مناطقهم. كل محافظة تختار قيادتها، والحكومة المركزية تنسق عمل الإدارات المحلية وتنظم الموارد.
من حق الحضارم أن يديروا محافظتهم كما من حق أبناء عدن أن يديروا محافظتهم.
هل الإدارة الذاتية للمحافظات، وغير المفروضة، والتي تتم باختيار المواطنين لمن يمثلهم ويقودهم ويملكون حق عزلهم؛ خطوة صحيحة أم تؤسس للفوضى؟
قال البعض إنّ قيام هذه المؤسسات بدون الدستور والقانون، سيمثل فوضى عارمة.
الحقيقة أنّ الفوضى هي الحاصلة الآن، وإنّ الدولة منعدمة ووظائفها مغيبة. نحن الآن شمالًا وجنوبًا نخضع لفوضى الميليشيات ولا ضابط لتصرفاتها. لقد تحوّلت هذه القوات التي أريدَ لها أن تكون بديلًا لمؤسسات الدولة الرسمية إلى عبء ثقيل على المواطن. ووقف رواتبهم وهم يملكون السلاح؛ يعني إطلاق يدهم ليفرضوا على المواطن الجبايات والإتاوات غير القانونية ويستفزون التجار وينهبون بضائعهم ولا سلطة ولا قانون يمنعهم عن هذا السلوك المشين.
إنّ المواطنين اليمنيّين يجب أن يقوموا بإنشاء مؤسساتهم البديلة لحماية بعضهم بعضًا، ولتكوين نواة دولة مستقبلًا، وأي دولة لا بدّ أن تكون فيدرالية تقوم على تقاسم السلطة والثروة وفق قانون يخضع للاستفتاء الشعبي.