"يحق لها الدفاع عن نفسها"؛ عبارة كررتها ولم تزل تكررها بكثافة، الصّحافة الغربية وحكومات الغرب، فغدت من وجهة نظري هي التي تختزل حالة غزة اليوم؛ ذلك لأن الطوفان الذي هتك صورة إسرائيل، جعلها بعده، تقوم بدور دموي يعبر عنها كدولة احتلال عنصري تكشفها يومًا بعد آخر عمليةُ الإبادة والتطهير العِرقي ضد سكان غزة المدنيين، واصفةً إياهم على لسان وزير دفاعها يوآف غالانت بـ"الحيوانات البشرية".

رغم فشل روسيا في تبني مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، فإن هناك صوتًا يتبلور ضدًّا على الانحياز الغربي لدولة الاحتلال، دول متعددة ومنها إيران لم تزل تحذر من توسع الحرب إلى حرب إقليمية! ليبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح هنا: هل ستتوسع حرب غزة لتغدو حربًا إقليمية يخوض فيها الجميع ضد الجميع، كما يقول بعض ساسة ومحللين؟

الشرق الأوسط على صفيح ساخن، منهم من يرى في حال غزة أنها حرب التحرير واستعادة ما فُقد منذ عام 48، ومنهم من يرى أنها ستكون حرب خلط أوراق، على إثرها سيُخلق شرق أوسط جديد.

وفي ظل هذه التعقيدات، لا يمكننا التكهن بما سيحدث وما ستؤول إليه الأمور، غير أنّ السيناريو الأقرب سيكون توقف الحرب كسابقاتها، وبذلك تكون المقاومة الفلسطينية قد سجّلت اختراقًا مهما في الجدار العسكري والاستخباراتي لدولة الاحتلال، في العملية التي شنّتها على منظومته في المستعمرات المحيطة بغزة صبيحة السابع من أكتوبر.

كَشفت عملية (طوفان الأقصى) هشاشة جيش الدفاع الإسرائيلي، الذي تسابق بعض قادة العرب للتطبيع مع دولته، ليخرج الملثم أبو عبيدة، ناطق كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، في آخر خطاب له، وذلك بعد أسابيع من بدء المعركة، قائلًا إن أبطال المقاومة الفلسطينية، قضوا وبشكل كامل، على كتيبة غزة الإسرائيلية، وأُسِرَ الكثير منهم. وأبو عبيدة صار موثوقًا به في كلامه في أكثر الدوائر القريبة والبعيدة عن صناعة القرار في دولة الاحتلال.

"إنّ ما تقوم به إسرائيل من قصف وتدمير في قطاع غزة، مبالغٌ فيه ويتجاوز ردة الفعل على هجوم السابع من أكتوبر"؛ هذا ما قاله الرئيس الصيني، الداعم للحق وللمواطن الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة. يُسجّل للرئيس الصيني وكذلك نظيرهُ الروسي، موقفهما التاريخي إزاء القضية الفلسطينية، وهذا يُحسب لهما بغض النظر عن الدوافع السياسية التي دفعتهما لذلك، ففي زمن الصمت والخذلان الذي نعيشهُ، تعد المواقف الداعمة للحق، مواقفًا بطوليًّا شجاعًا سيخلده التاريخ.

رجلٌ في أقاصي الكرة الأرضية، يقول ما عَجز عنه حُكامٌ التصقت دولهم بأرض فلسطين دومًا، وكانت في يوم ما، جزءًا لا يتجزأ منها، يا له من عار!

المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية، في هذه الظروف، وإن كانت مواقف صوتية بلا روح، فهي قد أشْعرت المتابع العربي المتمسك بالحق الفلسطيني، بالارتياح في زمن الخذلان العربي والغطرسة الغربية. أما موقف الرئيس الكولومبي اليساري، غوستافو بيترو، هو الأبرز من بين قادة الدول الغربية، حين اتخذ قرارًا سياسيًّا بطرد السفير الإسرائيلي من بلاده، ودعم القضية الفلسطينية بشجاعة لافتة.

ومما قاله مثلًا:

- "إن الحل الوحيد كي ينامَ أطفالُ إسرائيلَ بسلام، هو أن ينامَ أطفالُ فلسطينَ بسلام، وهذا لن يتحقَّق إلا باتفاقيّة سلامٍ تحترمُ حقوقَ الشعبَين".

- لقد درست تاريخَ القضية الفلسطينيَّة منذ شبابي، وعرَفت جيدًا معنى الاحتلال والفصل العنصريّ والجرائم ضدَّ الإنسانيَّة التي ارتكبتْها إسرائيلُ في حقِّ الشعبِ الفلسطينيّ، لا يمكنني أن أتغاضَى عن هذا!

وذيّل في تغريدة له على منصة (إكس)، بصور تُظهر التغيّراتِ التي حدثت للخريطةِ الفلسطينية منذ 1948، وفي تغريدة أخرى يصف غزَّة بالسجن الكبير المُحاصر منذ 16 سنة.

رجلٌ في أقاصي الكرة الأرضية، يقول ما عَجز عنه حُكام التصقت دولهم بأرض فلسطين دومًا، وكانت في يوم ما، جزءًا لا يتجزأ منها، يا له من عار!

هذا الرجل لو كان حاكمًا عربيًّا، لأصبح بطلًا قوميًّا. 

مجازر جماعية تُرتكب في حق الفلسطينيين في غزة كل يوم وأمام عيون العالم المتعامي، يقصف الاحتلال مستشفى المعمداني، فيُلقى على إثر هذا القصف أكثر من خمس مئة شهيد، لا إدانة تُشفي الغليل، الجميع صامت أمام هذه المجزرة الأكثر دموية منذُ بداية الأحداث، إنها هولوكوست ثانٍ، كما قال أحدهم.

"‏يقولون: هذا انتهاك خطير للقانون الدولي، هذه العبارة هي الكذبة الأكثر وقاحة لتغطية بشاعة العالم، والحقيقة أنه لا يوجد قانون. أمريكا هي القانون، أمريكا فوق القانون، أمريكا خلف القانون، وما إسرائيل سوى وجه قبيح للمستعمر العنصري الغربي، يعربد بأمان؛ ويمعن في القتل كيفما يشاء، لا حسيب ولا رقيب عليه، في ظل عالم بلا ضمير.

اطردوا سفراء أمريكا وإسرائيل كأقل احتجاج على شلال الدم الفلسطيني المسفوك والمسكوت عنه".