سقطرى جغرافيًّا تقع بين تلاطم أمواج المحيط الهندي وبحر العرب؛ أي في محيط مفتوح ومتسع للغاية، ممّا يجعلها عرضة للتغير المناخي المستمر، الذي يتسبّب بأعاصير وأمطار صارت تمثل مصدرًا للقلق، وتزداد حدة القلق سنة بعد أخرى، وسقطرى تعيش هذا الخطر الداهم والدائم.
وعندما نتحدث عن سقطرى وعلاقتها بالأعاصير والعواصف والأمطار الفيضانية الغزيرة، نستطيع أن نقسمها على فترتين؛ فترة ما قبل عام 2015، وفترة ما بعده.
فنجد أنه ما قبل 2015، لم توجد فكرة لدى السقطريين عن الأعاصير، مما يدل على أنهم لم يمروا بتلك الكوارث من قبل، ومن خلال متابعة موضوع الأعاصير وضربها لسقطرى، يتردد في أذهان السقطريين حادثة واحدة فقط ما زالوا يذكرونها، وهي ما يُعرف محليًّا باسم (شَمْ دِ الربوع)، أو (سنة دِ الربوع) أي: يوم الأربعاء أو سنة الأربعاء. ويوم الأربعاء هذا حصلت فيه أمطار غزيرة ورياح شديدة وارتفاع في منسوب البحر. وعندما تسأل كبار السن الذين عاصروا تلك الحادثة، لا يستطيعون تحديد العام الذي حصل فيه ذلك؛ لأنهم لا يعتمدون على الأعوام غالبًا ولا يوثّقون حوادثهم. لكن من خلال البحث والتدقيق، تبيّن أن ذلك حصل في عام 1972. ويسمي السقطريون تلك الحادثة بـ(شَمْ دِ الربوع) أو (سنة دِ الربوع) نسبة إلى يوم الأربعاء؛ لأن الأمطار بدأت مساء الأربعاء واستمرت إلى الأربعاء الذي يليه، وكانت حدتها من الأربعاء إلى السبت، ثم بدأت تقل حتى توقفت تمامًا يوم الأربعاء. ولم يتم تسجيل أي أضرار في أرواح البشر -حد علمي- لكن حصلت بعض الأضرار في المباني والممتلكات والمواشي. وأهم ما حصل في تلك الفيضانات هو أن البحر طمر قرية قاضب القديمة الواقعة بجوار البحر، وترك السكان منازلهم هناك، وفرّوا إلى الكهوف في الجبال المجاورة، ولم يعودوا إلى منازلهم، واستحدثوا مدينة قاضب القائمة اليوم.
وممّا يذكر من تلك الأضرار، تحطم بعض السفن بسبب ارتفاع الموج. من ذلك سفينتان في ساحل شوعب في غرب سقطرى. وبعد أن توقفت العاصفة وجد الناس كمية كبيرة من الأكل والأثاث والأخشاب التي خرجت من السفينتين إلى الشاطئ، وأخذت الناس كل ما خرج منهما. وسفينة أخرى تحطمت في منطقة قعرة في جنوب الجزيرة. أما الحيوانات فقد نفق منها الكثير، ولا توجد إحصائيات تحدد كميتها في ذلك الوقت. وكذلك حصل ضرر كبير في مباني الناس ومملكاتهم الخاصة.
ما زالت تلك الحادثة في أذهان السقطريين، حتى إنها صارت تاريخًا يُذكر ويؤرخ به، فيُقال: ولد فلان في دِ الربوع، ومات فلان في دِ الربوع، وحصل كذا قبل دِ الربوع أو بعدها، وهكذا.
هذه هي السنة اليتيمة التي يذكرها السقطريون عندما تتحدث معهم عن الأمطار الغزيرة والفيضانات التي اجتاحت سقطرى قبل عام 2015.
الأعاصير المتلاحقة التي تضرب سقطرى منذ العام 2015، غيّرت بعضًا من أوجه الجزيرة، مثل القضاء على بعض الغطاء النباتي النادر الذي تتفرد به، فسقطت نسبة كبيرة من شجرة دم الأخوين، وحدثت انهيارات في التربة، وتشققات في الأرض، وتغير طعم الماء، ومال إلى الملوحة في بعض المناطق، واختفت العديد من العيون والمجاري التي كانت غنية بالمياه.
أما منذ عام 2015، فقد شهدت سقطرى عدة أعاصير كبيرة عصفت بها. ومن تلك الأعاصير إعصار تشابالا في يوم الأحد الموافق 2 نوفمبر 2015، وإعصار ميج في يوم الأحد الموافق 8 نوفمبر 2015، وإعصار ماكونو في يوم الأربعاء الموافق 23 مايو 2018، وإعصار تيج في يوم الأحد الموافق 22 أكتوبر 2023. وهذه الأعاصير كلها خلّفت الكثير من الأضرار البشرية والحيوانية والخدماتية، وغيّرت فكرة الناس وانطباعاتهم تجاه الأمطار، بل غيرت بعضًا من أوجه الجزيرة اليمنية الفريدة، أهمها القضاء على الكثير من الغطاء النباتي النادر الذي تنفرد به عن العالم، فسقطت نسبة كبيرة من الأشجار والنباتات تصل إلى أكثر من 30% من مجموعها، وعلى رأس ذلك شجرة دم الأخوين الشهيرة، فقد حصدت تلك الأعاصير أرواح العديد منها. ومما تغير بسبب تلك الأعاصير حدوث انهيارات كبيرة في التربة، وتشققات في الأرض، تصل في بعض المناطق إلى كيلوهات من الأمتار وبأعماق موغلة، وانجراف الكثير من الحشائش الصغيرة حتى إنّ بعضها انقرض من على وجه الأرض، ولم ينبت حتى اليوم. ومما حصل كذلك، تغيُّر طعم الماء وميله إلى الملوحة في بعض مناطق سقطرى، واختفاء الكثير من العيون والمجاري التي كانت غنية بالمياه. وأهم ما تغير أيضًا هو فكر الناس وعقولهم، فقد أصبح موسم الأمطار مخيفًا ويمثل كابوسًا مرعبًا في كل عام، وتجد الناس تؤثر فيهم الشائعات بسهولة فيما يتعلق بالأمطار الغزيرة، مما يدل على القلق الكبير الذي بداخلهم، فتجدهم يقولون: سمعنا أنه في اليوم الفلاني إعصار، ويقال تأتي أمطار غزيرة، وهكذا. وهذا التأثير ألقى بظلاله نفسيًّا على الأطفال الصغار، فصارت الأمطار لديهم شيئًا مرعبًا. ومما خلفته تلك الأعاصير أنها قضت على قرى بأكملها، فهجرت الناس منازلها وخلفتها بعدهم أكوامًا من الحجارة والطين، فقد سلك الماء مسلكًا لم يسلكه من قبل.
وبالعودة إلى كبار السن الذي عاصروا حقبة دِ الربوع وحقبة أعاصير ما بعد 2015، تجدهم يقولون إن "دِ الربوع" لا شيء أمام الأعاصير الحديثة، سواء في قوة الرياح أو في كمية الأمطار.
من خلال ما سبق، نستطيع القول إنّ عام 2015، عام فارق في سقطرى، تغيّرت فيه حدة الأعاصير وما زالت، وإنّ الجزيرة تقع في عين العاصفة، ووضعها مع الأعاصير مقلقٌ للغاية.
