حملات التبرعات عبر وسائل التواصل

مشاهير الميديا؛ كسب غير مشروع وأنشطة احتيالية
فايز الضبيبي
July 9, 2024

حملات التبرعات عبر وسائل التواصل

مشاهير الميديا؛ كسب غير مشروع وأنشطة احتيالية
فايز الضبيبي
July 9, 2024

صارت وسائل التواصل الاجتماعي اليومَ ملتقى حيويًّا للتضامن الإنساني، ويستخدم العديد من المشاهير في اليمن هذه الوسائل لجمع التبرعات ودعم حالات إنسانية. ومع ذلك، تبرز مع هذه العمليات الكثيرُ من الأسئلة عن صحة القصص المعروضة وجدية الجهود المبذولة، وعن استغلال تلك العمليات في تحقيق الشهرة والكسب غير الشرعي؛ ولهذا يتوجب تعزيز الشفافية والتحقق الدقيق لضمان وصول التبرعات إلى الحالات المستحقة، وعدم استغلال العمل الخيري للصالح الشخصي، وتوعية الجمهور عن أهمية التحقق من صحة المعلومات قبل القيام بتحويلات مالية.

المشاهير وجمع التبرعات

مع استمرار في اليمن، وانقسام الإعلام بين أطرافه، لجأ اليمنيون إلى وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن أخبار موثوقة والتعبير عن آرائهم. وفي هذا السياق، برزت بعض الأسماء على الساحة الرقمية، حيث نالت شهرة واسعة ورواجًا في فترات زمنية قياسية. العديد من تلك الشخصيات استغلت شهرتها لإطلاق حملات لجمع التبرعات ودعم الحالات الإنسانية، من خلال تشجيع المتابعين على التبرع ماليًّا ومشاركة روابط التحويل، مستغلين الأزمة الإنسانية التي تمر بها البلاد، وتعاطف المواطنين وطيبتهم، خاصة المغتربين اليمنيين، الذين يلعبون دورًا بارزًا في دعم المبادرات المجتمعية وتنمية الاقتصاد المحلي.

تنوّعت تلك الحملات بين دعم حالات فردية وجماعية، مثل دعم المرضى والمعسرين، ودعم المخيمات النازحين والمناطق المتضررة. وحظيَت بتفاعل كبير، وجمعت الكثير من التبرعات. تؤكد دراسة نُشرت في المجلة العلمية للبحوث التجارية، أنّ المشاهير يحملون مصداقية وجاذبية أكبر في جمع التبرعات.

انعدام الشفافية والمساءلة 

رغم ما حقّقته تلك الحملات من تفاعل إيجابيّ وجمع تبرعات هائلة، يظهر نقصٌ ملحوظ في مستوى الشفافية والمساءلة في حملات جمع التبرعات، وفقًا للإعلامي والناشط في الأمن الرقمي ومحاربة المعلومات المضللة، أحمد غازي، الذي يُشير إلى أن 90% من هذه الحملات تفتقر إلى الشفافية والنزاهة، مما يفتح المجال أمام تجاوزات واسعة في الإدارة.

تُدار هذه الحملات بشكل فردي بين أفراد يتعاملون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دون معرفة الطرفين ببعضهما، في حين يفضل المتبرعون عدم الكشف عن هُوياتهم والمبالغ المالية المتبرَّع بها، رغبة في تجنب الرياء والتأكيد على صدق التبرع.

كما أنّ عمليات التحويل المالي تتم بشكل فردي عبر حسابات الناشطين، دون رؤية أحد للتفاصيل، وتنتهي هذه العمليات غالبًا بنشر صور محدودة للناشطين أثناء توزيع المساعدات وتسليم المعونات، مع التأكيد على استلام التبرعات وعبارات الشكر للمتفاعلين والمتعاونين، دون ذكر أي تفاصيل أخرى عن الحملة.

يحذّر غازي من أنّ هذا النمط ينطوي على مخاطر عدة، حيث قد يؤدّي الدعم الذي يُقدّم بشكل غير شفاف إلى التورط في تمويل أنشطة غير معروفة أو غير أخلاقية.

في حين تفرض السلطات رقابة مشدّدة على عمل المنظمات والمؤسسات الإنسانية والخيرية في البلاد، وتمنع التجار ورؤوس الأموال من التصرف بزكاتهم وصدقاتهم إلا عبر مؤسسات خاصة بها، استحدثت بعضها مؤخرًا، تترك الباب مفتوحًا على مصراعيه أمام الأشخاص لجمع التبرعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أي رقابة أو تنظيم لهذه العمليات.

انتهاكات وغياب الرقابة

يشير غازي لحادثة مثيرة، حدثت مع ناشط تبرعات في اليمن، أصبحت في فترة من الفترات (ترند)، بعد أن استغل عمله في جمع التبرعات لتحقيق مكاسب شخصية، ومن ثم أسفرت عن جريمة قتل وتدمير أسرة، في إحدى المدن اليمنية.

كان هذا الشخص قد أُطلق سراحه من السجن بفضل حملة تبرعات نجحت في جمع أموال كبيرة، لكن، بعد تحريره، تحوّلت حياته بسرعة وأصبح ثريًّا. استغل هذا الوضع لإطلاق حملات تبرعات جديدة، وقام بجمع التبرعات لشخص يعاني من مرض الكبد، وأثناء زيارته في المستشفى التقى بزوجته، وبطريقة غير أخلاقية، استطاع خداعها بدمجها في مؤسسته الخيرية الوهمية. النتيجة كانت زواجه بها، وعندما اكتشفت عائلتها الحقيقة، أدّى ذلك إلى جريمة قتل بشعة، حيث قُتلت وهي حامل بتوْءَم.

هذه الحادثة تُبرز التحديات الجسيمة التي تواجه جمع التبرعات في اليمن، من انتهاكات أخلاقية إلى غياب الرقابة والشفافية. يطالب غازي بضرورة تغيير ثقافة جمع التبرعات نحو الشفافية والمساءلة، ونحو مشاريع نافعة ومستدامة، وتعزيز رقابة الدولة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث الفاصلة.

في حين تفرض السلطات رقابة مشددة على عمل المنظمات والمؤسسات الإنسانية والخيرية في البلاد، وتمنع التجار ورؤوس الأموال من التصرف بزكاتهم وصدقاتهم إلا عبر مؤسسات خاصة بها، استحدثت بعضها مؤخرًا، تترك الباب مفتوحًا على مصراعيه أمام الأشخاص لجمع التبرعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أي رقابة أو تنظيم لهذه العمليات.

يحظر القانون في السعودية جمع التبرعات بدون ترخيص من الجهات المختصة، ويعدّ ذلك عملًا مخالفًا للأنظمة المرعية في المملكة، ويجرّم قانون تنظيم التبرعات في الإمارات، قيام الأشخاص بجمع التبرعات بغرض مساعدة الحالات الإنسانية بأيّ وسيلة من وسائل الإعلان، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر المواقع الإلكترونية.

وتنحصر أنشطة جمع التبرعات في العديد من دول العالم على الجهات المرخص لها، التي تسمح مراسيم أو قرارات إنشائها بجمع وتلقي وتقديم التبرعات، ولا يجوز لأيّ جهة أخرى إقامة أو تنظيم أو أيّ فعل بهدف جمع التبرعات إلا بعد الحصول على تصريح بذلك، من السلطة المختصة.

أدّى غياب دور الدولة والتشريعات الضابطة والمنظمة لعمليات جمع التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى إطلاق حملات جمع تبرعات لحالات إنسانية من خلال حسابات وصفحات مزورة، تحمل هويات وهمية، بأسماء وصور نساء، مستغلين احترام المجتمع للمرأة وثقتهم بالنساء، أدّى ذلك إلى وقوع الكثيرين في فخ هذه الأفعال الاحتيالية.

وكانت "منصة صدق" اليمنية، قد استطاعت بالتعاون مع ميتا، إغلاق أكثر من 24 حسابًا مزيفًا، وحذف 75 منشورًا، كانت تستعطف الناس لكسب الأموال على الفيسبوك، جميعها كانت بأسماء نساء وهمية، وتستخدم صور نساء منقبات، صورًا شخصية للحسابات.

تعاطف غير واعٍ للمغتربين

في السياق ذاته، استغل بعضُ الأشخاص -رجالًا ونساء- الوضعَ الإنساني المتدهور في البلد، في تناول قصص لحالات إنسانية في اليمن، على حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، وجمع التبرعات لصالح تلك الحالات، لكسب تعاطف اليمنيين، وتحقيق الشهرة على حساب العمل الخيري.

في حين انجرّ العديد من المتبرعين، خاصة المغتربين اليمنيين، وراء حب المشاهير ومتابعة حساباتهم، والتفاعل مع كل ما ينشرونه، والدعم المباشر لحملات التبرعات التي يطلقونها من دون التأكد من حقيقتها، ومصداقية المعلنين، يعود ذلك إلى قلة وعي الكثير منهم، وتعاطف بعضهم تجاه كل ما هو يمني دون معرفة النتائج؛ وفقًا للناشط في مجال حقوق الإنسان عامر تارة.

الفجوة القانونية في جمع التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن، تتسم بتعقيد التحقق من صحة الحالات واستخدام التبرعات بشكل فعّال. ويرى تارة أنّ من الصعب إصدار قوانين تمنع الأشخاص من جمع التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنع الخير عن الناس في ظل الوضع الإنساني التي تمر به البلاد حاليًّا، ويؤكد أنّ على الدولة تنظيم عمليات جمع التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتعزيز الشفافية دون إثقال المبادرات الخيرية، وفرض قوانين تلزم المشاهير بالكشف عن التبرعات وأسماء المتبرعين، ونشر تقارير مالية، وضبط الإعلانات عن جمع التبرعات لضمان مصداقيتها.

على منصات التواصل الاجتماعي أن تعمل على تعزيز آليات التحقق المسبق للحملات التي تطلق على منصاتها، واستخدام تقنيات التحقق الأتوماتيكية والذكاء الاصطناعي، للكشف عن الحملات المشبوهة والمزيفة، ومطالبة الأشخاص المعلنين بتوفير معلومات شفافة عن الحملات التي تتم عبر تلك المنصات.

حماية المتبرعين من التلاعب

وفيما يتصل بغياب التحقق من صحة حملات التبرع، يشير الدكتور عبدالقادر الخراز، أستاذ التقييم البيئي المشارك في جامعة الحديدة ورئيس حملة "لن نصمت"، إلى جملة صعوبات تواجه المنصات الاجتماعية في التحقق من المعلومات، وتأثير الحرب المستمرة على الرقابة والمحاسبة، ما أدّى إلى تدهور الوضع وفقدان الثقة في حملات التبرع، وتزايد الأنشطة الاحتيالية على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول: "يجب على منصات التواصل الاجتماعي أن تعمل على تعزيز آليات التحقق المسبق للحملات التي تُطلق على منصاتها، واستخدام تقنيات التحقق الأتوماتيكية والذكاء الاصطناعي، للكشف عن الحملات المشبوهة والمزيفة، ومطالبة الأشخاص المعلنين بتوفير معلومات شفافة عن الحملات التي تتم عبر تلك المنصات.

يفترض أن يتحمل الشخص الذي يستلم التبرعات مسؤولية إخلاء عهدة بالمبلغ للمتبرع، ونشر تقارير مالية، والكشف عن كيفية استخدام التبرعات، والإفصاح عن اسم وحجم التبرعات لكل متبرع، وضرورة فتح سقوف للتبرعات لتحديد احتياجات كل حالة إنسانية، والإعلانُ عن استيفاء المبالغ يمكنُ أن يحمي المتبرعين ويقلل من فرص التلاعب.

يشير عامر تارة إلى الحملة التي أطلقها مؤخرًا، الناشط محمد فواز العامري على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، لدعم مشروع طريق في محافظة تعز، وحدّد فيها حجم الاحتياجات المالية للمشروع، ونشَرَ اسم وحجم التبرعات لكل متبرع، وأعلن عن استكمال المبلغ المطلوب للمشروع، وتوقفه عن استلام أيّ تبرعات جديدة، مع نشره وثيقة إخلاء عهدة مرفقة بكشف أسماء المتبرعين والمبالغ التي تبرّعوا بها. مؤكدًا بأن تحقيق التوازن بين الرقابة وتشجيع العطاء يعزز النزاهة ويحمي المتبرعين والمتلقين على حدٍّ سواء.

التحقق من مصداقية الحملات

التحقق من حملات التبرعات يتسم بالتعقيد، لكن الوعي المجتمعي والتحقق الشخصي يمكن أن يلعبان دورًا في الحدّ من الاحتيال. كما يجب تشجيع المتبرعين على التحقق من المصداقية، والتبرع عبر وسائل موثوقة وأفراد يعرفونهم.

للتحقق والجدية في حملات التبرع على وسائل التواصل الاجتماعي، ينصح الدكتور عبدالقادر الخراز بالتحقق من مصداقية الحملات من خلال البحث عن معلومات حول الأشخاص المعلنين، والتحقق من سجلّهم وسمعتهم، والاستعانة بشهادات أو توصيات من جهات موثوقة، والتواصل المباشر مع الأشخاص المعلنين للحصول على معلومات إضافية، وطرح الأسئلة المهمة حول الحملة.

إضافة إلى البحث عن صور أو تقارير توضح استخدام التبرعات بشكلٍ فعّال وشفاف، وتقييم ومراقبة الحملات المستمرة؛ للتأكد من استمرار الجدية والشفافية، وتوثيق عمليات الحملة، وتقديم تقارير دورية حول استخدام التبرعات.

أخيرًا، يحثّ الخراز على تعزيز دور الجهات الرسمية في المراقبة والمساءلة لضمان نجاح هذه الحملات وتفادي الاستغلال.

•••
فايز الضبيبي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English