البحث عن لقمة عيش على الرصيف

إسكافيو الشارع في اليمن.. منسيون سحقتهم الحرب
طلال محمد
November 9, 2020

البحث عن لقمة عيش على الرصيف

إسكافيو الشارع في اليمن.. منسيون سحقتهم الحرب
طلال محمد
November 9, 2020

 على قارعة الطريق في السوق المركزي بمدينة إب (وسط اليمن)، يفترش الإسكافي علي الحيثي (56 سنة) الرصيف، يحدق في أحذية المارة لعله يجد "زبونًا" يصلح حذاءه أو يُلمعه.

    كعادته كل صباح يحمل الحيثي معداته في "شِوَال" على ظهره وبيده الأخرى مظلة تقيه حرارة الشمس، مغادرًا شقته التي يقطنها بالإيجار في مديرية المشنة، لينتهي به المطاف جوار ميدان الكبسي، بالسوق المركزي بعد مسافة 2 كم، يجتازها كل يوم مشيًا على الأقدام طلبًا للرزق.

    بوجهٍ ترتسم عليه ملامح الشيخوخة وآثار المعاناة والتعب، يجلس الحيثي القرفصاء على قارعة الطريق في ظل برد الصباح، لعله يحصل على رزقٍ يسيرٍ يؤمن به قوت يومه لأفراد أسرته، مناديا المارة: "هل تريد إصلاح حذاءك؟".

    يقول الحيثي، الذي يعول ثمانية أبناء (3 ذكور، و5 فتيات)، لـ"خيوط"، إنه يعمل كل يوم من الصباح حتى الخامسة مساء، من أجل إعالة أسرته وتوفير قيمة الدواء لزوجته التي تعاني من أمراض مزمنة كالسكر والضغط.

    يشكو الحيثي من الركود وعزوف كثير من الناس عن إصلاح أو تلميع أحذيتهم، بسبب الوضع المعيشي السيئ، الذي آل إليه غالبية اليمنيين جراء الحرب المستعرة منذ ستة أعوام. 

كنت ميسور الحال قبل الحرب، يصل متوسط دخلي من المهنة 3 آلاف ريال إلى 4 آلاف، أما الآن في أحسن الحال أحصل على 1000 ريال أو 1500 ريال يمني وغالبية الأيام من 500 إلى 800 ريال، وبعض الأيام لا أكسب شيئاً

    ويشير الحيثي الذي يعمل في مهنته منذ 31 سنة، إلى تدني مستوى الدخل بسبب الحرب الدائرة منذ ست سنوات، ويصف كيف كان وضعه قبل الحرب، والحال الذي آل إليه بعدها. يقول: "كنت ميسور الحال قبل الحرب، يصل متوسط دخلي من المهنة 3 آلاف ريال إلى 4 آلاف، أما الآن، في أحسن الحال، أحصل على 1000 ريال أو 1500 ريال يمني، وغالبية الأيام من 500 إلى 800 ريال، وبعض الأيام لا أكسب شيئًا".

وضع بائس

    طالت الحرب المدمرة في اليمن منذ ست سنوات كل فئات وشرائح المجتمع، بمن فيهم الإسكافيون، الذين يعجزون عن تأمين قوت يومهم.

التقديرات تشير إلى أن عددهم من 500 إلى 900 شخص، معظمهم يفترشون أرصفة الأسواق وعلى مداخل الحارات والشوارع الرئيسية، بنسبة 90%، وهناك قرابة 20 محلًّا داخل المدينة

    في محافظة إب هناك الكثير من الإسكافيين الذين يفترشون الأرصفة، غالبيتهم من الفئة المهمشة -ذوي البشرة السوداء- إلى جانب العديد من المحلات، فالكل يشكو ركودًا في العمل بنسبة كبيرة تتجاوز 85%، قياسًا بالعمل قبل الحرب.

    ليست هناك إحصائية رسمية بالعدد الإجمالي للإسكافيين في المحافظة، ولكن التقديرات تشير إلى أن عددهم من 500 إلى 900 شخص، معظمهم يفترشون أرصفة الأسواق وعلى مداخل الحارات والشوارع الرئيسية، بنسبة 90 بالمئة، وهناك قرابة 20 محلًّا داخل المدينة.

ركود في العمل وعائلات تتضور جوعًا

    الإسكافي عمر الصُّهباني (53 سنة)، هو الآخر يفترش الرصيف جوار مبنى المؤسسة الاقتصادية في السوق المركزي بمدينة إب، هو وثلاثة من زملاء مهنته للبحث عن مصدر دخل لإعالة أطفالهم.

    يقول الصُّهباني لـ"خيوط"، إنه وزملاءه الثلاثة اختاروا الموقع لاستهداف المارة الموظفين في مؤسسة الاتصالات ومكتب البريد وهيئة مستشفى ناصر العام، وكذلك موظفي نادي الشعب ومدرستي الشعب والوحدة، لإصلاح وتلميع أحذيتهم كونهم ذاهبين إلى الدوام في وظائفهم كل صباح.

    بنبرة ممزوجة بالألم والحسرة يشكو الصُّهباني، الذي يعول تسعة أولاد وأحفاد، من وضعه المعيشي والمعاناة والحرمان الذي آل إليه، في ظل الحرب، وانقطاع الرواتب وتوقف الأعمال في القطاع العام والخاص. قائلًا: "نفترش الرصيف منذ الصباح حتى غروب الشمس، ولا نستطيع توفير نفقات الأسرة الضرورية"، مشيرًا إلى أن جل ما يحصل عليه لا يفي لتوفير أدنى احتياجات أسرته الضرورية.

    وعند سؤاله ما إذا كان افتتاح بعض الإسكافيين محلات تمارس المهنة نفسها في المدينة قد أثر على مستوى حركة العمل والدخل عند الإسكافيين الذين يفترشون الرصيف، أشار الصهباني إلى أن المحلات كان لها تأثير نسبيّ على مستوى الدخل وحركة العمل؛ لأن المحلات - حد قوله- تقدم خدمة أفضل من حيث توفير بعض المتطلبات، مثل: "قاعات" (نعال الأحذية) بأشكالٍ وأحجامٍ مختلفةٍ، الأمر الذي يصعب علينا شراؤها، نظرًا لأسعارها الباهظة.

    يتابع الصهباني: "غالبية المواطنين يُصلحون أحذيتهم في المحلات بدلًا عن إصلاحها عند إسكافيي الشارع"، ويرجع ذلك لعدة أسبابٍ، منها أن "صاحب المحل مستقر وثابت، فيترك الناس أحذيتهم في تلك المحلات لإصلاحها ويأخذونها متى شاؤوا، في حين يخافون ترك أغراضهم عند إسكافيي الشارع، بالنظر لتنقلهم من مكانٍ لآخر".

    الكثير من الإسكافيين ممن تحدثت "خيوط" معهم يشكون ركودًا في العمل وقلة الدخل، قياسًا بما كانوا عليه قبل الحرب، ركودٌ لا يمكنهم حتى من دفع 30% من التزاماتهم المعيشية لعائلاتهم.

    وتسبب تردي الأوضاع الإنسانية، التي تعيشها البلاد منذ 2015، بفقدان ملايين اليمنيين لوظائفهم ورواتبهم، كما دفعت بهم نحو البحث عن بدائل، وسُبل عيش تمكّنهم من سد احتياجاتهم الأساسية، والتخفيف من وطأة أعباء الحياة، ومواجهة متطلباتها.

تحذيرات أممية

    وضع الإسكافيين هو جزء من وضع ملايين اليمنيين؛ إذ ذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن (أوتشا) في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن الصراع، الذي يمتد لأكثر من ست سنوات، ساهم بشكل كبير في تفاقم معاناة ملايين اليمنيين. وأضاف أن "الصراع والاقتصاد الهش ونقص التمويل الإنساني، عوامل رئيسية أدت إلى تفاقم وضع ملايين الأشخاص في اليمن".

    وفي السياق ذاته، قال برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إن أزمة اليمن لا تزال أسوأ أزمة في العالم، إذ يعيش ملايين السكان في دائرة من الصراع والجوع، مشيرًا إلى أن الحياة أصبحت أكثر صعوبة يومًا بعد يوم. وأردف البرنامج أن "40 بالمئة من السكان يكافحون في الوقت الراهن للحصول على احتياجاتهم الأساسية اليومية من الغذاء".

     ويعاني حوالي 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك ما يقرب من 10 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. ويحتاج حوالي مليوني طفل إلى العلاج من سوء التغذية الحاد، من بينهم 360 ألفًا معرضون لخطر الموت في حال عدم تلقي العلاج، وفقًا لتصريحات ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة.


•••
طلال محمد

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English