بعادات وتقاليد ما زالت تقاوم، خاصة في الريف، يستقبل سكان المحويت (شمال غربي اليمن) شهرَ رمضان المبارك بفرحة عارمة وسعادة لا متناهية، حيث يستعد الجميع لاستقبال رمضان والاحتفال به منذ دخول شهر شعبان، حيث ترى الأطفال يستعدون بجمع الأواني والمعلبات إلى جانب توفير الألعاب النارية والحطب (غصون الأشجار) وإشعالها للاحتفاء بقدوم الشهر.
ورغم ما يعانيه السكان من غلاء في الأسعار والأزمات المعيشية الطاحنة، إضافة إلى الأزمات في الخدمات العامة، وصعوبات التنقل، فإنهم يحاولون استقبال رمضان، وإن كان بفرحة ناقصة، تجعل الكثير منهم يكتفون بتبادل التهاني والتبريكات، وطلب المسامحة والصفح فيما بينهم، لفتح صفحة جديدة وطي الخلافات في حال كانت هناك خصومات وخلافات بين بعضهم.
فضلًا عن إعداد الطعام بشكل مشترك بين الأسر في كثير من المناطق، ابتهاجًا بقدوم الشهر، واستغلاله لإصلاح ما تم إفساده سابقًا، حيث يتصافى الجميع، معلنين استقبال رمضان بقلوب مطمئنة خالية من الأحقاد.
يتحدث سمير الطويلي، ناشط اجتماعي في محافظة المحويت، لـ"خيوط"، عن أنّ هناك صعوبات وتحديات واسعة تزداد من عام لآخر، يكون لها تبعات مؤثرة على مستوى استقبال كثير من الأسر لشهر رمضان؛ بسبب توسع قائمة متطلباته ومستلزماته، مقابل تردٍّ في معيشة نسبة كبيرة من السكان؛ الأمر الذي يجعلهم يكافحون في سبيل المحافظة على ما أمكن من طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم الرمضانية.
أهم العادات الرمضانية تكمن في إعداد الوجبات التي لا تعد في بقية الشهور، وعلى رأسها شوربة البُرّ واللحوح، فهي عنصر أساسي في المائدة الرمضانية خلال فترة الإفطار وكذا السحور، في كل بيت.
من بين العادات الرمضانية في المحويت التي لا تزال مستمرة ويحرص الأهالي على التزامها؛ الفطور الجماعي في المساجد، غير أنّ الأزمات المعيشية قلصت من محتويات الموائد في المنازل وفي أماكن الإفطار الجماعي.
إضافة إلى التمر، تشمل مائدة الإفطار لدى معظم الأسر في المحويت: طبق "الشفوت" الذي يتضمن "اللحوح" المحويتي الشهير مع اللبن أو الزبادي، كما يفضله الكثير، حيث يُعتبر هذا الطبق من الوجبات الأساسية التي تتكون من الخبز الذي تشتهر بإعداده معظم الأسر في محافظة المحويت.
يقول المواطن محمد علي، من سكان المحويت، لـ"خيوط"، إنّ هناك بعض المأكولات والسلع لا نجدها إلا في رمضان، كعصائر قمر الدين، والحلويات الشعبية، كما أنّ الخضروات ومكونات السَّلَطات تزيد نسبة شرائها في رمضان مقارنة بالأيام العادية، فضلًا عن حرص الكثير من المواطنين في المنطقة على شراء "القديد"، وهو نوع من العصائر يتكون من البرقوق المجفف والكركديه والتمر الهندي.
من جانبه، يرى الطويلي أنّ وجبة "الشفوت" التي تعتبر من أهم مكونات المائدة الرمضانية ليس في المحويت فقط، ولكن في معظم المناطق اليمنية، أصبحت الكثير من الأسر تواجه صعوبات للمحافظة عليها، بسبب ارتفاع تكاليف إعدادها، بالرغم من حرص بعضهم على المحافظة على زراعة بعض المحاصيل، مثل: الشعير والذرة والدُّخن، التي تعتمد عليها عملية تحضير اللحوح المحويتي، مشيرًا إلى أنّ هناك من يواجه صعوبة في توفير بقية المكونات، مثل اللبن، "الحقين" كما يطلق عليه، بالنظر إلى تقلص أعداد المواشي من الأبقار، لصعوبة القيام بتربيتها لدى بعضهم، أو قيام بعض الأسر ببيعها لتوفير تكاليف طارئة معيشية وطبّية.
عادات مندثرة، وأخرى تقاوم
في السياق، لا تزال هناك عادات حية وقائمة، كما يوضحها علي حاكم- من سكان المحويت، بالقول لـ"خيوط"، إن غالبية المنازل يُعاد طلاء جدرانها باللون الأبيض؛ تعبيرًا عن الابتهاج بحلول شهر رمضان، مضيفًا: "تعمل النساء على غسل أثاث المنزل وتنظيفه، إلى جانب قيام بعضهم بتنظيف المساجد وطلاء جدرانها، وتغيير أثاثها، بينما يستقبل بعضهم الآخر الشهرَ بشراء الأواني المنزلية الجديدة التي لا يتم إخراجها إلا في رمضان".
من الطقوس الرمضانية المتوارثة كذلك في المحويت: خروج جماعات من الناس، خصوصًا كبار السن، للذهاب في نزهة خارج المدينة أو المناطق الريفية، لتبادل الأحاديث والتجول في المزارع، حتى يحين موعد الإفطار.
أما الشباب فيقومون بتجهيز الدوريات الرمضانية لعدد من الألعاب الرياضية، كما يوضح لـ"خيوط"، توفيق سعيد- مشرف على بعض الألعاب في إحدى المناطق الريفية في المحويت، لافتًا إلى أنّ الألعاب الرياضية من أهم طقوس شهر رمضان في الفترة من بعد الساعة الثالثة عصرًا إلى قبل أذان المغرب وحلول المساء.
جرت العادة أن تكون هناك عدة فعاليات يتشارك في إحيائها الأطفال والشبّان، وعلى وجه الخصوص الألعاب الشعبية القديمة، مثل: لعبة "الاختباء" أو "الغميضة"، واللعب بالتراب، وكذا "الباصرة"، ولعبة "شد الحبل".
إضافة إلى الأمسيات التي ينظّمها كبار السن للحديث عن قضايا تتعلق بشؤون حياتهم العامة، لكن كل هذه العادات بدأت بالاختفاء مع انتشار الأجهزة الحديثة المرتبطة بالإنترنت.
من جانبها، تؤكّد أم خالد، لـ"خيوط"، أنّ أهم العادات الرمضانية تكمن في إعداد الوجبات التي لا تُعد في بقية الشهور، وعلى رأسها شوربة البُرّ واللحوح، فهي عنصر أساسي في المائدة الرمضانية خلال فترة الإفطار وكذا السحور، في كل بيت، مضيفةً أنّ لمّ شمل الأسرة من أجمل عادات الشهر، حيث تحرص بعض الأسر على التجمع في منزل واحد، يضم جميع أفراد الأسرة للإفطار، أو ممارسة بعض العادات والطقوس الرمضانية المسائية.
من العادات القديمة التي يلاحظ اندثارها في المحويت، خاصة في المناطق الريفية: "المسحراتي"، وهو الشخص الذي يقوم بإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور، إذ يُرجع بعض سبب ذلك إلى التغير الحاصل في حياة الكثير من الناس، وحرصهم على السهر طوال الليل والنوم خلال فترة النهار، بينما تعتمد قلة على تنبيه هواتفهم الذكية.
مظاهر تفتقد الألفة
بالمقابل، هناك تغير كبير في طرق استقبال رمضان ومعايشة طقوسه وعاداته وتوفير مستلزماته في المرحلة الراهنة، فلم تعد تلك الألفة والأحاديث بين الناس والزيارات وتعهد الجيران كما كانت من قبل؛ حيث أثرت الأوضاع والظروف التي تمر بها اليمن بسبب الحرب والصراع والأزمات الاقتصادية والمعيشية على حياة الناس، وأضعفت قدرتهم في المحافظة على طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم ونمط حياتهم، في مثل هذه المناسبات المهمة كشهر رمضان.
يقول الباحث الاجتماعي، علي يحيى، لـ"خيوط"، إنّ هناك تأثيرًا للتطورات التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي على مثل هذه الطقوس والعادات الرمضانية، وليس فقط تأثيرات وتبعات الحرب والصراع والأزمات المعيشية والإنسانية، إذ يشمل ذلك معظم المناطق اليمنية.
نتيجة لذلك لم يعُد أفراد الأسرة يتسامرون سوية في المساء على تلفزيون واحد، والأطفال لم يعودوا يلعبون حول المنزل وصوت ضحكاتهم عالية وسط أجواء تزينها الطيبة والسكينة والهدوء، في حين يلفت يحيى إلى أنّ بعض المظاهر كالزينة وغيرها، التي لا يزال بعضهم يحرص عليها، أصبحت مجرد مظاهر تفتقد الألفة الحقيقية النابعة من القلب.