آلت الأمور في محافظة شبوة بعد أيام من الاشتباكات المسلحة إلى نتيجة متوقعة منذ اليوم الأول لاندلاعها، لم يكن مستغربًا هزيمة قوات الأمن الخاصة بقيادة عميدها المقال عبدربه لعكب، بقدر ما كان الاستغراب حول استماتة العميد لعكب في خوض معركة نتيجتها محسومة سلفًا.
في ديسمبر/ أيلول العام الماضي، أصدر الرئيس المستقيل كُرهًا عبدربه منصور هادي، قرارًا بعزل محافظ شبوة السابق محمد صالح بن عديو، وتعيين عوض محمد ابن الوزير العولقي بدلًا عنه، لم يكن ذلك القرار إجراء إداريًّا عاديًّا يتعلق بعزل مسؤول وتعيين آخر، بل كان إيذانًا بنهاية حقبة آخر سلطة متمردة على التحالف العربي ضمن المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، ومنذ صدور قرار تعيين عوض ابن الوزير محافظًا لشبوة، كان واضحًا أن العد التنازلي للقادة العسكريين والأمنيين الموالين له قد بدأ فعلًا.
وها هم اليوم دفعة من القيادات العسكرية المسؤولة عن واقع المحافظة السابق، تقال بشكل جماعي، بقرار من مجلس القيادة الرئاسي، ويتم تثبيت هذه الإقالة بعملية اجتثاث عسكرية على الأرض.
جذور المشكلة
في أغسطس عام 2019، قرر المجلس الانتقالي بسط سيطرة قواته بشكل كامل على المحافظات الجنوبية، وطرد أي قوات عسكرية لا تنتمي له حتى وإن كانت جنوبية، سار المخطط على ما يرام في محافظة عدن، حيث تم دحر قوات الحماية الرئاسية الموالية لنجل الرئيس السابق ناصر عبدربه منصور هادي، وسقطت كافة معسكراتها والمناطق التي تتمركز فيها بيد قوات المجلس الانتقالي، بما في ذلك قصر معاشيق الرئاسي.
في السابع من اغسطس/ آب، أصدر محافظ شبوة قرارًا بإقالة لعكب، وتكليف بدلًا عنه لقيادة القوات الخاصة، وهو الأمر الذي رفضه وزير الداخلية في الحكومة المعترف بها دوليًّا اللواء إبراهيم حيدان، لتندلع مساء اليوم نفسه اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن الخاصة تساندها قوات محور عتق من جهة، وقوات دفاع شبوة تساندها قوات العمالقة من جهة أخرى
لكن المخطط اصطدم بواقع جديد في شبوة، بعثر كافة أوراق الانتقالي، بل وجعله محصورًا بشكل أسوأ ممّا كان قبل سيطرته الكاملة على عدن، فبعد أن كان موكب اللواء عيدروس الزبيدي يسير من عدن إلى المكلا دون أن يعترضه أحد، صارت حركة موكبه مقتصرة من جولدمور إلى زنجبار، نتيجة خسارة الانتقالي عسكريًّا لمحافظة شبوة.
اندحرت قوات النخبة الشبوانية الموالية للانتقالي بين ليلة وضحاها من كامل تراب محافظة شبوة، وبسطت السيطرة على عتق وباقي مديريات شبوة قوات عسكرية وأمنية شبوانية ومأربية موالية بشكل عام للرئيس عبدربه منصور هادي، وبشكل خاص للتجمع اليمني للإصلاح.
كان العميد عبدربه لعكب، قائد قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقًا)، أحدَ أبرز الوجوه العسكرية التي ظهرت حينها بعد انسحاب قوات النخبة الشبوانية الموالية للانتقالي، إلى جانب العميد عزيز العتيقي، قائد محور عتق، والعميد جحدل حنش، قائد اللواء 22 ميكا.
ظلت محافظة شبوة المحافظة الوحيدة التي لا يُرفع علم الانفصال في أي نقطة من نقاطها الأمنية والعسكرية، لكن لم تكن المشكلة هنا، فقد ظل محافظ شبوة السابق محمد صالح بن عديو يهاجم التحالف العربي بشدة، لا سيما دولة الإمارات العربية المتحدة، ويطالبها بشكل متكرر في تصريحات إعلامية بتفكيك معسكرها الواقع في منشأة بلحاف.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، سقطت مديريات بيحان وعسيلان من جديد بيد مسلّحي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وتم توجيه الاتهام إعلاميًّا لمحافظ شبوة السابق محمد صالح بن عديو بالتواطؤ في تسليم تلك المديريات، لينتهي الأمر لاحقًا بإقالته في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2021، كشرط طرحه التحالف العربي على الرئيس السابق المعترف به دوليًا عبدربه منصور هادي لإطلاق عملية عسكرية تستعيد بها مديريات شبوة التي سقطت، وهو ما تم فعلًا بعد أيام قليلة من إقالة بن عديو.
نصب الأفخاخ للصدام
الشهر الماضي يوليو/ تموز 2022، أعلن مكتب العميد عبدربه لعكب أنّ عددًا من حراسته قُتِلوا في محاولة اغتيال تعرض لها، متهمًا "قوات دفاع شبوة" -وهي فصيل موالٍ للانتقالي– بتنفيذ العملية، فيما اتهم وجدي باعوم الخليفي قائد اللواء الثاني في قوات دفاع شبوة، اتهم لعكب بالتعمد في الاحتكاك المسلح بقواته؛ الأمر الذي نتج عنه صدام مسلح.
أصدر محافظ شبوة يومها قرارًا بتوقيف لعكب وباعوم معًا، إلى حين انتهاء عمل لجنة التحقيق، وكلف قيادات أخرى بتولي مهام الموقوفين مؤقتًا، إلا أنّ لعكب رفض دخول الضابط المكلف بدلًا عنه إلى قيادة القوات الخاصة، وهو ما اعتبره المحافظ تمردًا عليه.
في السابع من أغسطس/ آب، أصدر محافظ شبوة ابن الوزير العولقي قرارًا بإقالة لعكب وتكليف بدلًا عنه لقيادة القوات الخاصة، وهو الأمر الذي رفضه وزير الداخلية في الحكومة المعترف بها دوليًّا، اللواء إبراهيم حيدان، وبعث بمذكرة مكتوبة إلى محافظ شبوة قال فيها إن قرار الإقالة مُلغى، لأنّ قوات الأمن الخاصة تخضع لوزارة الداخلية وليس للسلطات المحلية، لتندلع مساء اليوم نفسه اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن الخاصة، تساندها قوات محور عتق من جهة، وقوات دفاع شبوة تساندها قوات العمالقة من جهة أخرى.
في الثامن من أغسطس/ آب الجاري، أصدر مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد محمد العليمي، قرارًا بإقالة كلًّ من:
1- قائد محور عتق، قائد اللواء 30، العميد/ عزير ناصر العتيقي.
2- مدير عام شرطة محافظة شبوة، العميد/ عوض مسعود الدحبول.
3- قائد فرع قوات الأمن الخاصة، العميد/ عبدربه محمد لعكب.
4- قائد اللواء الثاني دفاع شبوة، العقيد/ وجدي باعوم الخليفي.
وبهذا تم عزل كافة القيادات المناوئة للمجلس الانتقالي الجنوبي، إضافة إلى عزل وجدي باعوم الموالي للانتقالي، والذي لم يصدر قرارٌ جمهوري بتعيينه في منصبه أساسًا، باعتبار أنّ قوات دفاع شبوة لا تخضع لوزارتي الداخلية والدفاع، وترتبط بالتحالف مباشرة.
وبصدور قرار مجلس القيادة الرئاسي، انتفى المبرر القانوني الذي كان يحتفظ به العميد عبدربه لعكب الذي كان يعتبر قرار المحافظ بتوقيفه غير قانوني، لكن المعارك ظلت مستمرة ولم تتوقف جراء هذا القرار.
أيام عصيبة في عتق
منذ الأحد 7 أغسطس/ آب، وحتى الأربعاء 10 أغسطس/ آب، شهدت عتق أيامًا عصيبة لم يتوقف فيها أزيز الرصاص ليلًا ولا نهارًا، قاتلت القوات الخاضعة للقيادات المقالة بقوة، لكن الوضع الميداني لم يكن في صالحها.
وأمس الثلاثاء التاسع من أغسطس، وجّه محافظ شبوة عوض ابن الوزير رسالة تم توزيعها على وسائل الإعلام، إلى القادة العسكريين والأمنيين في محافظة شبوة، وحددهم بالاسم، اتهمهم فيها بخيانة الشرف العسكري وتوجيه اسلحتهم في وجه قيادة السلطة المحلية بمحافظة شبوة، ممثلة بِمحافظ المحافظة، مُعلنين التمرد؛ ومهاجمة مؤسسات الدولة وتدميرها في مدينة عتق - مركز محافظة شبوة، وطالبهم العودة إلى جادة الصواب، وإيقاف إطلاق النار؛ فورًا، ما لم سيتحملون تبعات ونتائج ما قال إنه تمردهم.
وفي صبيحة الأربعاء 10 أغسطس/ آب، أصدر محافظ شبوة بيانًا إلى أبناء شبوة، قال فيه إنه اضطر لإطلاق عملية عسكرية دفاعية للقضاء على ما اسماهم "المتمرّدين"، في حين أنّ المعارك فعليًّا لم تتوقف طوال أربعة أيام، لكن كان ذلك البيان بمثابة إعلان المحافظ عن تمكُّن القوات الموالية من حسم الموقف، وبالفعل لم تمر ساعات حتى سيطرت قوات العمالقة وقوات دفاع شبوة على كامل مديرية عتق.