يأتي عيد الفطر هذا العام في محافظة شبوة (جنوب اليمن) بطقوس وعادات احتفالية مميزة، مثل كل عام، رغم أن الأزمات المعيشية وتدهور قيمة العملة قد أثّرا بشكل واضح على الاستعداد للطقوس بصورة عامة، إلا أنّ المواطنين مصرّون على الاحتفال بهذه المناسبة الدينية بكامل طقوسها المتبقية، والشاهد على ذلك اكتظاظ الأسواق والمحال التجارية، والاستعداد في التزيين وتجهيز بعض الأطباق الخاصة بالعيد التي تستدعي التحضير المسبق.
تمتاز الأعياد في محافظة شبوة بطقوس متوارثة، لا يزال الأهالي محافظين على معايشتها، وهو ما يجعلها صامدة في وجه الحداثة والظروف التي تمر بها المحافظة، فالتأثير الذي كان له دور في نسيان العديد من العادات الاجتماعية، مثل تغرب أبناء المحافظة، ورحيل الأجداد، والتأثر بالعادات الدخيلة الأخرى على الحياة داخل شبوة، إضافة إلى التكلفة الباهظة لبعض الطقوس الاجتماعية- كانت من العوامل التي أثرت على المجتمع في تناسي بعض العادات في العيد. مع أنّ المجتمع الشبواني بطبيعته ذو أساس قوي ومتماسك، لكن استطاعت هذه العوامل اختراق الحياة الاجتماعية داخل المحافظة.
طقوس مهملة
تعتبر طبيعة المجتمع في شبوة مُحافِظة على التقاليد والعادات المتوارثة من الأجداد بامتياز، وما زال هذا المجتمع، الذي يعيش حاليًّا حالة من التطور، محافِظًا على تقاليده وعاداته المتميزة إلى حد كبير، فالعوائل على سبيل المثال، تقف وتآزر بعضها في الأتراح قبل الأفراح، وتحافظ على الترابط الأسري مهما كانت الظروف، ولعل ذلك من أهم ميزات المجتمع في هذه المحافظة.
يؤكد محسن الخليفي (49 سنة) لـ"خيوط"، أن هناك ضرورة للمحافظة على معظم الطقوس الخاصة بمثل هذه المناسبات، وعلى الرغم من إهمال بعض العادات والتقاليد إلا أن بعضًا منها ما تزال موجودة وقائمة، مثل قيام الرجال بعد صلاة العيد بزيارات لأهالي المنطقة، خاصة كبار السن والمرضى، لتقديم المواساة والتهاني ومشاركتهم الفرحة والابتهاج بالعيد.
يسعى الجميع في العيد لإضفاء جو المرح وتغليب البهجة على ما سواها، فنرى النساء والأطفال والرجال على حد سواء، يحتفلون بالعيد بطرقهم الخاصة، لا سيما النساء اللاتي يعشن أجواء خاصة، بداية من التسوق لشراء الملابس والحلي ثم النقش بالحناء، حيث لا تمر مناسبة إلا ونقش الحناء حاضر كتعبير عن التزين والجمال واستقبال العيد.
يردف الخليفي بالقول: "إن بساطة الاحتفال هي أجمل ما في العيد، بدون تكلف وبقلب رجل واحد يعيش الجميع تفاصيل كثيرة وتجاذب قصص وأحاديث "الأولين"، وهذه مهمة يقوم بها الآباء والأجداد، لذا يتم استقبال العيد بشغف وشوق كبير".
في السابق، قبل أعوام قليلة، كانت هناك طقوس مبهجة تحييها معظم القرى والمناطق في شبوة، لعل البعض منها ما تزال محافظة عليها، لكن هنا في ضواحي عاصمة المحافظة (مدينة عتق)، هناك إهمال للكثير من الطقوس التي يلاحظ التخلي عن ممارستها، لكنها أخذت حيزًا كبيرًا من ذاكرة الأهالي.
يقول محمد عبدالله لـ"خيوط": "بعدما كبرت واغتربت، كنت أسافر من السعودية حيث كنت أعمل، إلى عتق عاصمة محافظة شبوة، قبل العيد بأيام حتى ألحق ما تبقى من رمضان وأحضر العيد مع عائلتي، كان هذا روتيني لعشرة أعوام، وفي كل عام كنت ألاحظ غياب شيء ما من العيد بدون معرفة السبب".
يتابع محمد: "ما زلت أتذكر تجمعاتنا في أيام مرحلة الشباب بعد تناول وجبة إفطار العيد على شكل حلقات دائرية، ونتبادل الأحاديث والقصص. لكن مع الأسف، لم يعد لمثل هذه الطقوس أي أثر".
أما ناصر القفان فيتذكر العيد قديمًا، في حديثه لـ"خيوط": "كان الناس يستعدون للعيد قديمًا بتزيين أركان المنازل بشعل من النار، ثم في يوم العيد بعد خروج الناس من مصلى العيد يتجهون لمكان عام ليرقصوا رقصة "الشرح" في إظهار للفرح والابتهاج بالعيد". بعد ذلك يتجمع أهالي كل أربعة أو خمسة بيوت متجاورة، ويتناولون وجبة الغداء معًا، في حين يلعب الأطفال ألعابًا تقليدية، ما زالت تمارس لليوم بين الفتيات والأولاد، مثل: لعبة "البربر"، ولعبة الجبل، وغيرها الكثير من الألعاب.
يضيف ناصر: "في عصر العيد يخرج الرجال لممارسة هواياتهم مثل "النصع"، وهو حجر مميز يقوم المشاركون بالضرب عليه بالأعيرة النارية".
وجبة العيد
يتميز المطبخ الشبواني بالعديد من الأطباق الشهيرة على مستوى اليمن، والمنطقة العربية بشكل عام، ولعل أبرز تلك الأطباق هو "المندي" الذي لا يغيب عن سفرة الغداء في أيام العيد، لكن قبل ذلك، لتناول إفطار العيد تقليدٌ شعبي تمضي عليه معظم العائلات داخل شبوة.
وتعتبر وجبة الفطور هي أهم وجبة تجتمع عليها العائلة الواحدة، وليس المعني بها البيت الواحد فحسب، بل عدة بيوت من عائلة واحدة، في صورة تظهر حجم الترابط العائلي في المجتمع الشبواني.
تتحدث مزنة صالح، وهي ربة منزل، لـ"خيوط"، بأن المرأة في شبوة تعد طعام الإفطار قبل العيد بأيام، فالأصناف التي يتم البدء بها كأول وجبة بعد شهر كامل من الصيام، تتطلب جهدًا ووقتًا لإعدادها، مثل "الجروشة" وهي وجبة تطبخ قبل أيام من حلول العيد، وهي عبارة عن حب الذرة المطحون، تطبخ على النار، وتقدم باردة مع "الدهن" البلدي (زيت السمسم)، والسكر لمن يرغب فيه.
تضيف مزنة: "نعد أيضًا "الزاد" -ما يسمى في بعض مناطق اليمن بالعصيد- وأيضًا المعصوب، وهو عبارة عن قمح مطحون يضاف إليه العسل وزيت السمسم".
بهجة جماعية
يسعى الجميع في العيد لإضفاء جو المرح وتغليب البهجة على ما سواها، فنرى النساء والأطفال والرجال على حد سواء، يحتفلون بالعيد بطرقهم الخاصة، لا سيما النساء اللاتي يعشن أجواء خاصة، بداية من التسوق لشراء الملابس والحلي ثم النقش بالحناء، حيث لا تمر مناسبة إلا ونقش الحناء حاضر كتعبير جميل عن التزين والجمال واستقبال العيد.
تقول خديجة (اسم مستعار): "يحل العيد علينا بمثابة مكافأة لنا كنساء بعد تعب وإرهاق لشهر كامل من العمل داخل المطابخ، وتقديم واجب الزيارة للأهل والجيران، والتسوق. حقيقةً، نتعب كثير، لكن طقوس العيد والزيارات المتبادلة وتقديم الضيافة وفرحة الأطفال، تغسل كل ما نشعر به. ولا أنسى أن زيارتي مع أطفالي لبيت أهلي، الذين يعيشون في منطقة بعيدة عن منطقتي، هي أكثر ما أنتظره، خاصة أن بعض أفراد أسرتي مغتربون ولا يأتون إلا بالأعياد".
رغم التغييرات التي أصابت المجتمع اليمني بشكل عام، والتحولات الكبيرة التي طرأت مؤخرًا على المناسبات الدينية والاجتماعية، إلا أنّ هناك طقوسًا وعادات ما تزال قائمة، وهناك من يحافظ عليها باستمرار، كنوع من الحفاظ على الهُوية الخاصة والثقافة والطقوس المتوارثة، وهي ما يميز المجتمع اليمني الكبير وتفرّده بطابع خاص بكل مجتمع ومنطقة.