في منتصف أغسطس/ آب 2024، وعلى مدى يومين، حظي نحو ألف شاب وشابة بالحضور والمشاركة وسط تفاعل كبير وصاخب مع شارات مسلسلات علقت في أذهان متابعيها؛ من بيل وسيبستيان، مرورًا بسالي، وصولًا إلى أبطال الديجيتال، وكلها توثق مراحل عمرية مرّ بها غالبية من حضروا؛ لاستعادة شيء من الماضي، وإن كان ذلك سيشكّل تنغيصًا آنيًّا بفعل من اعتبروا الفعالية ذات توقيت خاطئ ولا تليق بتعز!
فعالية أقامتها منظمة وصل للسلام ومؤسسة فن بمدينة تعز، وأطلقت عليها "شبابستون" في محاكاة لقناة "سبيستون"، واستحضارٍ لذكريات قديمة مع شارات مسلسلات الأطفال الشهيرة في فترة التسعينيات ومطلع الألفية.
ليست المرة الأولى التي تعقد فيها "شبابستون" بهذا الزخم؛ هذه المرة الثالثة، لكنها الأولى التي تلقى استهجانًا من بعض الدعاة في المدينة، وسط نشر مضاد ربطها بما يحدث في غزة، وتساؤلات أُثيرت عن ماهية الفعالية، والقيمة التي تمثلها لمدينة عانت ويلات الحرب سنوات.
حنين الماضي
شارك محمد الراجحي، وهو فني مونتاج ومخرج تلفزيوني في الترويج للفعالية عبر حسابه في منصة فيسبوك، ولاقى ردودًا متباينة بين مؤيد ومعارض، دفعه ذلك للردّ بمنشور مليء بالذكريات والحنين إلى الماضي.
"أحببت مسلسلات الكرتون حدّ الجنون وعانيت كثيرًا في سبيل مشاهدتها؛ كنتُ أسافر إلى مدينة تعز في العطلة المدرسية وأبقى في منزل أختي ولا أدري كيف تمر تلك العطلة لأجد نفسي مجددًا في القرية"؛ هكذا عبر الراجحي عن ذكرياته التي يحافظ على شيء منها بعد عطلته السنوية، حيث يواسي نفسه بغناء شارات الكرتون التي حفظها بصوت عالٍ ويستمع لصدى صوته القادم من الوادي، ليخفف من حالة الحزن التي كانت تنتابه؛ كما يقول.
ووجّه الراجحي إلى منتقديه خطابًا ملفوفًا بلكنة العتاب، عندما قال: "سامحوني يا أصدقاء؛ قد ترون أن هذه الفعالية لا تستحق بالنسبة لكم، لكن بالنسبة لي فهي تعيد لي شيئًا ما فقدتُه وعانيت من أجله، لذلك أجدها مهمة جدًّا".
نحن الجيل التسعيني الذي يُغرد الطفل بداخله في كُل مرة يسمع شارةً لسبيستون، القناة التي تبدو ضاربة في جذور ذكريات طفولتنا؛ ولذلك نفدت التذاكر بشكل سريع جدًّا، وهذا سبب كافٍ ورسالة واضحة أننا نحتاج الكثير من نشاطات مُشابهة كهذه.
لم تتردد خولة فؤاد، وهي فاعلة ثقافية وشبابية في مدينة تعز، في الذهاب إلى الحدث الذي ترى أن الناس حضروه بسبب توقهم الدائم للشعور بالفرح والألفة والبهجة، التي باتت شبه معدومة في مدينةٍ تتآكل فيها ملامح الفعاليات والمهرجانات؛ بحسب تعبيرها.
وتضيف خولة لـ"خيوط": "لذلك، أنا وغيري الكثير من الشباب، نطمح لوجود ما يُشعِرنا بأننا نستحق الفرح وعودة ذكريات الطفولة، نحن الجيل التسعيني الذي يُغرّد الطفل بداخله في كُل مرة يسمع شارةً لسبيستون، القناة التي تبدو ضاربة في جذور ذكريات طفولتنا؛ ولذلك نفدت التذاكر بشكل سريع جدًّا، وهذا سبب كافٍ ورسالة واضحة أننا نحتاج الكثير من نشاطات مُشابهة كهذه".
"غنّينا بصوتٍ واحد دون الحاجة لمكبر صوت حتى إنّنا عُدنا إلى المنزل وقد شحبت أصواتنا، كان استمتاعنا بقدر الحماس والشغف الذي سبق الفعالية"؛ هكذا بدت مشاعرها حتى بعد انتهاء الفعالية التي تركت لديها انطباعًا مختلفًا عبّرت عنه قائلة: "سعيدة بأن هناك من يحاول خلق الحياة من هذا التلاشي الذي تعيشه المدينة وندفع ضريبته نحن الشباب دون جدوى من خلق متنفسات وفعاليات مستدامة".
استهجان الحدث
الفعالية المغلقة التي شهدت تخصيص مقاعد للنساء وأخرى للرجال دون حدوث أيّ اختلاط في القاعة سوى لكبار الضيوف الذين خُصّصت لهم مقاعد أمامية لاقت ردود فعل استنكارية من دعاة دين اعتبروا أنها تكرس للاختلاط في المدينة، في مقدمة المستنكرين: الشيخ عبدالله العديني، الذي لم ينشر بشكل صريح، واكتفى بمشاركة بعض المنشورات المستهجنة للحدث، التي ربطتها بالاختلاط والاعتياد على ما يسمونه بالانفتاح، إضافة إلى قفزها على الواقع والوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الناس في المدينة.
"ليست المرة الأولى التي ننظم فيها حدثًا كهذا؛ فـ(وصل) منذ أن كانت مبادرة، تعمل لتنظيم فعاليات شبابية وطفولية من باب الأهمية التي تمثلها هذه الشرائح، وبسبب التجاهل الذي تتعرض له في ظل أوضاع معقدة تعيشها البلاد وتنعكس عليهم بشكل سلبي".
لم يتوقف الأمر هنا، فالشيخ علي القاضي نشر منشورًا مطولًا في حسابه بمنصة فيسبوك، عبّر فيه عن امتعاضه من الفعالية التي اعتبر أنّها لا تجوز شرعًا، وكذلك لأجل سمعة تعز التي تحتاج لوحدة الصف وتوجيه البوصلة نحو الحوثي لا لتمزيق صفها وشغلها ببعضها؛ كما قال.
وبتعبير أقل حدية قال الشيخ القاضي: "لا يعني إنكارنا للمخالفات الشرعية في هذا الاحتفال، الطعن في أخلاق المشاركين والمشاركات، حاشا لله، فهم أبناؤنا وبناتنا وأهلهم إخوتنا، وإنما ننبههم لما وقعوا فيه نصيحة وحبًّا لهم، مع حسن ظننا بهم، فليس كل من أخطأ يكون سيء النية أو منحرفًا".
بينما ينظر أحمد مصطفى، وهو شاب عارَضَ الفعالية بمبرر أنه لا هدف لها، ولا تشكل أي قيمة إضافية لتعز وشبابها؛ بحسب قوله، ويضيف مصطفى بنبرةٍ أقل حدة عن بقية المنتقدين: "تعز بحاجة لفعاليات ترفيهية، ولكن ليس بهذا الشكل، نحن بحاجة إلى ضوابط تحفظ عادات وتقاليد المجتمع، لا تقفز عليه"، وعبر مصطفى عن مخاوفه بأن تصبح هذه الفعاليات تقليدًا يؤدي إلى تماهي المجتمع معها على حساب روابط وثوابت تحفظ تماسكه، وهو في أمس الحاجة إليها؛ كما يقول.
تأييد متكامل
ثلاثة أهداف رئيسية وراء حدث كهذا، يُجملها حسام شهاب- رئيس منظمة وصل للسلام، في: الحماية التي تمثّل جزءًا من عمل منظمته، ومن ثم تخفف فعالية شبابستون الكبت والضغط عن الحاضرين فيها كنوع من الدعم النفسي غير المباشر، إضافة إلى استذكار القيم التي كانت شارات مسلسلات الأطفال تدعو إليها على مستوى التعاون والتشاركية ونشر السلام المجتمعي، بينما يتمثّل الهدف الثالث في إحياء الجانب الفني بمدينة تعز.
ولا يخفي حسام إعجابه بالإقبال الكبير الذي اعتبره تأييدًا متكاملًا للفعالية، حيث بيعت كافة تذاكر اليومين، وسط صعوبة كبيرة في توفير تذاكر لجميع من يرغب في الحضور.
وعن اللغط الذي أثاره البعض حول توقيت تنظيم الفعالية والآلية المتبعة، أكّد حسام الذي نظّمت مؤسستُه الفعاليةَ بالشراكة مع مؤسسة فن، أنه وفريقه اتخذ إجراءات حازمة لمنع أي تجاوزات أثناء الفعالية، واتبع سياسة موحدة بتحديد أماكن للشباب وأماكن أخرى للشابات، مضيفًا: "لكن بعض الأُسَر كانت تحضر بكافة أفرادها، وهذا مثّل تحدّيًا كبيرًا لنا، واتخذه البعض فرصة لمحاولة النيل من شبابستون، ولكيل التهم التي وصلت إلى التحريض غير المنطقي والمقبول".
وقال حسام لـ"خيوط": "ليست المرة الأولى التي ننظّم فيها حدثًا كهذا؛ فـ(وصل) منذ أن كانت مبادرة، تعمل لتنظيم فعاليات شبابية وطفولية من باب الأهمية التي تمثلها هذه الشرائح، وبسبب التجاهل الذي تتعرض له في ظل أوضاع معقدة تعيشها البلاد وتنعكس عليهم بشكل سلبي".
من الناحية الاجتماعية والنفسية، تُعتبر فعاليات مثل "شبابستون"، ضرورةً ملحة لتعزيز تواصل الشباب وبناء مجتمع متكامل، وتوفر هذه الفعاليات فرصةً حيوية للمشاركة بطاقة شبابية شغوفة؛ هذا ما يراه حمدي رسام، صحفي وطالب تمهيدي ماجستير، علم اجتماع.
ويرى رسام في حديثه لـ"خيوط"، أن المشاركة في هذه الفعاليات تقوي الروابط الاجتماعية، وتخلق شعورًا بالانتماء والتعاون، وهو أمر بالغ الأهمية في مرحلة الشباب. كما أنّ هذه الفعاليات توفر مساحة للترفيه والتسلية، ممّا يساهم في تخفيف التوتر والقلق الذي قد يواجهه الشباب بسبب تغيرات المشهد الأمني والعسكري.
وبخصوص التحريض ضد الفعاليات الشبابية، فإنّ رسامًا ينظر إليه بأنه يحمل آثارًا سلبية عميقة؛ إذ يعيق فرص الشباب في التطور الشخصي، ويمنعهم من الاستفادة من التجارب التي تعزز مهاراتهم وثقتهم بأنفسهم. كما أنّه يُعزز مشاعر الانغلاق والتهميش، ويؤثر سلبًا على الصحة النفسية للشباب، إذ يزرع في نفوسهم شعورًا بعدم القبول والضغط الاجتماعي، وهو ما يتطلب من المجتمع دعم هذه الفعاليات بدلًا من معارضتها؛ لتعزيز البيئة الاجتماعية التي تحتاجها الأجيال الجديدة.