"إذاعة الجمهورية العربية اليمنية"
فتحنا أعيننا وأنصتنا بأسماع عقولنا وقلوبنا ذلك الصباح على اسم اليمن يدوي..
فتحنا أعيننا على بداية الحلم الذي ضحى من أجله آباؤنا اليمنيون كلهم..
فتحنا أعيننا على ثورة كانت في لحظتها ضرورة قصوى، لم توجه ضد شخص، أو فئة، أو قبيلة، أو طائفة بعينها، وإن حاول البعض حرف شعاراتها لغرض في نفس يعقوب! يعقوب الذي عمل بكل ما يستطيع لوأدها، ولغياب الرؤية استطاع إلى حد كبير أن يضرب الصف الجمهوري.
كانت الثورة في لحظتها ضد أوضاع قاتلة شردت اليمنيين في أصقاع الأرض، وحولتهم إلى مهاجرين ومغتربين بنوا بلاد الآخرين، وعمروا أرضا ليست أرضهم، والسبب الأوضاع القاتلة التي عرفها القاصي والداني.
فتحنا أعيننا على القلم والدفتر..
فتحنا أعيننا على الجريدة والكتاب..
اشتعلت البلاد كلها: جزؤها الأكثر مظلومية، وجزؤها المحتل. وقاتل ابن المهرة الى جانب ابن الشمال والوسط، ولم يسأل أحد أحدًا من أي منطقة أنت؟ ولا إلى أي طائفة تنتمي.
حتى جاء أغسطس بعد انتصار اليمنيين في ملحمة السبعين يوما، فشقَت البلاد "مطلع ومنزل"، "زيدي وشافعي"، كان للسعودية عبر أدواتها من الشحاتين الدور الأكبر في ضرب كل شيء.
وبرغم كل شيء، فقد مُلئت البلاد بالمدارس، والتحق آلاف الطلاب بالتعليم المجاني في مدارسهم حتى لمن في قلوبهم مرض، ويشتمون ويعزرون بالثورة الآن.
مع كل الضربات وتواليها، لم تهن الثورة والجمهورية، لكن البلاد أرهقت بنتائج وآثار أغسطس 68، وهزيمة 67، وتصفية الحساب دمويًّا بين الرفاق!
لم تسأل أي مدرسة أي كان: من أين أنت؟ ولا إلى أي طائفة تنتمي، ومهر تجار شارع 26 سبتمبر بتعز توقيعاتهم على الضمانات، لم يسألوا أصحابها من أنتم وإلى أي منطقة تنتمون، وكانت عدن ملجأ لكل يمني هرب من الظلم والطغيان، واحتضنت صنعاء كل اليمن لأنها عاصمة اليمن.
كان هناك من يريد أن يصنعن اليمن، وكانت الغالبية تعمل على يمننة المدن اليمنية كلها، ليدخل المال السعودي ومرضى النفوس إلى جيوب الشحاتين من كل شاكلة ولون بعد المصالحة المشئومة. وعندما تولوا وأزاحوا قوى سبتمبر، كانت الملفات ترمى في وجوه أبناء مناطق الوسط عندما يذهبون للالتحاق بالكليات العسكرية وكلية الشرطة! وتحولت مقاعد جامعة صنعاء نِسَبًا لوزارة الدفاع والمشائخ والأجهزة الأمنية!
الجيش اليمني الذي كان إلى ما قبل أغسطس المشئوم مؤسسة وطنية حقيقية ضربت بأموال اللجنة الخاصة عبر العناصر التي ادعت الثورية، وفي نفسها ظل المرض الطائفي يعشعش ويعيش، حتى إذا أتت الفرصة انقضوا على كل ما هو جمهوري.
وبالمقابل ظل الزخم الثوري في أوجه. لا تدري ماذا حصل في السنوات اللاحقة، خاصة بعد نجاح ثورة أكتوبر في جنوب البلاد والتي كان منطلقها الشمال، وجرت في النهر مياه نظيفة وآسنة، لم ينتبه الثوار الحقيقيون لتنقيتها، لسبب مهم هو أن منهم من يعود إلى البيت وأكثرهم سكن القبور!
مع كل الضربات وتواليها، لم تهن الثورة والجمهورية، لكن البلاد أرهقت بنتائج وآثار أغسطس 68، وهزيمة 67، وتصفية الحساب دمويًّا بين الرفاق!
وتحت الرماد ظلت النار بهدوء تشعل الأرض من باطنها حتى تسيّد الفساد فقتل كل شيء، وانهزم المثقف واستسلم تحت ضربات المال وأجهزة الأمن ومال اللجنة الخاصة ومن في قلوبهم مرض.
السؤال الآن ونحن نعيش نهاية العام الـ59 لثورة 26 سبتمبر وندلف إلى العام الستين، وبعد أن ضربت الوحدة في مقتل في حرب 94، يكون:
هل حققت الثورة أهدافها؟ وإن لم، فلماذا؟ وإن حققت بعضها، فكيف؟ ولماذا؟
ولماذا انتصر الإجهاض؟
الثورة فعل إنساني وليس من فعل الملائكة، وترافق الثورات أخطاء، لكن الثوار الذين يسيدون العقل والرؤية والمشروع. يراجعون، ويتراجعون، ربما خطوة، ويقفزون بحساب خطوات.
من هو المخول بالمراجعة والتقييم؟
نحن بحاجة للإجابة عن الأسئلة؟