صعقة جديدة ألهبت انفعال الوسط الحقوقي والعام في اليمن، على خلفية أحكام الإعدام والسجن التي أصدرتها محكمة تابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، يوم 22 فبراير/ شباط الماضي، بحق 13 متهمًا سياسيًّا، أثارت زوبعة من الجدل حول مشروعيتها القانونية وتداخل التأثير السياسي على سلطة العدالة في البلاد.
أما التهمة التي حوكم بها المتهمون الثلاثة عشر، فكانت "التخابر مع العدو"، وهو الاصطلاح السياسي والإعلامي ذاته الذي تستخدمه السلطة في صنعاء في نعت "خصومها" على الجانب المقابل ممثلًا بالحكومة المعترف بها دوليًّا، والتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، لكن النعت السياسي هذه المرة أخذ شكلًا قانونيًّا، حاملًا معه دلالته اللدودة إلى ميدان العدالة الفارغة إلا من اسمها، كما يقول المتبرمون من الحكم.
الحكم المثير للجدل، جاء عن المحكمة الجزائية المتخصصة، بصنعاء _خاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)_ برئاسة القاضي محمد مفلح، في القضية المُسماة بـ"خلية صنعاء الأمنية"؛ قضى بالإعدام تعزيرًا بحق ثلاثة من المتهمين، بمن فيهم فهد عبدالله السلامي، الذي سبق أن صدرَ حكمٌ بالإفراج عنه، في يونيو/ تموز الماضي (2021)، قبل أن تعود الجزائية المتخصصة، وتحكم عليه بالإعدام، إلى جانب صادق محمد المجيدي، وخالد أحمد العلفي، الذين شملهم حكم الإعدام تعزيرًا.
كما قضى الحكم بسجن أحمد عبدالله القطاع _الذي تنسب إليه تهمة قيادة "الخلية" المفترضة_ وفؤاد نعمان العواضي، ونبيل محمد السداوي، وعاصم ثابت ردمان، ثماني سنوات من تاريخ اعتقالهم، إضافة إلى الحكم بالسجن سبع سنوات من تاريخ الاعتقال بحق منصور الفقيه، وعصام محمد الزنداني، ومحمد عبدالله الجرازي، ومختار عبدالله الجبلي، ومحدني علي المحدني.
التجاذبات بين الأقطاب المتحاربة منذ نحو سبع سنوات من الصراع، ساهم في نقل العدوى إلى المحاكم الجزائية وجرَحَ في نزاهتها القانونية وأهليتها للبت في القضايا السياسية الموكل إليها الحسم فيها، بالتجرّد الذي يمليه القانون، لا الجماعة القابضة على السلطة.
وتضمن الحكم أيضًا، الإفراجَ فور النطق بالحكم، عن المتهم حبيب يحيى العديني، الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات من تاريخ الاعتقال، وهي الفترة التي استوفاها في السجن. كما نص منطوق الحكم على وضع "جميع المحكومين تحت الرقابة لمدة ثلاث سنوات، ومراعاة تأهيلهم فكريًّا وثقافيًّا وسلوكيًّا ومهنيًّا، والعمل بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة لتوفير عمل وصنعة تكسبهم لقمة عيش شريفة". في حين قيدت هيئة الدفاع الطعن بالاستئناف فيمن حُكم عليهم بالإعدام تعزيرًا، إلى جانب احتفاظها بحقها في الطعن قبل الآخرين بعد الرجوع إليهم.
عدالة مريبة
"مبدئيًّا، لا شك أن نفي الصبغة السياسية عن هذه الأحكام يعد من قبيل المغالطات، خصوصًا في قضايا من هذا النوع"، كما يفيد المحامي والقانوني حسان الأهدل لـ"خيوط". يستدرك: "في المقابل لا يمكنني الجزم بذلك، نظرًا لعدم إحاطتي الكاملة بالتفاصيل التي مرت بها القضية. غير أني من واقع كوني رجلَ قانون، وقياسًا على أحكام مشابهة صدرت خلال فترات متفاوتة تجعلني لا أطمئن في العادة إلى الأحكام ذات المنزع السياسي".
الاستقطاب السياسي، والتنافر بين أطراف الصراع، بحسب الأهدل، أجّج الدوافع لاستخدام القضاء أداةً لتصفية الحسابات، تحت غطاء قانوني، بصرف النظر عن أيِّ الطرفين يعد أكثر ميلًا إلى اقتراف هذه التجاوزات من نظيره الآخر، ولا سيما أن القضايا السابقة التي انتهت بأحكام إعدام، كان يكتنفها كثير من الإشكالات والمآخذ القانونية.
ويعتقد الأهدل، أن نسبة من القضايا السياسية يجرى إلباسها جبة القانون عبر المحاكمات الصورية، لدرء الاتهامات بكونها خاضعة لهوى في نفس السلطة، وتبيض صفحتها من أي تبعات قد تطال الفاعلين على المدى البعيد.
عصا تهش بها السلطة
أكثر من علامة استفهام وطَّدَت الشكوك حول المقاصد غير البريئة في ما تضمنه الحكم؛ كانت حول عودة محاكمة أحد المتهمين، وهو فهد عبدالله السلامي، والحكم عليه بالإعدام، بعد نحو عشرة أشهر من صدور حكم بالإفراج عنه، إلى جانب محاكمة متهم آخر كان قد تقرر الإفراج عنه بموجب صفقة تبادل.
عائلات المحكوم عليهم بالإعدام، كانت حالتها مأساوية بتلقي النبأ، عقب إعلان الحكم الذي انتهت إليه الجزائية المتخصصة، في الوقت الذي كانت تترقب الإفراج عنهم، كما الحال مع عائلة السلامي؛ "وقع الخبر علينا كالقذيفة، والدتي لم تستطع أن تتحمل الموقف، انهارت في الحال، وتأزمت حالتها الصحية، ولك أن تتخيل أنني إلى اللحظة ما أزال برفقتها في المستشفى، كان الأمل في إطلاقه سراحه يمد عزمها بالثبات كل هذا الوقت؛ طوال سنوات كانت تحاول أن تتجالد وتتحلى بالصبر، حتى جاءت اللحظة التي اغتالت ذلك الأمل في نفسها"، يروي شقيقه عادل السلامي لـ"خيوط".
لا يخفي السلامي استغرابه من تراجع المحكمة عن حكم الإفراج الصادر صيف العام الماضي، عن شقيقه المعتقل منذ خمس سنوات، "الأمر غريب فعلًا، أن تلغي الحكم السابق، وتعود لتحكم عليه بالإعدام تعزيرًا! هذا إن دل على شيء، إنما يدل على تلوث القضاء وتحويله إلى عصا تهش بها السلطة المهيمنة على من لا تطمئن لولائهم لها"، حد قوله.
إجراءات تفتقر إلى النزاهة
تأتي الأحكام التي صدرت مؤخرًا، تعاقبًا لمتوالية من الأحكام المشكوك في نزاهتها وانسجامها مع القانون اليمني، لاعتبارات تتعلق بالتأثر بالمناخ السياسي القائم في اليمن على مرتكز من التجاذبات بين الأقطاب المتحاربة منذ نحو سبع سنوات من الصراع، وما واكبَها من تحولات في خارطة النفوذ الجغرافي والسياسي لكل طرف، الأمر الذي ساهم في نقل العدوى إلى المحاكم الجزائية وجرَحَ في نزاهتها القانونية وأهليّتها للبت في القضايا السياسية الموكل إليها الحسم فيها، بالتجرّد الذي يمليه القانون، لا الجماعة القابضة على السلطة.
وكانت منظمة "مواطنة لحقوق الإنسان"، نشرت دراسة مفصلة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، خلُصت نتائجها إلى التأكيد على حقيقة استخدام الأطراف المتحاربة للقضاء المتمثّل بالمحاكم الجزائية كـ"أداة للتنكيل بالخصوم ومعاقبة المناوئين السياسيين"، ذلك أن الأحكام ذات البعد السياسي _التي وقفت عليها الدراسة_ وجدت أنها اعتمدت في تخريجاتها على "محاضر جمع الاستدلالات، وأن جميع الأحكام قد صدرت اعتمادًا على تلك المحاضر التي تنحصر غالبًا في اعترافات المُتهمين أمام الجهات الأمنية وأمام النيابة الجزائية الخاضعة لسلطات أطراف النزاع، دون استقصاء جادّ في مدى حقيقتها أو في حقيقة ثبوت الوقائع"، فضلًا عن إفصاح بعض المتهمين عن اعترافات انتُزعت منهم بالإكراه، أو تحت التعذيب الجسدي والنفسي خلال فترة الاحتجاز، وهو ما يشكك في قيمتها القانونية كأدلة للإثبات، وفقًا للقانون.
مآخذ من هذا القبيل أحاطت بأحكام الإعدام والسجن التي صدرت مؤخرًا من الجزائية المتخصصة بصنعاء، سيما أن أغلب أحكام الإعدام بحق معتقلين سياسيين الصادرة عنها _إن لم تكن جميعها_ خلال السنوات الأربع الماضية، ارتكزت _أو تضمنت_ على تهمة "التخابر مع العدو"، وهي تهمة يعتبرها بعض الحقوقيين فضفاضة وتحمل ما يكفي من الريبة، في ظل حالة الاستقطاب المستفحلة، لتسويغ الانتقام السياسي بأداة القانون.