أمجد.. شتات الداخل والخارج

عن السعودة التي استهدفت اليمني في رزقه
خيوط
July 13, 2022

أمجد.. شتات الداخل والخارج

عن السعودة التي استهدفت اليمني في رزقه
خيوط
July 13, 2022

وُلد أمجد لأبوين يمنيين يقيمان في العاصمة السعودية، في العام ١٩٩٢. كان والده المغترب يعمل لدى إحدى محلات بيع قطع غيار السيارات، وكان أمجد الذكر الوحيد لوالده بعد ابنتين.

نشأ الطفل وترعرع في شوارع وحواري مدينة الرياض، كان والده يبذل قصارى جهده لتوفير عيش كريم له ولإخوته، وكان كل شيء على ما يرام. وتقوم الأسرة بزيارات سنوية أو كل سنتين لزيارة الأهل والأقارب في مديرية وادي العين وحورة بمحافظة حضرموت. 

احتفظ أمجد ببعض كلمات من لكنته اليمنية التي كانت الرابط الوحيد بالوطن، ولم يدُر بخلده يومًا أنّ التجربة التي مر بها والده في ثمانينيات القرن الماضي بالهجرة القسرية من المناطق الجنوبية أبان حكم الحزب الاشتراكي بحثًا الرزق، ستكون تجربته هو شخصيًّا، ولكن بهجرة عكسية من أرض الاغتراب إلى أرض الوطن المكلوم. 

تخوض السعودية حربًا في اليمن منذ قرابة ثماني سنوات، حربًا قضت على الأخضر واليابس وأحالت البلد إلى أكبر أزمة إنسانية، بحسب بيانات وتقارير منظمات الأمم المتحدة، وما زال المدنيّون يدفعون ثمنها من قوت يومهم ورزق أولادهم. 

في العام 2017، أصدرت السعودية حزمة قرارات داخلية تتعلق بسوق العمل والعمالة الوافدة. قرارات -وإن كانت ذات شأن داخلي- مست بشكل مباشر المغتربين اليمنيين وأصابت استقرارهم المعيشي في مقتل، ضرائب تصاعدية فرضت على كل مقيم يمني ومرافقيه، كان أمجد أحد أولئك الضحايا الذين سقطوا في أولى ساعات الجانب الآخر من الحرب على اليمن. 

فالضرائب الباهظة لن يقوى على دفعها والد أمجد لأسرة من تسعة أفراد، وبدلًا من أن يعود أمجد (25 سنة) من إحدى دول آسيا بعد استكماله لمساق البكالوريوس في مجال "الآي تي" وأنظمة المراقبة، للتدريب والعمل في سوق العمل السعودية، يفاجأ بقرار والده إسنادَ مهمة إخوته وأخواته بالعودة إلى اليمن.

في العام 2020، فقد والد أمجد عمله بسبب إجراءات الحكومة السعودية، فيما أصبح أمجد وإخوته يعتمدون فقط على ما ترسله شقيقته الكبرى، وإن لم يكن بشكل شهري وأقل قدرًا مما كان يرسله والده. كل ذلك كان له انعكاسات سلبية على حياتهم.

هجرة قسرية عكسية هذه المرة من أرض الاغتراب إلى وطن تمزقه الحرب وتعصف به أزمة اقتصادية ومعيشية ووضع أمني متدهور كانت من نصيب هذا الجيل من أولاد المغتربين والمغتربين أنفسهم. لملم أمجد بعضه المتلاشي من جراء الصدمة، وهو يعي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، بضعة شهور ليغادر في منتصف العام 2018. 

يقول أمجد: "عدت إلى مدينة المكلا عاصمة المحافظة، ومكثت لدى أقارب لي، كنت قد كلفت بالبحث عن شقة إيجار بسعر مناسب، لكن صدمت من حجم الإيجارات المرتفعة، فالمقرر الشهري من والدي محدود جدًّا بل إنه كان حينها مهددًا بسعودة المهنة التي يعمل فيها".

مع بداية العام 2019، استقبل أمجد إخوته وأخواته في منفذ الوديعة بمديرية العبر محافظة حضرموت، والذين غادروا المملكة كخروج نهائي. كانت لحظات كمن يفصل طفلًا عن أمه، قُصَّر صغار لا تربطهم بالوطن إلا جوازات سفرهم اليمنية.

يتابع أمجد: "وصلنا لوطن قد تغير فيه كل شيء؛ طرقات مهترئة، كهرباء غير مستقرة، ومياه غير مستمرة، عن آخر زيارة كانت لنا في العام 2012. بحثت عن فرصة عمل في مجال تخصصي وكانت الرواتب منخفضة. في بداية الأمر رفضت عدة فرص بسبب أني كنت أقارن بين ما يمكن أن أتقاضاه لو عملت في السعودية وبين ما سأتقاضاه هنا. كان الفارق يصل للضعف بل وأكثر".

كانوا أشبه بالنازحين، لا مغتربين عائدين. وضع نفسي سيئ عاشته أسرة أمجد، مريم وسارة يدرسان بالمرحلة الأساسية ولعدم اكتمال إجراءات تعميد شهاداتهما الدراسية لدى السفارة ومكتب الخارجية كان شبح الرسوب يتهددهما. كان أمجد مع كل عائق أو أزمة في التعايش مع الوضع الجديد الذي فرض عليهم جبرًا، يصاب بنوبة نفسية.

يقول: "كنت مرارًا أنزوي في غرفة وأغلق على نفسي الباب وأبكي بشدة، حتى إنني بكيت في إحدى المرات داخل الحمام. عندما لا نستطيع دفع فاتورة الكهرباء المتراكمة لأشهر، نصبح أنا وإخوتي في الظلام الدامس والحر ينهش أجسادنا، إذ توقف المبلغ الذي يرسله والدي وأصبح اعتمادنا بشكل رئيسي على ما ترسله شقيقتي الكبرى والتي تعمل في أحد صالونات التجميل بالسعودية".

في العام 2020، فقدَ والد أمجد عمله بسبب إجراءات الحكومة السعودية، فيما أصبح أمجد وإخوته يعتمدون فقط على ما ترسله شقيقته الكبرى، وإن لم يكن بشكل شهري وأقل قدرًا مما كان يرسله والده. كلُّ ذلك كان له انعكاسات سلبية على حياتهم. 

سعيد ذو الـ17 عامًا، شقيق أمجد، خسر أكثر من 15 كيلو من وزنه بسبب سوء التغذية وحالة التقشف التي فرضتها الظروف على أمجد، في محاولة منه لتقنين المصاريف. بات سعيد ذو الخدود المتوردة شاحبَ الوجه وكثير الأمراض بين حمى وإنفلونزا، حتى إن مستواه الدراسي تراجع. 

اضطر أمجد للعمل بمرتب لا يتجاوز 200 ريال سعودي ليسد الفجوة في المصاريف بقدر الإمكان. يقول إنّ مصروفه اليومي أيام طفولته كان يتجاوز شهريًّا هذا الرقم، لكن الظروف فرضت عليه ذلك، فالخيارات محدودة في بلد تنهشه الصراعات، وتمزقه أشلاء حربٌ عبثية، السعودية طرفٌ رئيسيّ فيها. 

تقف الحكومة المعترف بها دوليًّا عاجزةً عن إيجاد حلولٍ لأوضاع العمالة اليمنية أو وضع معالجات للعائدين قسرًا منهم. كان بالإمكان إحداث ضغطٍ دبلوماسيّ يلزم الحكومة السعودية بوضع استثناءات للعمالة والمقيمين اليمنيّين وهي التي تخوض حربًا على أرضهم منذ سنوات، ولا يبدو أنّ هناك في الأفق ما يلوح بإنهاء هذه الحرب التي قضت على الحدود الدنيا من العيش لليمنيين بالداخل. 

أمجد وإخوته نموذجٌ واحد لآلاف الأسر التي تم ترحيلها قسرًا من السعودية دون مراعاة لوضعهم ووضع بلدهم وظروفه الاقتصادية، حتى إن تلك الدول المجاورة لدولٍ تشهد حروبًا أو صراعات داخلية كانت تقدم خدمات إنسانية أفضل بكثير مما تقدمه الحكومة السعودية لليمن المجاور. 

ليظل ملف العائدين قسرًا دون حلول أو معالجات، ودون تحرك دبلوماسي لإيقاف عمليات الترحيل القسري المباشر وغير المباشر الذي يطال اليمنيين، والذي ينعكس على الجانب الاقتصادي المنهار أصلًا في بلد ما زال سعير الحرب يُسمع في كل ركن وزاوية بيت أو عشة أو خيمة يسكنه أو يسكنها مواطن يمني.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English