في الـ17 من يوليو/ تموز الجاري، تفاجأ طلاب كلية الإعلام- جامعة صنعاء، بقرار فصل الجنسين في المقاعد الدراسية وتخصيص ثلاثة أيام دراسية للطالبات وثلاثة للطلاب. لقي هذا القرار سخط الطلاب والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي باعتباره قرار فصل عنصري بين الجنسين ولا مبرر له وإساءة واضحة للصرح التعليمي ومن فيه، وفي وقتٍ لاحق صرح عميد كلية الإعلام لإحدى الصحف التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) معقبًا على القرار أنه ليس سوى خطوة يعتقد أنّها مهمة من أجل مواجهة الحرب الناعمة، وهو السبب ذاته التي تطلقه الجماعة لتبرر أي تدخل ينتهك الحياة العامة والشخصية للنساء، فيما تقول أنباء إنّ بقية كليات جامعة صنعاء ستسير في ذات الاتجاه.
الغريب في الأمر أنّ القرار صادر عمّا يسمى (ملتقى الطالب الجامعي) الذي أصبحت له صلاحيات كبيرة، تسنح له التدخل في أمور كثيرة لا تخضع لتخصصه، في مخالفة للقوانين واللوائح الجامعية.
سوابق الخنق
كانت قد أقدمت جماعة أنصار الله (الحوثيين) بواسطة ما يسمى (نادي الخريجين) على التدخل في حفلات التخرج لطلبة الجامعات، بفرض بعض الإملاءات والشروط التي فيها انتهاك لكرامتهم وحقوقهم، ومن ثم فرض الفصل العنصري بين الجنسين في حفلات التخرج، والتدخل في لبس الخريجات وأشكالهن، قرارات تماهت تمامًا مع توجهات السلطة الحاكمة في صنعاء، التي ترى أنها تواجه حربًا ناعمة، وبالتالي فإنه يقع على عاتقها ترسيخ الثقافة الإيمانية عبر فرض تدخلاتها في الحريات الشخصية والحياة العامة للناس.
في سياق متصل، وبالتحديد قبل نحو عامين، وقف بعض مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) في أماكن متفرقة من شارع هائل وسط العاصمة صنعاء، في مهمة لمراقبة النساء المارات في الشارع، حيث يتم إيقاف النساء اللواتي يرتدين بالطوهات برباط قماشي على الخصر، يصادرون الأربطة من المحلات وينتزعونها من خصور الفتيات؛ حادثة وقعت بعد أيام من إصدار تعميمٍ إلى محلات الخياطة بعدم بيع تلك الأحزمة، على إثر ذلك قاموا بإحراق ما تم مصادرته من أحزمه وسط الشارع محتفين بالإنجاز الذي حققوه.
بالتزامن مع ذلك، كانت هناك حملات واسعة في بعض أحياء صنعاء تستهدف محلات الحلاقة، تملي على العاملين بها طريقة الحلاقات التي يجب أن يقوم بها الحلاقون، وفي حالات أخرى كان يتم إيقاف بعض الشباب في الشوارع على خلفية حلاقاتهم، من ثم يقوم المسلحون بتعديل الحلاقات وفقًا لما يظنونه غير منافٍ للهوية الإيمانية!
وفي كل مرة تفشل السلطة الحاكمة بصنعاء في إدارة الدولة، أو مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تكثف من حملاتها التي تستهدف الحريات الشخصية والعامة للمواطن، لا سيما ضد النساء الفئة الأكثر تعرضًا لهذه الحملات، إذ ترى الجماعة الحوثية أنّ تدخلها في الحريات الشخصية والحياة العامة يعدّ عملًا إيمانيًّا يساهم في حماية المجتمع.
تعرضت للإيقاف والاستجواب من قبل بعض مسلحي إحدى حدائق صنعاء وأنا بصحبة زوجي، إذ طلب المسلحون بطائقنا الشخصية وعقد الزواج، في حين أنّ العقد لم يكن معنا آنذاك، ما جعل المسلحون يأخذوننا كل منا لجهة والتحقيق مع كل واحد على حدة".
تضييق فج
تقول حنان محمد لـ"خيوط":" تعرضت للإيقاف والاستجواب من قبل مسلحي في إحدى حدائق صنعاء وأنا بصحبة زوجي، إذ طلب المسلحون بطائقنا الشخصية وعقد الزواج، في حين أن العقد لم يكن معنا آنذاك، ما جعل المسلحين يأخذوننا كل منا لجهة والتحقيق مع كل واحد على حدة"، وتضيف وتقول: "شعرت بالرعب من همجية المسلحين، ومن أسئلتهم واستفساراتهم الغريبة، ومن سوء معاملتهم لنا، وبعد نصف ساعة تقريبًا من التحقيقات والاستجوابات الغريبة، والمشككة في أخلاقنا ونوايانا، وصحة ردودنا، تم طردنا من الحديقة؛ من وقتها أقسمت ألّا أخرج مرةً أخرى إلى أي حديقة أبدًا".
لا يتوقف الأمر عند الحدائق والمنتزهات، بل وصل الأمر بالسلطات في صنعاء إلى إصدار تعليمات إلى كافة المطاعم بمنع عمل النساء بها في سنة 2018، بالإضافة إلى إزالة الحواجز التي كانت تغطي طاولات الطعام في قسم العوائل والاكتفاء بقطع قماشية قصيرة لا تكاد تغطي شيئًا، والتحقق من علاقة الأشخاص الذين يرتادون المطاعم بصحبة النساء وإثبات علاقاتهم بهن، وهو ما فتح بابًا آخر للاستغلال الذي يتم في تلك الأماكن.
من جهةٍ أخرى، أغلقت السلطة بصنعاء، معظم المقاهي والكافيهات والنوادي وأماكن تجمع الشباب من الجنسين تحت ذريعة القضاء على الفساد والحرب الناعمة، ومنع الاختلاط، بالإضافة إلى مضايقة طلاب الجامعات لذات السبب، ومنعهم من العمل مع الطالبات في مشاريع التخرج أو الجلوس معهن.
في ذات الصدد، كثفت جماعة أنصار الله (الحوثيين) حملاتها ضد النساء، حيث كانت سنة 2021، ذروة هذه المضايقات، خاصة بحق النسوة اللواتي يشغلن مناصب عامة في الجامعات والقطاعات الخاصة أو العاملات في المنظمات والجمعيات، ومنعت سفرهن عبر مطار صنعاء والمنافذ البرية الأخرى إلا بوجود (مَحْرم)، منفذة بالتوازي مع ذلك حملات دعائية للدفاع عن الحجاب والنيل ممن لا ترتديه وعلى العاملات في المنظمات والأماكن العامة، والتحريض عليهن.
إعادة إنتاج نظام تقليدي
يرى عبدالباقي شمسان، أستاذ علم النفس السياسي في جامعة صنعاء، أنّ ما تقوم به سلطات الحوثيين من مضايقات للحريات العامة والشخصية يأتي ضمن توجّهها إلى إعادة النظام الاجتماعي التقليدي الذي كان قد انتهى بعد قيام ثورة 26 سبتمبر/ أيلول سنة 1962، بغرض تقسيم المجتمع إلى فئات تراتبية قائمة على التمييز، كما يرى أنّ الجماعة تسعى إلى الهيمنة على المجتمع بشكلٍ كامل، ومن أجل سيطرتها الكاملة عليه تسعى إلى إعادة هذا النظام القائم على اللامساواة والتمييز، ويشير شمسان في حديث لـ"خيوط" إلى أنّ الجماعة ترى نفسها صاحبة الحق الإلهي في الحكم، وأنّ لديها تفويضًا في ذلك، وهذا ما يتيح لها التدخل في كافة الأمور دون اعتراض، ويؤكد على أنّ التدخلات التي تحدث في هذا الشأن بين طلاب المدارس والنشء، وفي الكتاب المدرسي والخطاب الإعلامي، هي أهم الخطوات التي تؤسس لهذا المشروع، والتي قد يكون لها تأثيرات سلبية على مدى السنوات القادمة.
وعن السلفية الأخرى
لا يختلف الوضع كثيرًا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا عن الوضع في أماكن سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)؛ إذ إنّ هناك جماعات وأفرادًا تنتمي لتيارات دينية وقبَلية متشددة، وأحيانًا تنتمي للسلطة هناك، تتبنى خطاب التحريض وانتهاك خصوصيات الناس والحريات العامة، فيما توفر لهم الأجهزة الغطاء عبر تسترها والتعاون في ضبطها رغم وصول الضرر إلى فئات كثيرة من فئات المجتمع، لا سيما في تعز، بعد أن استغل أحد مشايخ الدين هناك مكانه ومنبر المسجد للتحريض على الحريات الشخصية والعامة ومظاهر الناس والحياة.
كيف تشرعن السلطات لهذه الممارسات؟
أثناء خروج سعيد القدسي مع زوجته من منزله في صنعاء، سمع شخصًا يناديه بطريقة همجية، ويقول له: "غطيها"، قاصدًا بذلك تنقيب زوجته غير المنقبة، اندلع على إثر ذلك اشتباك كلامي بينهم. يقول القدسي في حديث لـ"خيوط"، أن ذلك التصرف أغضبه كثيرًا؛ كون الشخص تدخل في شيء لا يعنيه، بالإضافة إلى أنه هدده بالاعتداء عليه وعلى زوجته في حال لم تتنقب، كادت المشكلة حينها أن تكبر لولا تدخل الناس، ومن جهة أخرى تردد في الإبلاغ عنه أو رفع دعوى عليه، بسبب ميل السلطات لذات التوجه، وخوفه من تعرضه لإساءات أخرى من قبل الجهات الأمنية.
مؤخرًا، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي والشوارع وحتى منابر المساجد منبرًا للنيل من خصوصيات الناس والتحريض ضدها لأسباب تتعلق بالحريات الشخصية، لا سيما المتعلقة بالنساء ولبسهن وشكلهن، في دعوات تتخذ قالبًا دينيًّا ومنحى قبَليًّا في معظم الأحيان.
في هذا السياق، يقول شمسان: "لا يمكن لأي مشروع أن ينجح إن لم تكن هناك بيئة حاضنة له من قبل المجتمع؛ أي بمعنى آخر نشر الأفكار والمعتقدات التي يريدها وجعل المجتمع يتبناها، الأمر الذي يسهل للسلطات تدمير قيم المواطنة المتساوية، وإدخال المجتمع في صراع كبير في إطار التمييز والتدخلات القائمة على الشكل واللون والمعتقد وغيرها".
من جهة أخرى، يرى مختصون أنّ سيطرة شخصيات قبَلية وأخرى دينية على المراكز الأمنية والقضائية ولّد نوعًا من الفوضى وجعل السلطات تتبنّى خطابًا ينال من حرية الناس وخصوصياتهم، وهو التوجه الذي تسعى إليه السلطات التي خلّفتها الحرب حاليًّا وعلى المدى المنظور.
ضرورة تطبيق النصوص
يقول المحامي، عبدالحكيم الدبعي إنّ الدستور والقانون اليمني تكفل بحماية الحريات الشخصية والعامة، إذ تنص المادة (48) في الدستور اليمني على: "تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم، ويحدد القانون الحالات التي تقيد فيها حرية المواطن ولا يجوز تقييد حرية أحد إلا بحكم من مـحـكـمـة مختــصـة". ويشير الدبعي في حديثه لـ"خيوط"، إلى أنّ ظهور حالات التدخلات والمضايقات التي تنال من خصوصيات الناس من قبل أفراد أو جماعات داخل المجتمع ذاته ناتج طبيعي لتوجه سلطات الأمر الواقع، والتي اتجهت إلى ممارسات وصفها بغير القانونية في تقييد حريات وخصوصية الناس، فالقانون قد كفل ممارسة وحماية الحريات الشخصية بما فيها حرية التنقل والسفر والعمل والمساواة بين الجنسين وعدم التفرقة والتمييز، ويرى الدبعي أنّ هناك ضرورة لتطبيق القانون في هذا الشأن وعدم التساهل بهذه الحالات؛ لأنّها قد تتسبب بانتشار جرائم وانتهاكات عديدة، فضلًا عن السماح للتيارات المتشددة دينيًّا وقبَليًّا في ممارسة انتهاكات عديدة ضد المواطنين.