"جامعة صنعاء" آخر ضحايا سلطة السطو

جدل حول أراضي الحَرَم المستقطعة لمشاريع تجارية خاصة
مبارك اليوسفي
September 22, 2024

"جامعة صنعاء" آخر ضحايا سلطة السطو

جدل حول أراضي الحَرَم المستقطعة لمشاريع تجارية خاصة
مبارك اليوسفي
September 22, 2024
.

في أواخر سبتمبر/ أيلول من العام الماضي 2023، قالت وكالة الأنباء سبأ الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) أن مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى المعيّن من الجماعة، وضع حجر الأساس لمشروع مدينة صنعاء الطبية في منطقة مذبح بأمانة العاصمة، دون ذكر أي تفاصيل عن مكان المشروع، غير أن الخبر أشار إلى وجود رئيس جامعة صنعاء ووزير الصحة وآخرين، لذلك الحدث.

وكان قد كلف المشاط في وقتٍ سابق المدعوَّ عبده علي هادي -الذي ينتحل شخصية دكتور، بحسب معلومات حصلت عليها "خيوط"- بإعداد مشروع المدينة الطبية، وكشفت وثيقة مسربة صادرة من المشاط إلى رئيس الهيئة العامة للأراضي والتخطيط العمراني، بصرف مساحات واسعة من أراضي الدولة، شملت مساحة 10 آلاف "لِبنة" (ما يعادل 444.400 متر مربع) غربي كلية الطب داخل حرم جامعة صنعاء، ومنح هاديًا عقود تمليك بالأرض.

وبحسب قرار المشاط، فإنّ المشروع الذي سيطلق عليه اسم (مدينة صنعاء الطبية) داخل جامعة صنعاء، سيكون صرحًا طبيًّا وطنيًّا يساهم في تطوير القطاع الصحي، غير أنّ القرار ذاته يشير إلى وجود أكثر من 70% من المساهمين هم من القطاع الخاص، و5% لصالح جامعة صنعاء، وعلى الرغم من محاولة تبرير وزير الصحة المعين من الجماعة، طه المتوكل، تلك العملية، فإنه اعترف صراحةً بكون المشروع استثماريًّا -أي ما يعني بأنه تجاري- وليس خدميًّا تقدمه الدولة للمواطن. 

أثار هذا القرار ضجة كبيرة عند كثير من المواطنين، واعتبره ناشطون وأكاديميون إهانة للتعليم والحرم الجامعي، واعتبر المحامي هاشم شرف الدين المقرب من الجماعة، أنّ هذا القرار غير قانوني ولا دستوري، وقال في منشور مطول على صفحته في فيسبوك، إنه لا يحق لأيّ جهة، بما فيها رئيس الجمهورية، التصرف في أراضي الدولة، ويُعدّ قرار تمليك أراضٍ خاصة بجامعة صنعاء، لإنشاء شركة تجارية، باطلًا.

إضافة إلى ذلك، أشار إلى عدم اختصاص المشاط في إنشاء شركة تجارية مساهمة، واعتبر ذلك مخالفة دستورية صريحة، وأكّد شرف الدين على حقه القانوني في اللجوء إلى القانون في حال لم يتم التراجع عن ذلك القرار ومحاسبة كل المتورطين به، ودعا المحامِين إلى الانضمام إليه من أجل مقاضاة المتورطين في تلك القضية.

الدكتور عبدالله الفضلي، نقابي وعضو هيئة التدريس بجامعة صنعاء، يؤكد لـ"خيوط"، أنّها، كما هو متعارف ومتداول، أرضٌ اشترتها دولة الكويت لتبني عليها مساكن للأساتذة العرب، حيث كانت تتكفل كذلك برواتبهم.

أما بخصوص المباني (المشلحة) العظم، فهي -وفقًا للفضلي- ملك للأوقاف، مشيرًا إلى أن الجامعة دفعت أربعة مليارات ريال لشرائها، على أن تشطبها لتكون سكنًا للكادر من هيئة التدريس، لكن ليس بصيغة تمليك.

محاولة تصرف سابقة

لم تكن هذه المحاولة الأولى التي تقوم بها السلطات التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) بالتصرف في أراضي الجامعة؛ ففي ديسمبر/ كانون الأول من العام 2021، أصدرت محكمة غرب الأمانة الابتدائية قرارًا يقضي بإعادة أرض اشترتها الجامعة من ملاكها السابقين، وهو ما قابلته نقابة أعضاء هيئة التدريس برفضها؛ لعدم المشروعية حينها.

يقول الدكتور علي مهيوب العسلي، عضو الهيئة الإدارية في نقابة هيئة التدريس بجامعة صنعاء، لـ"خيوط"، إنّ ادعاء ملكية أراضي الجامعة لبعض الأشخاص المدفوعين من بعض الجهات، كانت تستخدم منذ فترة طويلة من أجل ابتزاز الجامعة وعرقلة بناء بعض المشاريع، بما فيها سكن الهيئة داخل الجامعة، وكان يتحجج أصحاب الأرض السابقون بأن المبالغ التي أخذوها تعويضًا عن الأرض لم تكن كافية.

استهداف ممنهج

عقب تعيين قيادة جديدة لجامعة صنعاء وموالية لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في بداية العام 2016، برئاسة الدكتور فوزي الصغير بأشهر، عقدت الجامعة ووزارة الأوقاف، ممثلةً بنائب الوزير، فؤاد ناجي، اجتماعًا مشتركًا؛ وذلك من أجل مناقشة مشكلة تعثُّر بناء مشروع سكن هيئة التدريس داخل الجامعة، وأقرّ الاجتماع تشكيل لجنة مشتركة لتقييم وتثمين مباني المشروع الاستثماري لترفع تقريرها النهائي في نهاية أغسطس 2016، يعقبه البت في عملية الشراء مباشرة، بالإضافة إلى تشكيل لجنة لحصر أراضي الأوقاف داخل الجامعة لترتيب إجراءات العقود والخرائط المطلوبة ومعالجة المشكلات القائمة، وفقًا لوكالة سبأ، ومن هناك كانت بداية الحكاية.

كان قد تم الاتفاق على إنشاء مشروع سكن هيئة التدريس بجامعة صنعاء في العام 2007، بين الجامعة برئاسة الدكتور صالح باصرة آنذاك، ووزير الأوقاف حينها حمود عباد؛ على أن تقوم هيئة الاستثمار التابعة للوزارة ببناء 500 وحدة سكنية بتمويل من الجمعية السكنية لهيئة التدريس، وعلى أن تقوم جامعة صنعاء بتحديد الأرض داخل حرم الجامعة؛ بحسب مقال نشره الدكتور عبدالله الفضلي على موقع النقابة. 

وفي غضون سنوات، تم إنشاء ثمانية مبانٍ سكنية هيكلية (عَظْم) ثم توقف في العام 2009؛ وذلك لأسباب متعلقة بفساد المشروع، إذ يشير العسلي إلى أن وزارة الأوقاف لم تلتزم بالمخطط التنفيذي الخاص بالمشروع، وكانت تسعى إلى استغلاله لأغراض تجارية، وذلك من خلال عمل مجموعة من المحلات التجارية باتجاه سور الجامعة، مقابل أن تتحصل على إيرادات تلك المحال لها خلال فترة سنوية، وبعدها تعود إيراداتها للجامعة، وهذا ما جعل النقابة تقف أمام هذا الاستغلال التجاري.

مضيفًا أنّ هذه المرة استطاع بعضهم، ومِن ورائهم نافذون في سلطات أنصار الله (الحوثيين)، إيصالَ الأمر إلى المحكمة، التي حكمت لصالحهم؛ وذلك بغرض الاستيلاء على أراضي الجامعة المخصصة لإنشاء بعض الكليات والمنشآت الخاصة بالجامعة في الجهة الغربية، والغرض من ذلك استخدام تلك الأراضي من أجل بناء مشاريع استثمارية وتجارية. الغريب في الأمر، أنّ جزءًا من تلك الأراضي يُحاوَل السيطرة عليها الآن تحت مبرر بناء المدينة الطبية.

تطورات المطالبة بالديون

منذ العام 2016، كثّفت وزارة الأوقاف بصنعاء من اجتماعاتها ولقاءاتها مع قيادة جامعة صنعاء؛ من أجل مناقشة كافة الإشكاليات المتعلقة بسكن هيئة التدريس. الغريب في الأمر، أن تلك الاجتماعات كانت تستخدم مسميات مختلفة للمشروع، إذ تسميه في بعض الأحيان مشروع مدينة جامعة صنعاء السكني، ومرة أخرى تسميه مشروع الأوقاف في جامعة صنعاء، غير أنّ تلك الاجتماعات كانت من أجل تسديد ما على الجامعة من ديون لوزارة الأوقاف، التي بلغت حوالي 500 مليون ريال، وهي جزء من تكاليف بناء المشروع.

وفيما بعد، تطور الأمر من المطالبة بالديون المتعثرة إلى ملكية الأرض لصالح الأوقاف، إذ نشرت وكالة سبأ خبر اجتماع وزارة الأوقاف وجامعة صنعاء في يناير 2017، الذي تم فيه الاتفاق على مقترح مقدّم من مدير مكتب الأوقاف بالأمانة، يقتضي البحث عن مموّلين لشراء المباني، وعلى أن يتم استكمال عمل العقود الخاصة بأراضي الوقف داخل الجامعة، وعلى أن تسدِّد الجامعة إيجارات الأرض طوال السنوات الماضية، ولم يتم تنفيذ شيء إلى العام 2019، إذ قدّم وزير الأوقاف، نجيب العجي، مقترَحًا في جلسة اجتماع في مجلس النواب، جمعته مع وزير التعليم العالي، حسين حازب، بأن تقوم جامعة صنعاء بشراء المباني بسعر الزمان والمكان، وأن تدفع ما عليها من إيجار للأرض المدعى ملكيتها للأوقاف.
وبحسب مصدر مقرب من رئاسة جامعة صنعاء السابقة -فضّل عدم ذكر اسمه- فإنّ ملكية الأرض الخاصة بالجامعة، جميعُها أرض حرة ولا علاقة للأوقاف بها، وأن الاتفاق المبرم بين الجامعة ووزارة الأوقاف كان من أجل تنفيذ مشروع السكن الجامعي مقابل مليار ونصف ريال يمني. ويشير المصدر في حديثه لـ"خيوط"، إلى أن الاتفاق كان مع هيئة الاستثمار التابعة لوزارة الأوقاف، باعتبار أنّ الهيئة كانت في ذلك الوقت هي المسؤولة عن تنفيذ أغلب مشاريع القطاع الحكومي، وكان القطاع الحكومي في تلك الفترات ملزمًا بالتعامل معها فقط.

في السياق ذاته، حصلت "خيوط" على وثيقة تعود إلى العام 2000، وتشير إلى أن كافة الأراضي الخاصة بجامعة صنعاء تم تعويض مالكيها السابقين، وهم من أبناء منطقة حوض مذبح.
في يناير/ كانون الثاني من العام 2021، أنشأت جماعة أنصار الله (الحوثيين) الهيئةَ العامة للأوقاف، وهو كيان موازٍ لوزارة الأوقاف، الذي بدأ نشاطًا مكثفًا للاستيلاء على الأراضي، بحجة الوقف، إذ قال رئيس المجلس السياسي مهدي المشاط في خطاب تلفزيوني، إنّ على كافة المقرات الحكومية تسليم كل ما لديها من أراضٍ زائدة إلى الهيئة، وذلك من دون وجه حق، وبعد تشكيل الهيئة بأشهر، قامت بطرد حوالي 41 أستاذًا جامعيًّا من سكن جامعة صنعاء، واستبدلتهم بآخرين، وبدأت بعدها بإجراءات تهدف إلى فصل جزء كبير من أراضي جامعة صنعاء، بما فيها مباني مشروع سكن الدكاترة، عن الجامعة.

استثمار أراضي الجامعة

في يناير/ كانون الثاني من العام 2023، أقرّت هيئة الأوقاف إنشاء جامعة الأوقاف للعلوم والتكنولوجيا، وقالت الهيئة إنها ستضمّ كليات علمية وطبية وهندسية وتطبيقية؛ وذلك تنفيذًا لمخرجات الحوار الوطني الأول للأوقاف. وفي فبراير/ شباط من العام ذاته، ناقشت الهيئة مع جامعة صنعاء إجراءات البدء في تنفيذ مشروع إنشاء جامعة الأوقاف للعلوم والتكنولوجيا داخل جامعة صنعاء، وفي الأراضي الخاصة بمشروع سكن هيئة التدريس بالجامعة، ومن المقرر أن يتم فصل تلك المساحات عن الجامعة.

وعلى الجهة الشرقية من الجامعة، وبداخل سور الجامعة عند البوابة الشرقية، بدأت الجماعة بإنشاء مبنى ضخم، يُعتقد أنه سوق تجاري، فيما تقول أخبار بأنه مقر جديد لِمَا يعرف بمؤسسة "الشهيداء"، التابعة للجماعة، منتهِكين بذلك قدسية المكان، ودون مراعاة لحرمة الجامعة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English