"توقفت بنا السيارة في جولة مأرب القريبة من جسر شيراتون، كان الشارع حينها يشهد اختناقًا غير مسبوق بسبب هطول أمطار غزيرة فجأة بالتزامن مع ازدحام الشارع بالسيارات كعادته، وما هي إلا لحظات حتى تدفقت السيول من كل اتجاهات الجولة. حوصرنا في أحد جوانب الشارع، وفيما كان رجال المرور يصرخون ويهيبون بالسائقين سرعة المرور للحد من تفاقم المشكلة، كان السيل يغمر السيارات حتى كابوتاتها. هلع الناس، وغزارة السيول، وقلق والدي الذي تعاظم خوفًا علينا، كانت هي الحالة المسيطرة على ذلك المشهد الذي لا يمكنني نسيانه"؛ تحكي ريم العبسي ما حدث معها في الثامن من أغسطس/ آب.
العبسي تتابع حديثها لـ"خيوط"، قائلة: "في الجانب الآخر من الشارع، مجموعة أشخاص يحاولون دفع باص صغير توقف وسط السيل، فيما كان أبي ينادي يا شباب يا شباب، لكن هدير المياه وأبواق السيارات، والمطر المصحوب برياح حال دون أن يسمعه أحد. ربع ساعة مضت إلى أن التفت إلينا ثلاثة شبان دفعوا السيارة إلى الأمام، وما هي إلا خطوات قصيرة حتى وقعت عجلات السيارة الأمامية في حفرة عميقة، ما اضطرهم إلى إجلائنا من السيارة حتى قدوم لنش المرور".
عشرات المواقف المشابهة تحدث مع مئات المواطنين بسبب وضع شوارع وأحياء العاصمة صنعاء، التي تشهد أمطارًا غزيرة منذ بداية أغسطس/ آب الحالي، ويُتوقع استمرارها حتى سبتمبر/ أيلول. تتوسع صنعاء بشكل متسارع، وهذا التوسع لم تواكبه خطة تمدين وإمداد بالخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والطرقات والأنفاق والجسور وشبكات الصرف الصحي، علاوة على القصور الواضح في ترميم وصيانة ما تم إنجازه في بنية المدينة المتهالكة.
تحوّل الشارع إلى مصيدة حقيقية للسيارات والدراجات النارية، إذ يجد السائق نفسه قد هبط فجأة إلى قاع حفرة، زادت السيول من تعميقها وحفرها.
بنية متهالكة
خلال الأيام القليلة الماضية، ذكر مركز الأرصاد الجوية أنّ العاصمة صنعاء شهدت أعلى نسبة أمطار في الجمهورية اليمنية، إذ بلغت الأمطار الهاطلة في 18 أغسطس/ آب خلال 24 ساعة فقط: 71.8 ملم، مع توقعات استمرارها حتى سبتمبر/ أيلول، ما أدّى إلى تدفق كبير للسيول وارتفاع منسوب المياه في الطرق الرئيسية والشوارع الفرعية والأنفاق.
محمد الصباري، يقول لـ"خيوط": "يقتصر دور أمانة العاصمة ممثلة بأذرعها المختلفة، على الظهور الدعائي، وفي أحسن الأحوال يركز على مناطق بعينها، فكم من المرات ناشدناهم بخصوص خط المطار الجديد، وبالتحديد أمام محطة غزة، لكن دون جدوى، حيث تتجمع المياه القادمة من جولة مصعب حتى تشكل بحيرة كبيرة تعجز المركبات تمامًا عن عبورها بسبب كثافة المياه المتجمعة هناك".
وبالرغم من أنّ المنطقة قريبة من السائلة فإنهم تثاقلوا طويلًا في الاستجابة والنزول الميداني لمعالجة الأضرار الناجمة عن بقاء المياه راكدة حتى تحوّلت إلى بؤرة ضخمة تأكل الأسفلت، وتلتهم المركبات العابرة؛ كما يصف الصباري.
ويتابع: "أحيانًا، سلامة التدخل هي ما نحتاجه، إذ إنّ العمل دون رؤية وفهم يكلف السلطات جهدًا وتكاليف مضاعفة، مثل هذه المشكلة التي أشرت إليها، والتي تحتاج عبّارتين لخروج المياه عبرهما للسائلة، عوضًا عن سفلتة الشارع وترميمه كل خمسة شهور".
من جهته، يتحدث أمين البدوي لـ"خيوط"، عن معاناة سكان منطقة شارع خولان- الحثيلي، إذ يقول لـ"خيوط": "شارع خولان- الحثيلي مملوء بالحفر التي تتسبّب بحوادث مفزعة، لكنه مع هطول الأمطار تحوّلَ إلى مصيدة حقيقية للسيارات والدراجات النارية، إذ يجد السائق نفسه قد هبط فجأة إلى قاع حفرة، زادت السيول من تعميقها وحفرها إلى حد أنّ بعض السيارات تعلق في هذه الحفرة فترة طويلة حتى يأتي منقذون".
حفظ الله سرور يناشد الجهات المعنية عبر "خيوط"، تكليفَ وحدة الصيانة والترميم بالنزول الميداني العاجل إلى شارع الزراعة المتجه نحو الجامعة القديمة، حيث توجد حفرة كبيرة، كان المواطنون حاولوا تعبئتها بالتراب وخلافه، لكن بدون فائدة.
الحلول الترقيعية غير مجدية، فالشوارع بحاجة إلى بناء مصدّات للحدّ من تدفق السيول المطمورة بالطين والحجارة، إضافة إلى ضرورة الصيانة والترميم الدوري.
حلول ترقيعية
شارع الأربعين بسعوان، وبالنظر إلى عمره القصير، يعدّ أحد الشوارع الحديثة التي باتت تعاني من الحفر والأخاديد نتيجة تدفق السيول الغزيرة المصحوبة بالطين والحجارة القادمة من جبل نقم، وأحياء الرئاسة وسعوان الترابية.
عدنان القدسي، صاحب ورشة حدادة، يقول لـ"خيوط": "تنازعت قوى عدة حول تسمية هذا الشارع منذ العام 2012، فقد تحول من شارع الأربعين إلى شارع إسطنبول إلى شارع المداني وعدد آخر من التسميات، التي تخضع عادة لهوية الطرف المهيمن على السلطة، لكنه مجرد شارع حين يتعلق الأمر بالحفاظ عليه وصيانته وترميمه".
يضيف القدسي: "الحلول الترقيعية غير مجدية، فالشارع بحاجة إلى بناء مصدّات للحدّ من تدفق السيول المطمورة بالطين والحجارة، إضافة إلى ضرورة الصيانة والترميم الدوري، وهو ما تتقاعس عن القيام به الجهاتُ المعنية".
حنان شجاع الدين، تشير إلى أنّ الخسائر تتضاعف ما دامت الجهات المعنية مستمرة في التعامل مع واجباتها الروتينية كرد فعل أثناء الكوارث والأزمات، وتتابع شجاع الدين حديثها لـ"خيوط"، قائلة: "ينام المعنيون حتى وقوع الكارثة، ثم يستيقظون ليتحدثوا عن جهود ونزولات ميدانية بهدف التقاط الصور وإحداث ضجة إعلامية".
وتستطرد شجاع الدين: "ليس فقط بسبب غزارة الأمطار تغرق شوارعنا، بل بسبب سوء التخطيط، وتكدس النفايات في فتحات ومصائد التصريف، إضافة إلى وجود عشرات المطبات بالغة الارتفاع التابعة لنقاط أمنية على امتداد مختلف شوارع العاصمة، التي تسبّبت في ركود المياه فترات طويلة، ومن ثم تآكُل الأسفلت".
بالرغم من كثرة الجهات المعنية، فإنها تفتقر إلى وجود رؤية جامعة، توظف تراكم الخبرات والإمكانيات لإيجاد حلول ذات بعد جذري، وليس التحرك وفق مزاجية المسؤول الأول.
وحدة المقاولة
وفيما يتعلق بجهود الجهات ذات الصلة، تحدث لـ"خيوط" مصدرٌ في الوحدة التنفيذية للصيانة والترميم، تحفّظ عن ذكر اسمه، قائلًا: "الوحدة عمومًا عملُها أشبه بعمل مقاول، إذ يتم استدعاؤها من قبل غرفة الطوارئ بأمانة العاصمة في حالات الضرورة، ومستوى إنجاز الوحدة مرتبطٌ ارتباطًا مباشرًا بالتوجيهات والدعم الذي تتلقّاه الوحدة التي لا تمتلك حق التصرف والتحرك الذاتي؛ ولذلك فهي مجرد أداة تنفيذية لا حول لها ولا قوة".
ويتابع المصدر حديثه: "قيدنا الإمكانيات غالبًا، رغم حرص معظم من في الوحدة على التخفيف من معاناة الناس والحيلولة دون وقوع أضرار فادحة في الشوارع، إذ نبذل جهودًا كبيرة، خاصة في حالات الطوارئ؛ ابتداء بتصريف المياه وردم الأماكن الرابطة وتصفية الحفر من المياه الراكدة، إلى جانب الدك حتى الوصول إلى الكثافة المطلوبة، وإعادة تأهيل واستحداث مناهل ومجاري السيول".
"جهات عدة معنية بمعالجة وإصلاح وتنظيم شوارع وأحياء العاصمة صنعاء، في مقدمتها قطاع الأشغال العامة، ومكتب الأشغال والوحدة التنفيذية، وإدارة صيانة الأنفاق ومجاري السيول، ومكاتب الزراعة والحدائق والنظافة، والدفاع المدني، والمرور وعمليات الطوارئ، لكن هذه الكثرة تفتقر إلى وجود رؤية جامعة، توظف تراكم خبرات هذه الجهات وإمكانياتها لإيجاد حلول ذات بعد جذري، وليس التحرك وفق مزاجية المسؤول الأول، والاستجابة تحت ضغط حالات الطوارئ، بمنأى عن وجود استراتيجية بعيدة المدى فيها شغل تكاملي مدروس وواضح، يتم تنفيذه بشكل حثيث طوال أيام السنة، ومراجعته مرحليًّا حتى يتبيّن مواضع الإنجاز، وتلافي القصور في حينه"؛ ينهي المصدر حديثه لـ"خيوط".
يتعامل المعنيون برسم الخطط الاستراتيجية لتشييد المدن، بخفة وسطحية مفرطة، وهذا ما يتكشف تباعًا في ظل التغيرات المناخية.
خفة وسطحية
يتحدث لـ"خيوط" المهندس عمر الشيخ، عن الأضرار الكارثية التي تتسبّب بها الأمطار الغزيرة التي تهطل في وقت قصير، على البنية التصميمية (الهشة أصلًا) لشوارع العاصمة وأحيائها وشبكة صرفها الصحي، وحتى على خزانات تجميع المياه في الضواحي، بالقول: "للأسف الشديد، يتعامل المعنيون برسم الخطط الاستراتيجية لتشييد المدن وفي مقدمتها العاصمة صنعاء، بخفة وسطحية مفرطة، وهذا ما يتكشف تباعًا في ظلّ التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، والمنطقة العربية على وجه الخصوص، والتي أدّت إلى تغير توزيع الأمطار وتغير في شدة العواصف المطرية، ومن ثم فإن إعادة النظر في تخطيط وتصميم شبكات الصرف الصحي باتت ضرورة ملحة، إضافة إلى تنظيف المجاري من الأوساخ والرمل قبل قدوم موسم الأمطار، إلى جانب إعادة النظر في فتحات التصريف القائمة، إذ يقع كثير منها في الجانب المرتفع من الشارع".
تتفاقم مشاكل طرقات وشوارع العاصمة، فيما تتحدث الجهات المعنية عن حالة استنفار في أوساطها لمواجهة هذه التحديات، لكنّ مراقبين ومختصين ومواطنين يرون أنّ كثيرًا من المشاريع المطلوبة، خاصة تلك المرتبطة بالتوسع العمراني الكبير، غير مدرجة ضمن خطط هذه الجهات المستقبلية، التي يبدو أنها لا تستوعب أيضًا مسائل التغيرات المناخية، علاوة على تقاذف مسؤولية الفشل؛ بسبب تداخل المسؤوليات أحيانًا، وبسبب التعيينات القائمة على شروط لا تمت للكفاءة والنزاهة بصلة، إلى جانب عدم تفعيل مبدأ المحاسبة والنقد في مختلف الدوائر والجهات.