تشهد مدينة صنعاء ازدحامًا مروريًّا خانقًا، يؤثّر سلبًا على حركة المرور والمشاة، إذ تغرق المدينة بالعشوائية وفوضى حركة السير ومشاكل التخطيط، إضافة إلى سيطرة الباعة الجائلين على بعض الأرصفة، فيما يمتلئ بعضها الآخر بلوحات المحال ومنتجاتهم.
وتصطف السيارات المتوقفة بشكل خاطئ على جنبات الشوارع والأحياء، علاوة على استحداثات أخرى سيطرت على أجزاء كبيرة من الشوارع في أغلب الأماكن، ممّا يعيق حركة السير، ويؤدي إلى تأخير وصول الناس إلى وجهاتهم، ويُظهر شوارع المدنية بشكلٍ عشوائي وغير حضاري.
في السياق، يشتكي محمد المسعودي، من كمية الازدحام في شارع هائل والأحياء والمناطق المجاورة، إذ يتحدّث لـ"خيوط"، بقوله: "في أوقات كثيرة، لا أستطيع الوصولَ إلى منزلي أو إيقاف سيارتي أمامه؛ ما يضطرني غالبًا إلى ركنها في أماكن بعيدة"، وذلك بسبب الازدحام وإيقاف السيارات بشكلٍ خاطئ، في مداخل الأحياء، وعدم قدرته على المرور.
ازدحام وخسائر
عند المرور من شارع هائل (غربي صنعاء)، ستعرف مدى ضيق المدينة وحجم الزحام، رغم أنّ عرض الشارع يبلغ حوالي 14 مترًا، ومخصص لمسار واحد؛ أي إنّه بإمكان خمس سيارات المرور معًا؛ إلّا أنه لم يعد باستطاعة سيارة واحدة السير إلا بعد معاناة كبيرة تنتهي بالبعض إلى التوقف أو الذهاب إلى وجهة غير وجهتهم، كما لا يختلف الأمر في مختلف مناطق وخطوط السير في المناطق الواقعة وسط المدينة.
في حين، يؤكّد المواطن أكرم محمود، لـ"خيوط"، أنّ الازدحام الذي يؤخره بشكلٍ دائم، عن الوصول إلى مقرّ عمله في إحدى المؤسسات التجارية الخاصة، يتسبّب له بالعديد من الأضرار والخسائر والخصومات، حيث يستعمل باصات الأجرة للتنقل من مكان سكنه إلى مقر عمله. في حين يتطرق مواطن آخر إلى نقطة مهمة، لاحظها عندما أصيب أحد أفراد أسرته بالمرض الشديد الذي تطلّب نقله إلى المستشفى بشكل سريع، حتى لا تتفاقم حالته الصحية الحرجة، إذ شكّل الازدحام وصعوبة الوصول بالوقت المناسب إلى أقرب مرفق صحي، بتدهور حالته بشكل كبير.
وتعتبر مدينة صنعاء من أكثر المدن اليمنية التي تعاني من حالة الازدحام المروري والاختناق بفعل الاستحداثات العشوائية في الشوارع، والاعتداءات على الأرصفة والسيطرة عليها، والاستيراد المفتوح الذي أغرق المدن بالمركبات والسيارات المستعملة، الأمر الذي حوّل العاصمة اليمنية إلى سوق كبير يشوبه الفوضى، إضافة إلى أسباب ديمغرافية، والتكاثر السكاني، والهجرة المرتفعة في اليمن من الريف إلى المدينة.
البناء العشوائي
لا يتوقف الأمر على الباعة الجائلين وملاك البسطات، والذي أصبح وجودهم بكثافة وعشوائية، يشكّل أحد أسباب الازدحام في كثير من خطوط السير، بل إنّ مسألة إيقاف السيارات في الأحياء والأرصفة، تعدّ مشكلة أخرى تعيق حركة المشاة وتوقف حركة السير في الشوارع الضيّقة ومداخل الأحياء.
لا يختلف الوضع كثيرًا في معظم الشوارع الفرعية والأحياء في أغلب مناطق صنعاء، وذلك بسبب ازدحام السيارات وتوقّفها بشكل خاطئ، والذي يتسبّب بإيقاف الدخول أو الخروج منها في منظر فيه من العشوائية ما لم ترَه.
يرى الخبير الهندسي في الأشغال العامة، مهيوب الشرعبي، لـ"خيوط"، أنّ سبب ازدحام السيارات في المناطق السكنية والأحياء متعلق بمشكلة الازدحام السكاني والتخطيط العمراني الهش.
إضافة إلى ضيق الشوارع الفرعية والتي لا تتسع في كثير من الأماكن لمرور سيارتين، فضلًا عن مخالفات البناء التي تأخذ مساحة من الأرصفة، كما أنّ كافة الوحدات السكنية تفتقر لوجود أماكن مخصصة لسيارات ومركبات الساكنين، وفي حالات نادرة يتم توفير أماكن أسفل البنايات، لا تتسع لأكثر من سيارة واحدة، وهذه مشكلة بحدّ ذاتها.
وتنص المادة (20) من قانون البناء على عدم السماح بالموافقة على أي تراخيص لأيّ بناء، سواء كان خاصًّا أو عامًّا (تجاريًّا أو سكنيًّا أو استثماريًّا)، يزيد على خمسة طوابق أو عشر شقق إلّا إذا حددت التصاميم الخاصة به مواقف للسيارات داخل حدود الأرض، على النحو المحدد في اللائحة التنفيذية.
ويعاقب من خالف ذلك بغرامة لا تزيد على 10% من قيمة الأعمال المخالفة، كما تشير المادة (9) من القانون ذاته، إلى الالتزام بأحكام قانون التخطيط الحضري المتعلق بالمناطق الخارجة عن حدود المخططات الهيكلية والتفصيلية، وهو ما يعني الالتزام بعدم استحداث أيّ أعمال خارج حدود المخططات المتعلقة بالمنطقة المعتمدة من الجهات المختصة.
ويدعو الشرعبي الجهات المختصة إلى إلزام ملاك البنايات السكنية والأماكن التجارية والمطاعم وغيرها، بضرورة توفير أماكن خاصة للسيارات، إلى جانب إنشاء أماكن عامة من قبل الجهات الحكومية لهذا الغرض، كما يرى أنّ هناك ضرورة لإعادة النظر في حالة الفوضى التي تعيشها العاصمة اليمنية صنعاء، وإيقاف البناء العشوائي والاعتداءات المتكررة على الشوارع والأرصفة.
السيطرة على الأرصفة
تستحوذ الاستحداثات التي يقوم بها ملاك المحال التجارية على الأرصفة، بصورة تضيق عملية المرور منها، في حين يتسبب التوقف الخاطئ للسيارات بمحاذاة الأرصفة بالازدحام الشديد، خصوصًا في أوقات الظهيرة، ويصبح على المارّة المرور وسط الشوارع؛ ما قد يعرضهم لحوادث السير أو "للشتم والسباب" من قبل السائقين، فيما تتعرض النساء للمضايقات أو التحرش، والسرقة في أحيان أخرى.
يرى مواطنون أنّ الأرصفة مخصصة للمشاة، ويجب عدم الاعتداء عليها من أحد أو قطعها لأيّ سبب كان، الأمر الذي يُلزم الجهات المسؤولة التعاملَ بحزم في هذا الشأن؛ من أجل الحفاظ على الحق العام، والمنظر الحضاري للمدينة.
ويعتبر المواطن مجيب السامعي، في حديث لـ"خيوط"، أنّ سيطرة ملاك المحال التجارية على الأرصفة بغرض عرض منتجاتهم أو إعلاناتهم، أكبر مشكلة يعاني منها المشاة والذين يضطرّون إلى السير وسط الشوارع، وهذا ما يتسبّب بفوضى كبيرة في حركة المرور.
الجدير بالذكر، أنّ قانون البناء في اليمن، يمنع وضع طاولات أو تخصيص أماكن في الشوارع لتشوين أو تخزين البضائع أو عمل مظلات بقصد استغلال الشارع أو جزء منه في أيّ عمل، كما أنّ الأرصفة تعتبر حقًّا عامًّا، لا يجوز الاعتداء عليها أو استغلالها لصالح أيّ أحد.
من جهة أخرى، فإنّ قانون المرور يلزم أصحاب السيارات بعدم الوقوف في الشوارع العامة أو الأماكن غير المخصصة لهم، ويعاقب من يتسبّب بإعاقة حركة السيرة، بأيّ شكل من الأشكال.