أنهى الموظف في مكتب التربية والتعليم بمدينة عدن، محمد الأهدل، الشهر الثاني على التوالي -في انتظار مرتبه الشهري- الذي بات يتأخر عن موعده المحدّد منذ قرابة عام؛ وهو الأمر الذي يزيد من متاعب محمد وغيره الموظفين الحكوميين، إذ تسبّب هذا التأخير في إلحاق الضرر بالميزانية الشهرية.
وهذا التأخير في عملية صرف مرتبات الموظفين المدنيين، مستمر منذ ما بعد أغسطس من العام 2023، على وقع القرار الذي كان أصدره وزير المالية في حكومة المناصفة المعترف بها دوليًّا، سالم بن بريك، بتحويل مرتبات موظفي السلطة المحلية والمركزية في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة المدعومة من التحالف بقيادة السعودية، إلى البنوك التجارية والإسلامية.
ومع أنّ هذا القرار قوبل برفض واسع في البداية من الموظفين الذين امتنعوا عن الحضور ونظّموا وقفات احتجاجية، فإنهم اضطروا لاحقًا إلى التعامل مع القرار واستلام مرتباتهم؛ نظرًا للحاجة، وتراجع الدعم الشعبي الرافض للقرار.
دوافع القرار
في الثاني من أغسطس من العام 2023، أصدر وزير المالية سالم بن بريك، التعميمَ رقم (6)، تضمّنَ تحويل مرتبات موظفي السلطة المركزية والمحلية عبر ستة من البنوك التجارية والإسلامية.
والتعميم الذي أُصدر حينها، أشار إلى أنّ القرار يأتي وفق ما تقتضيه المصلحة العامة وفي إطار مصفوفة الإصلاحات المالية التي تنتهجها وزارة المالية لتطبيق نظام معلومات الإدارة المالية الحكومي التقني المتكامل للوصول إلى مالية عامة تعمل بكفاءة وفاعلية وتقديم خدمات للموظفين بنوعية جيدة.
وبحسب الإفادة التي نشرتها وزارة المالية، فإنّ القرار يهدف إلى تمكين الوزارات والإدارات الحكومية من إعداد وتنفيذ منظومة السياسات والإجراءات المالية التي تعكس الأولويات الوطنية.
والبنوك الستة التي ستتولى عملية صرف مرتبات الموظفين، هي: (بنك التسليف التعاوني الزراعي، بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، بنك التضامن، بنك اليمن والبحرين الشامل، بنك القطيبي للتمويل الأصغر الإسلامي، وبنك عدن للتمويل الأصغر).
تأخير وتخبُّط
لكن محمد الأهدل، وهو معلم في إحدى مدراس منطقة الممدارة التابعة لمديرية الشيخ عثمان، قال لـ"خيوط" إنّ القرار تسبّب بمعاناة خصوصًا للمعلمين، مشيرًا إلى حدوث أخطاء في تسليم المرتبات لأشخاص آخرين، في الأيام الأولى من تنفيذ القرار، قبل تصحيح هذه الأخطاء المتعلقة بتضارب المعلومات لاحقًا.
وقال الأهدل إنّهُ اضطر إلى مشاوير عدة لمتابعة راتبه الذي تم صرفه لأحد الأشخاص في محافظة أخرى، وهي مشكلة وقع فيها كثيرٌ من الموظفين في الأشهر الأولى لصدور القرار بعد أن فُوجئوا بسحب مرتباتهم من محافظات ومناطق أخرى.
وجدّد الموظف الحكومي الذي يعمل في قطاع التعليم منذ أكثر من عشرين عامًا، تأكيده أنّ القرار تسبّب بمتاعب عديدة للموظفين والمتقاعدين، وهو الأمر الذي لم يكن يحدث خلال عملية صرف المرتبات السابقة التي كانت تتم عبر مندوبين ماليين تابعين للمدارس.
وأفاد أنّ المرتب بات يتأخر إلى نصف الشهر التالي، إضافة إلى عدم انتظام عملية الصرف؛ بسبب الازدحام وتضارب المعلومات والبيانات، واضطرار الموظفين للتنقل من مركز صرف إلى آخر للبحث عن أقل الأماكن ازدحامًا، حيث تكتظ في العادة مواقع الحوالات بالمواطنين، وهي نفسها التي يتقاضى عبرها العديدُ من موظفي القطاع الخاص مرتباتهم.
ويقول الأهدل إنّ القرار أحدث أضرارًا على الموظفين والمتقاعدين من فئة المرضى وكبار السن، بعد صدور تشديدات على ضرورة استلام الموظف للمرتب حتى في الحالات المرَضية، وهو ما عَقّد من استلام هؤلاء الموظفين مرتباتهم بعد أن كانوا يستطيعون الحصول عليها من مندوبِي الصرف السابقين، وعبر إرسال أوراقهم الرسمية مع أبنائهم.
مراكز البريد أصبحت بفعل القرار عاجزة عن دفع نفقاتها التشغيلية، إضافة إلى رواتب الموظفين؛ الأمر الذي سيدفع الكثير من العاملين فيها إلى العمالة الفائضة، وهو رقم يبدو كبيرًا إذا ما أحصيت أعدادهم في مديريات محافظة عدن والمحافظات المجاورة.
تضرر البريد
"سحب الخدمات من البريد إلى البنوك الخاصة، كان له آثارٌ كارثية على موظفي البريد بشكل خاص، وعلى مرفق البريد بشكل عام، فأغلب موظفي البريد سينتهي بهم الأمر إلى عمالة فائضة في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطنون كافة"؛ يقول لـ"خيوط"، مختار أشرف، وهو مدير مركز بريد مديرية الشيخ عثمان، الذي يُعدّ من أكبر مراكز البريد في المدينة الجنوبية التي تتخذها الحكومة المعترف بها دوليًّا، مقرًّا لها منذ مطلع العام 2015.
ويضيف أشرف، الذي التقيناه في مركز البريد الذي يُديره، بينما كان المكان شبه فارغ من الموظفين والمواطنين؛ إنه كان من الواجب أن تقوم الحكومة بإيجاد حلول بنّاءة لكافة المشكلات التي يعاني منها البريد، سواء في موضوع الشبكة أو البنية التحتية للبريد، والعمل على تطويره على أقل تقدير كي يحاكي مستوى البريد لبعض الدول المجاورة.
وهذه إشارة من المسؤول الإداري الأول للبريد على أنهم كانوا بانتظار خطوات فعلية من الجهات الحكومية لتحديث مراكز البريد وتطويرها للاستمرار بتقديم الخدمات للعملاء والموظفين، لكن وزارة المالية أصدرت قرارًا بدا داعمًا لصعود القطاع الخاص على حساب المؤسسات الحكومية.
وأفاد مدير مركز بريد الشيخ عثمان، أنّ مراكز البريد أصبحت بفعل القرار عاجزةً عن دفع نفقاتها التشغيلية، إضافة إلى رواتب الموظفين؛ الأمر الذي سيدفع الكثير من العاملين فيها إلى العمالة الفائضة، وهو رقم يبدو كبيرًا إذا ما أُحصيت أعدادهم في مديريات محافظة عدن والمحافظات المجاورة.
وأشار إلى أنّ إجراءات سحب الخدمات من البريد، قضت على مرفق البريد الحكومي وعلى تاريخه المشرق، وفي الوقت نفسه قُدّمت الإجراءات لصالح بنوك خاصة، وهو أمرٌ من المرجح أن يحمل أضرارًا على المدى البعيد للبريد والمؤسسات الحكومية.
ودعا مدير مكتب البريد في الشيخ عثمان، مسؤولي الدولة، من منطلق المسؤولية وحب هذا الوطن، أن يقدّموا الدعم والمساعدة لكل مرافق الدولة الخدمية والإيرادية مع العمل على تصحيح الأخطاء الموجودة في كل المرافق الحكومية، إن كانوا يريدون النهوض بهذا الوطن وبهذا الشعب المغلوب على أمره؛ حد وصفه.
واختتم حديثه بضرورة العمل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، سواء مرفق البريد أو غيره من المرافق الحكومية، مُجدِّدًا مناشدته المسؤولين في الجهات المختصة لإنقاذ مرافق الدولة من الخصخصة.
مستقبل غائم
مضى عامٌ كامل من قرار وزارة المالية، بخصوص تحويل مرتبات الموظفين والمتقاعدين من السلطتين المحلية والمركزية إلى البنوك التجارية والإسلامية، وحتى قبل نهاية العام الأول كان لتنفيذ القرار تبعات وآثار عكسية على الموظفين، والآن تتركز المخاوف أكثر حول مستقبل هذا القرار خلال الأعوام القادمة.
يمكن تحديد ما إذا كان القرار سيُحدِث المزيد من الآثار السلبية مستقبلًا إذا ما استمرت عمليات التأخير والتعثر في إجراءات تحويل المرتبات بشكل شهري؛ إذ سيزيد هذا من الضغوطات المادية البالغة على الأُسَر التي تتأثر بشكل مباشر، باستمرار تردّي الأوضاع الاقتصادية للبلد.
الموظف الذي يتقاضى مرتبًا لا يتجاوز المئة ألف ريال يمني، أو ينقص عنها أو يزيد طبقًا لتراوح أغلب مرتبات الموظفين والمتقاعدين المدنيين بين 100 و150 ألفًا، باستثناء موظفي المرافق الإيرادية- من المتوقع أن يتضرر بشكل مباشر باستمرار تأخر المرتب بشكل شهري، إذ يؤدّي ذلك إلى عجز كبير في الميزانية الشهرية، حيث يدفع عددٌ كبير من الموظفين الديون نتيجة تأخر المرتبات، وهي إحدى أكثر نتائج القرار الوزاري، وأكثرها ضررًا.
من الواضح أنّ الديون هي نتاجٌ متوقع للوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المواطنون منذ أكثر من ثمانية أعوام بفعل تأخر صرف المرتبات، خصوصًا منتسبي المؤسستين العسكرية والأمنية وتدنيها، إضافة إلى غلاء أسعار السلع الرئيسية، وهي مشكلات ناتجة في الأساس عن ضعف قرار الدولة في السيطرة على الموارد الاقتصادية وتسييرها لصالح ميزانية الدولة وغياب الرؤية الاقتصادية والمشروع الوطني لإصلاح الاقتصاد الوطني.
لكن قرار وزارة المالية الأخير، أحال قطاعًا كبيرًا من الموظفين والمتقاعدين المدنيين إلى قائمة المتعسرين ماديًّا، بعد أن ظلّ هؤلاء في وضع أفضل نسبيًّا من حيث استقرار صرف مرتباتهم قبل القرار الوزاري.