صافيناز خليفة مناضلة جسورة، ارتبط اسمها باسم المناضلة الفذة رضية إحسان الله في كل خطواتها. ومع ذلك، استطاعت بشجاعتها، وجرأتها النادرة إيجاد موطئ قدم لها بين أسماء بقية المناضلات في الجنوب اليمني، وأن تنحت اسمها في صفحات التاريخ ضمن أحداث مهمة كان لها شرف الخوض فيها بمعية رفيقاتها المناضلات بشكل عام، وبمعية المناضلة رضية إحسان الله بشكل خاص؛ حيث شكّلتا توْءم النضال ضد الاحتلال البريطاني، والكفاح من أجل تحسين وضع المرأة في عدن وبقية المناطق.
عاشت صافيناز خليفة حياةً ملء الأسماع والأبصار، تنتقل من منجز إلى آخر. بدأت تخوض مجال الكفاح السلمي بتغيير وضع المرأة، وتمكنيها من فرصة التعليم والعمل؛ حتى وصلت إلى العمل الشعبي الميداني.
نشأتها
وُلدت صافيناز خليفة في حي كريتر- عدن، وهي سليلة أسرة تنويرية تحررية ذات تاريخ مشرف في الكفاح ضد المحتل البريطاني، تنوعت مشارب الانتماءات السياسية فيها، ولكنها انصبت جميعها في هدف تحرير عدن من براثن الاستعمار.
كان أخوها خليفة عبدالله حسن خليفة (1931-2007)، أول من نفذ عملية فدائية في عدن 10 ديسمبر 1963، حين قام بإلقاء قنبلة في مطار عدن على الوفد البريطاني المكون من المندوب السامي، ونائبه، و35 مرافقًا جرحوا جميعًا، وقتل في العملية نائب المندوب السامي.
الحديث عن الدور النضالي لصافيناز خليفة يعود إلى فترة من زمن عدن؛ تلك التي ظلت حبيسة الاشتغال على المطالبة بتحسين أوضاع المرأة منذ سنة 1937 التي خاضها رائد التنوير محمد علي لقمان، والتي نتج عنها نجاح مطالب تعليم المرأة، والموافقة على افتتاح أول مدرسة ابتدائية حكومية في مدينة الشيخ عثمان بعدن سنة 1941 الخاصة بالبنات، وكانت شاملة لكل البنات من كل مناطق عدن، كما تم افتتاح نادي سيدات عدن- أول نادٍ للسيدات أنشأته السلطات البريطانية عام 1943، انخرطت فيه رقية محمد ناصر، ونبيهة حسن علي، وسعيدة باشراحيل، وفي وقت لاحق التحقت به رضية إحسان الله، وصافيناز، ومجموعة من نساء عدن.
كانت صافيناز أول المنخرطات في أول نادٍ للسيدات في العاصمة عدن، والذي أنشأته السلطات البريطانية آنذاك، إلا أنّ هذا النادي كانت ترأسه سيدة إنجليزية؛ فغلب على سياسة النادي الطابعَ الأوروبي دون مراعاة ثقافة المرأة العدنية؛ الأمر الذي أثار حفيظة صافيناز ورفيقاتها المناضلات؛ فطالبن السلطات البريطانية بأحقية إدارة المرأة العدنية للنادي، وتغيير سياسته بما يتماشى مع ثقافة المرأة العدنية، ومع تعنّت السلطات البريطانية، وعدم الاستجابة لمطالبهن؛ قررت كلٌّ من صافيناز خليفة، ورضية إحسان الله الانسحاب من النادي، ثم تلا ذلك انسحابات للعديد من النساء العدنيات من النادي؛ فجسّدت المرأة آنذاك أول اعتراض لقرارات السلطات البريطانية، وكانت الشرارة الأولى للمقاومة والثورة النسائية بعدها؛ حيث تم تأسيس أول نادٍ بديل عام 1956 ترأسته رقية لقمان، وفيه استطاعت المرأة التنفيس عن طموحاتها ومشاريعها بعيدًا عن استبداد المحتل وسيطرته.
مسيرة الحجاب
في عام 1959، قادت صافيناز خليفة، وشفيقة عبدالكريم، وسميرة الكاف، ومنيرة عبدالكريم، ونورا خليفة، وفوزية النعمان مسيرة بشكل جماعي في شوارع مدينة كريتر، بعد أن خلعت الحجاب. وكانت المسيرة قد انطلقت من منزل عبدالله خليفة في حافة القاضي في كريتر، واتجهت إلى مكتبَي صحيفتي الأيام، وفتاة الجزيرة، في كريتر؛ حيث أدلت بتصريح صحفي عبّرت من خلاله عن قرارها مع زميلاتها بخلع الحجاب الذي كان يمثل عائقًا أمام تطلعاتهن وطموحاتهن الاجتماعية والسياسية والثقافية.
اعتقال صافيناز خليفة
أعلنت السلطات البريطانية موعد اجتماع لتنفيذ اتفاقية الاتحاد الفيدرالي التي تقضي بضم (23) محمية إلى سلطتها في عدن، لكن قيادة المؤتمر العمالي رفضت هذا المخطط؛ فاضطرت لبيان الرفض؛ فخرج المناضلون في مسيرة كبيرة، وقامت السلطات البريطانية باعتقال قادة الثورة في الصف الأول لإخماد الثورة، أمثال: محمد سالم علي، وعبدالله الأصنج، وعبده خليل، وإدريس حنبلة، لكن هذا الاعتقال ألهب حماسة رجالات النضال في الصف الثاني، وأخذوا على عاتقهم أولى زمام المسيرة، فقامت السلطات البريطانية بنشر قواتها على مشارف الجبال، ونصبت المدافع تحسّبًا لأي شغب.
وفي يوم الـ24 من سبتمبر عام 1962، اجتمع رجال المقاومة في منزل خليفة عبدالله، بينما اجتمعت المناضلات في فندق إحسان، وكانت الخطة أن يسير الرجال في الأمام والنساء في الخلف، لكن الخطة فشلت؛ بسبب حصار القوات البريطانية، على سطح منزل خليفة؛ مما اضطر النساء إلى الخروج بمسيرة وحدهن دون الرجال، وتولي قيادة الثورة؛ فانطلقت المسيرة من "مقهى زكو"، واعترضت الشرطة البريطانية المسيرة، وحاولت أن تثنيها، وبذلك التحمت النساء في المقاومة مع رجال الشرطة البريطانية؛ فأصيبت سيدة تدعى منيرة سالم، وأُلقي القبض على المناضلة الشجاعة صافيناز خليفة بعد أن قاومت الاعتقال بصفع الجندي الإنجليزي، وغرز أظافرها في جسده؛ فأسالت دماءه؛ ومكثت المناضلة الجسورة صافيناز في معتقل المحتل البريطاني عشرة أسابيع.
التحقت صافيناز خليفة مع رضية إحسان الله وليلى الجبلي بحزب الشعب الاشتراكي، وتبوّأن مناصب في الهيئة القيادية العليا في هذا الحزب، والمكونة من 18 عضوًا، كما شاركت صافيناز الوفد النسائي الزائر لشمال اليمن للمباركة بانتصار ثورة 26 سبتمبر 1962.
أدوارها النضالية والحزبية
في تاريخ الـ27 من ديسمبر 1963، نفذت النساء المناضلات اعتصامًا في مسجد العسقلاني بعد اعتقال المناضلة رضية إحسان من قبل قوات الاحتلال بتهمة التخطيط والتحريض على الفوضى وخرق النظام؛ وذلك على خلفية دعوة المناضلة رضية إحسان إلى انعقاد مؤتمر بشأن الاعتصام؛ للضغط على الحكومة للإفراج عن المعتقلين المتورطين في حادثة تفجير المطار، وقد استعصى على قوات الاحتلال البريطاني إفشال الاعتصام لتنفيذه في دور عبادة؛ ولم تجرؤ القوات البريطانية على اقتحام المسجد واعتقال النساء؛ الأمر الذي جعل هذا الحدث مدعاة لمراقبة وتأييد بعض الدول، حيث نشرت صحيفة (الأهرام) المصرية خبرًا عن هذا الاعتصام، وأعلنت إذاعة (صوت العرب) تأييدها لهذا الاعتصام.
كان دور المناضلة صافيناز خليفة فاعلًا في الاعتصام في حل المشكلة، وإبراز القضية الوطنية في الجنوب اليمني؛ حيث كانت أحد الأعضاء في اللجنة الأهلية المشكّلة لزيارة المعتصِمات، كما رافقت الوفد البريطاني لحزب العمال المعارض الذي قام بزيارة المعتصمات.
لقد كان بروز دور صافيناز النضالي تحديدًا، بعد اعتقال السلطات البريطانية لرضية إحسان الله.
رفضت الحكومة البريطانية السماح للجنة الفرعية المنبثقة عن اللجنة الخاصة بمنح وإعلان الاستقلال للبلدان المستعمرة بدخول عدن؛ وذلك لهدف دراسة الأوضاع السياسية فيها؛ ما اضطر الزعماء السياسيّين إلى تشكيل العديد من الوفود الأهلية من أبناء عدن المقيمين في بعض الأقطار العربية؛ للالتقاء بهذه اللجنة في العواصم العربية المختارة لذلك.
وفي 25 مايو 1963، اجتمعت هذه اللجنة في القاهرة بالوفد الوطني الذي ضمّ عدة رجال وامرأة واحدة هي صافيناز خليفة، في الهيكل التنظيمي له، وفي مطلع الستينيات بدأ ظهور الأحزاب السياسية كمؤشر على نضج الحركة الوطنية، وبناءً على ظهور هذا المتغير السياسي، سارعت المرأة للانضمام إلى هذه الأحزاب بعد أن منحتها المشاركات الوطنية المختلفة الكافي اللازم لتوزيع دورها السياسي.
التحقت صافيناز خليفة مع رضية إحسان الله وليلى الجبلي، بحزب الشعب الاشتراكي، وتبوّأن مناصب في الهيئة القيادية العليا في هذا الحزب، والمكونة من 18 عضوًا، كما شاركت صافيناز الوفد النسائي الزائر لشمال اليمن للمباركة بانتصار ثورة 26 سبتمبر 1962.
إنّ مسيرة رحلة كفاح المناضلة صافيناز خليفة لا يحاط بكلمات وصفحات؛ فهي تمثّل فصولًا وعقودًا من النضال بدأتها في خمسينيات القرن المنصرم، تنوعت أنشطتها وتدرجت بحسب طبيعة ومتطلبات الفترة.
المصدر: