قرر المزارع محمد الجغام، في محافظة صعدة، اقتلاع أشجار الرمان من مزارعه واستبدال شجرة القات بها، أو بيع أرضه ومغادرة البلاد، بعد موسم مخيب للآمال تكبد فيه خسائر فادحة هو ومزارعو محافظة صعدة (شمال اليمن) جراء قرارات مكتب الزراعة في المحافظة التي أكد أنها شلت عملية التصدير، وجعلت من الفاكهة ذات الجودة العالية حبيسة في الداخل، وأجبرت مزارعيها على بيعها بأبخس الأثمان.
أثرت هذه القرارات، التي كان الهدف منها تحسين عملية التصدير والحد من الغش، كما تعتقد الجهات الزراعية المعنية، سلبا، وجاءت بنتائج عكسية على "الجغام" ومزارعي المحافظة وفق تأكيداتهم، وأزهقت أحلامهم، وأمانيهم، بعد انتظار عام كامل بذلوا فيه قصارى جهدهم، وأنفقوا كل مدخراتهم آملين بأرباح موسم تعوض مجهودهم المبذول.
شروط مجحفة للتصدير
في أواخر مايو/أيار الماضي 2024 وجه مكتب الزراعة في محافظة صعدة بسلسة إجراءات بغية تحسين التسويق والتصدير لفاكهة الرمان، لتجاوز التحديات والمشكلات التي برزت العام الماضي 2023، منها ارتفاع عدد "الفرشات" المستخدمة في عبوات الرمان (الثلاثة دور،) وعلّلوا ذلك بكبر حجم العبوة، وأنه يؤدي إلى إضافة تكاليف التصدير، وتشويه سمعة المنتج خارجيا، ويوسع دائرة الغش حسب رؤيتهم.
واقترحت الرؤية اعتماد مقاسات وأبعاد العبوات (الكراتين "البيبي" الصغيرة) بجوار العبوات الكبيرة، على أن تكون العبوات الصغيرة ذات الدور الواحد بارتفاع 9 سم وعرض 22.5 وطول 34 سنتيمتر، وإلغاء العبوات ذات (الثلاثة أدوار) بارتفاع 23.5 سنتيمتر وعرض 26 سنتيمتر، وطول 36 سم.
فخ الزراعة التعاقدية
يقول (ي.ح،) تاجر زراعي يعمل في مجال التصدير، لخيوط: اتفقنا في صنعاء على التغليف بعبوات كبيرة، وباشرنا العمل، فور انتهاء الاجتماع، أنا وسبعة من كبار المصدرين، فطبعنا عبوات بمبلغ 2.5 مليون ريال سعودي شحنت على 25 مقطورة، موضحا أن التجار السبعة تفاجئوا باحتجاز المقطورات من قبل مكتب الزراعة بعد إلغاء الاتفاق من جانبهم بعد أسبوع واحد فقط مع تغير صياغة العقد.
قرارات تحسين التصدير أتت بنتائج عكسية على المصدرين، بداية من السماح بالتصدير بداية من 10 يوليو/ حزيران، قبل نضوج المحصول بأسابيع عدة، ناهيك عن فرض العبوات الصغيرة التي لا تستوعب حجم الفاكهة ذات الأحجام الأكبر، 9 سم، ثم فرض الأسواق الجديدة بنسبة يراها مزارعون نهبا لهم دون وجه حق.
بعد أيام من توقيع الاتفاقية الأولى واحتجاز المقطورات من قبل مكتب الزراعة وقع المصدرون على آلية جديدة للتصدير سمتها اللجنة الزراعية (آلية تنظيم تصدير الرمان للموسم الحالي،) وتضمنت ما يعرف بالزراعة التعاقدية.
كما قامت اللجنة الزراعية في هذه الآلية بتضمين شراء المحصول لهذا الموسم من قبل مستوردين خليجيين وقعوا مسبقا على أن يدفعوا 2000 دولار للطن الواحد، ولم يكن هذا سوى فخ للإيقاع بالمصدرين، كما يتحدث هذا التاجر الزراعي، بجانب الضغط عليهم باستمرار احتجاز المقطورات المحملة بعبوات الشحن والتي تكلفهم مبالغ كبيرة يوميا.
من جانبه، يقول التاجر(ح.ي) لخيوط: قبلنا على مضض بهذه الآلية لأننا نريد إخراج الشحنات المحتجزة، ولأن مكتب الزراعة ضمن شراء المحصول بالعبوات الصغيرة (بيبي كرتون)، لكن تفاجأنا مرة أخرى بحذف الجزئية الضامنة لشراء المحصول من الآلية الموقع عليها.
إحلال تجاري وتشويه
ورد في آلية تنظيم تصدير الرمان للموسم الحالي اشتراطات عدة، أدت في الأخير إلى توقف المصدرين القدامى، بل وحبسهم بتهم كيدية، وشوهت سمعة الرمان دوليا بعد الاستبدال بالتجار المعروفين إقليميا تجارا جددا، الأمر الذي حتم على سلطات بلدان الاستيراد تلك التدقيق في المنتجات الزراعية التي تستوردها من اليمن، إضافة إلى تكاليف الشحن بعبوات صغيرة (كراتين بيبي "صغيرة،") الأمر الذي جعل سمعة هذه الفاكهة التي تشتهر صعدة بإنتاجها على المحك، فإن ارتفاع 9 سم لا يكفي لاستيعاب أحجام الرمان الكبيرة وذات الجودة العالية، والسماح لبعض التجار التصدير قبل الموسم ونضج الفاكهة، إذ أدى ذلك إلى تصدير منتجات قبل نضوجها، وتصدير منتجات غير صالحة للتصدير، ذلك أن العبوات الصغيرة لا تحمل أي اسم تجاري على الأغلب.
(ع.م،) أحد التجار المحتجزين، يقول لخيوط إن مكتب الزراعة سمح لبعض المصدرين التصدير بعبوات مجهولة أثرت على سمعة المنتج اليمني، مؤكدا على وجوب الرقابة بدلا من استبدال العبوات الصغيرة بالكبيرة.
حبس الرمان
احتوت آلية تصدير الرمان المستحدثة على ثغرات أدت إلى عرقلة التصدير للفاكهة الموسمية. التاجر (ي.ح) صدر برادا واحدا فقط خسر فيه 15000 ريال سعودي، وامتنع عن التصدير هو وعديد التجار المعروفين سابقا في الأسواق الخليجية، فالعبوات الصغيرة ضاعفت الإنفاق على عمالة التعبئة والتغليف، وخفضت كمية التصدير.
مندوب المزارعين معوض علي سعد يؤكد في هذا السياق لخيوط أن الاشتراطات التي وضعها مكتب الزراعة بالمحافظة لتحسين التصدير أتت بنتائج عكسية على المصدرين، بداية من السماح بالتصدير بداية من 10 يوليو/حزيران، قبل نضوج المحصول بأسابيع عدة، ناهيك عن فرض العبوات الصغيرة التي لا تستوعب حجم الفاكهة ذات الأحجام الأكبر، 9 سم، ثم فرض الأسواق الجديدة بنسبة يراها مزارعون نهبا لهم دون وجه حق، واستحداث تجار آخرين مقربين من السلطات والجهات الزراعية.
خسائر فادحة تكبد المزارع
موسم ذهب مع الريح، هكذا عبر المزارع أحمد خلغام عن خسارته هذا العام المقدرة بـ 5 ملايين ريال يمني، تكاليف تشغيلية لمزرعة الرمان الخاصة به، وهذا ما أكده مندوب المزارعين، معوض علي سعد، الذي يؤكد أن إنتاج مزارع صعدة من الرمان يفوق 120 ألف طن خلافا لتقديرات مكتب الزراعة الذي يقدر الكمية التي يتم تصديرها بنحو 58 طنا.
رمان متكدس وبأقل من نصف السعر، وتجار محتجزون، ومزارعون يقتلعون أشجارهم المثمرة، في مشهد يعكس حجم الأزمة والمشكلة التي فاقمت معاناة المزارعين في محافظة صعدة، إذ توثق عديد الفيديوهات اقتلاع الرمان من مزارعه وغرس بدلا منه شجرة القات التي تستمر مساحتها الزراعية بالتوسع على حساب المحاصيل الزراعية الأخرى.