تعتبر محافظة صعدة من أهم المحافظات في مجال الإنتاج الزراعي، إذ تشتهر بأفضل أنواع البن اليمني (الخولاني) الذي يزرع في قرية بني بحر بمديرية ساقين وقرية جمعة بن فاضل في مديرية حيدان.
تشتهر أيضًا بإنتاج الرمان والعنب والزبيب الصعدي الأسود الذي لا نظير له، مع ذلك تعرضت لاعتداءات سافرة من أطراف النزاع منذ بداية الحرب.
في مايو/ أيار 2015، أعلن التحالف بقيادة السعودية والإمارات محافظةَ صعدة منطقةَ عمليات عسكرية نشطة، وخاصة المديريات الشمالية، مثل: كتاف، والبقع، وشدا، والظاهر، ورازح، ما حوَّلها إلى مناطق أشباح ليس فيها غير صفير الرياح على الأشجار وبقايا الطيور والحيوانات الأليفة.
وتحوّل أهالي القرى إلى نازحين وفقراء ينتظرون المساعدات الإنسانية الشحيحة، بعد أن يوافق على مرورها (المجلس الإنساني)، في الوقت الذي تم فيه تضييق الخناق على المدنيين من أهالي المحافظة، واتهامهم بالانتماء لجماعة الحوثي بناء على هويتهم الشخصية، ما حدّ من تحركاتهم في المحافظة الأخرى.
من جهة أخرى، تضيق جماعة أنصار الله (الحوثيين) الخناق على المدنيين الذين ينتمون لجغرافيا المحافظة، فيُمنع عنهم الحصول على بطاقة هوية أو جواز سفر إلا وفق إجراءات تعسفية تعجيزية، كما يُمنع عنهم العمل في المحافظات السعودية الجنوبية.
توجّه المزارع محمد إلى منطقة العشية، مديرية حرف سفيان، محافظة عمران، حيث أكبر سوق سوداء في اليمن للمشتقات النفطية، ووجد أخيرًا 20 لترًا من الديزل. عاد محمد يشعر بالبهجة لإنقاذ مزرعته وإعادة الروح إلى مواشيه، لكنه ما أن وصل إلى نقطة آل عمار في مديرية الصفراء، حتى تبددت كل أحلامه.
نموذج للمعاناة
في قرية عضلة، بمديرية الحشوة، يعيش محمد حسين (65 سنة)، مع أسرته التي تتكون من خمسة أفراد. ورث عن والده أرضًا لا تزيد عن 300 متر مربع، زرع فيها أنواعًا من الحبوب والبرسيم لتوفير العلف للبقرة التي يملكها، حيث تساعده في توفير ما تحتاجه أسرته من الحليب واللبن والزبدة.
محمد نموذج لمعاناة المزارعين والقطاع الزراعي بشكل عام في هذه المحافظة الغنية بالإنتاج الزراعي. في الآونة الأخيرة لم يعد يحصل على الديزل لتشغيل مولِّد البئر، لضخ المياه للشرب والزراعة. قرر محمد التوجه إلى مندوب شركة النفط والبترول اليمنية، لكنه لم يقدّم له أي حلول، واكتفى بالقول: "سينزل المطر قريبًا ولن تحتاج إلى أي شيء"، لكنْ محمد لم يستطع الانتظار أكثر، لأنّ مواشيه أصبحت جائعة، ولا تتوقف عن الخوار.
وبعد أن أعيته الحيلة، قرر محمد السفر إلى مدينة صعدة (تبعد 82 كم عن قريته). استقل سيارة من فرزة الحشوة، بمبلغ 8 آلاف ريال. كل ذلك للحصول على 20 لترًا من الديزل، لكن دون فائدة، فاعتقد أنه قد يجد مراده لدى فرع شركة النفط في المدينة. قدّم عريضة إلى المدير العام بطلب 20 لترًا، لكن الأخير وعده بإدراج اسمه ضمن القائمة.
توجّه المزارع محمد إلى منطقة العشية، مديرية حرف سفيان، محافظة عمران، حيث أكبر سوق سوداء في اليمن للمشتقات النفطية، ووجد أخيرًا 20 لترًا من الديزل. عاد محمد يشعر بالبهجة لإنقاذ مزرعته وإعادة الروح إلى مواشيه، لكنه ما أن وصل إلى نقطة آل عمار في مديرية الصفراء، حتى تبددت كل أحلامه.
قام مشرف النقطة بمصادرة كمية الديزل بحجة أنه غير قانوني، وأن هذا التصرف سيفتح المجال لغيره لذات الفعل. حاول محمد أن يشرح وضعه وعائلته، لكن دون جدوى، فعاد -خائبًا- إلى منزله. استقبلته -هناك- زوجته وأبناءه بترحاب، وسألوه: أين الديزل؟ فلم يجد ما يقول غير دموعه. عرفت الزوجة أن الوضع وصل إلى ما لا يحتمل، فنصحته ببيع المواشي مع أنها تمثّل القوام الاقتصادي للأسرة، لكن لا خيار، إما البيع أو الموت. هكذا باع محمد ثروته، وهو يعض أنامله، هكذا أصبح محمد بلا شيء.