وهبة يحيى، امرأة يمنية من محافظة الحديدة مديرية المراوعة، تبلغ من العمر 35 عامًا، كانت طفلة ذات يوم، ولم تكن تمتلك أفضل حظّ في العالم لوقت طويل؛ في سنواتها المبكرة لم تحظَ بفرصة كاملة لنيل حقّها في التعليم، إذ أجبرتها أسرتها على ترك المدرسة عندما كانت لا تزال في المرحلة الإعدادية بسبب وضعهم المادي المتدني.
تقول وهبة لـ"خيوط": "لأني البكر في إخوتي، وبحكم أننا نعيش في الريف ونعتمد على تربية المواشي، أخرجني أهلي من المدرسة لمساعدتهم في العمل". لاحقًا عندما أصبحَت في سن الـ15 من العمر وجدت نفسها في ثوب الزفاف.
لم يختلف وضع وهبة كثيرًا بعد الزواج، وعدا عن أنها أصبحت أمًّا لثلاث بنات بينما كانت في مطلع العشرين من عمرها، فقد رافقتها الحياة القاسية كظلها، ثم عانى زوجها من مرض جعله غير قادر على العمل بشكل جيد. لفترة طويلة من الزمن، عاشت وهبة حياة لن تحلم بتكرارها أبدًا، لكنها اليوم تتطلع لمستقبل مختلف، مستقبل تصنعه هي، ومِن المنزل أيضًا.
أما زينب، التي تعول أسرتها بنفسها، فتقول لـ"خيوط": "كنت بحاجة لمصدر رزق". وفيما أرادت ولاء أن تبدأ مشروعًا تجاريًّا؛ لأن لديها أهدافًا كثيرة، أهمها: "كي أعتمد على نفسي وأدرس جامعة"، كما تقول، وكان دافع رجاء للتقديم لبرنامج "الصمود الريفي2"، هو حاجتها الاعتماد على النفس.
الصمود الريفي
وهبة، واحدة من مئات أخريات في باجل والمراوعة بمحافظة الحديدة، تتشابه حياتهن أكثر مما تختلف، ولكن أيضًا لديهن الحلم نفسه يتطلعن لتحقيقه، خاصة وقد زاد أملهن بذلك، بعد أن تم استهدافهن في مشروع يهدف لتعزيز الصمود الريفي للأسر في اليمن تنفذه مؤسسة تنمية القيادات الشابة بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
من نافذة إحدى غرف المنزل الذي تسكنه، والمكوّن من غرفتين فقط، تدير زينب علي مشروعها، وهو عبارة عن بقالة لبيع المواد الغذائية. فيما تتشارك رجاء محمد العمل على مشروعها الخاص ببيع الحلويات والمعجنات مع زوجها، أما ولاء عياش فلديها "بوفية" خاصة بالنساء.
إلى جانب وهبة، هناك زينب علي (37 سنة)، متزوجة وتعيل أسرة مكونة من 6 أشخاص، ورجاء محمد (27 سنة) متزوجة ولديها 3 أطفال، بالإضافة إلى ولاء عياش (19 سنة) خريجة ثانوية عامة، لم تكن قادرة حتى وقت قريب على مواصلة تعليمها ودخول الجامعة بسبب ظروف أسرتها المادية، لكنها على وشك أن تحقق هذا الحلم قريبًا. وهبة، زينب، رجاء، وولاء، جميعهن بدأن منذ أشهر، مشاريعَ تجارية من المنزل.
في ديسمبر 2019، بتمويل مشترك من الاتحاد الأوروبي والوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي، بدأت مجموعة من منظمات ووكالات الأمم المتحدة، وهي: منظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة العمل الدولية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتنفيذ البرنامج المشترك لدعم سبل العيش والأمن الغذائي في اليمن (الصمود الريفي 2)، مستهدفةً ست محافظات تم تصنيفها على أنها الأشد حاجة، وهي: حَجّة، الحديدة، لحج، أبين، تعز، وصنعاء. وفي مارس 2020، تقدمت مؤسسة تنمية القيادات الشابة للعمل في واحدة من هذه المحافظات كشريك تنفيذي وطني، واستهدفت مديريتي باجل والمراوعة في محافظة الحديدة، وقد استفادت 1000 أسرة على الأقل.
وهدفَ البرنامج إلى المساهمة في الحدّ من تأثر الأسر الفقيرة والأشد ضعفًا وتعزيز قدرة المجتمعات المتأثرة بالأزمة في اليمن على الصمود، من خلال إيجاد سبل رزق مستدامة والوصول إلى الخدمات الأساسية.
تقول وهبة يحيى، التي أصبحت تمتلك ماكينتَي خياطة، وتدير مشروعها من المنزل، بعد أن استأجرت غرفة إضافية خصصتها للعمل: "كنت أمرّ بظروف صعبة، زوجي يعاني من مرض، وتوقفت بناتي عن الذهاب إلى المدرسة". تركز هبة على تصميم وإنتاج ملبوسات الأطفال والفساتين والأرواب النسائية والجواكت الرجالية، وهي الأنواع التي تنتجها بشكل متكرر؛ لأن عليها طلبًا أكثر.
تفاوت الدخل
ما تزال وهبة في بداية مشوارها، لديها تجربة وخبرة متواضعتان بالعمل وبالسوق، كما أن حجم المعرفة بمشروعها لا يزال مقتصرًا على الجيران والحي الذي تعيش فيه. لكن مقارنة بأسعار الملابس في السوق، تبيع وهبة منتجاتها أرخص بنسبة تصل إلى 60-70%. لا تزيد قيمة أغلى منتجاتها عن 3500 ريال (أقل من 6 دولارات بقليل)، ولا تقل عن 1500 ريال (دولارَين ونصف). تحدد أسعارها بحسب القماش ونوعيته، بالإضافة إلى نوعية الخياطة.
وتحدد مواسم معينة -مثل مناسبات الأعياد الدينية، وموسم الأعراس، الذي لا يرتبط بموعد زمني ثابت- الحركةَ في مثل هذه الأعمال المهنية.
تتحدث وهبة عن عدم ثبات صافي الدخل اليومي الذي تحقّقه، والذي يخضع لوضعية السوق ومستوى الإقبال، في حين يكلفها شراء الأقمشة نحو 10 آلاف ريال في اليوم، وهي كمية كافية لشهر كامل، إضافة إلى القطع من الأقمشة التي تستقبلها من زبائنها.
بصمة في الحياة
من نافذة إحدى غرف المنزل الذي تسكنه، والمكوّن من غرفتين فقط، تدير زينب علي مشروعها، وهو عبارة عن بقالة لبيع المواد الغذائية. فيما تتشارك رجاء محمد، العملَ على مشروعها الخاص ببيع الحلويات والمعجنات مع زوجها، تقوم هي بتحضير المنتجات في مطبخ المنزل، بينما يتولى زوجها مهمة التوزيع للمحال التجارية في السوق والأحياء القريبة.
أما ولاء عياش، فلديها "بوفية" خاصة بالنساء، افتتحتها في محل ملاصق لمنزل والدها، وهو المشروع الذي تديره حاليًّا بمساعدة شقيقاتها.
واختارت زينب لمشروعها اسم "بقالة الأمل"، والذي يشير بشكل واضح إلى ما تتطلع إليه هذه المرأة الصلبة، والأهم أنه يلخص قصة حياة ليست سهلة بأي شكل من الأشكال، إنها قصة زينب نفسها، بعد أن دفعتها ظروف الحياة الصعبة وعدم قدرة زوجها على العمل إلى إعالة أسرة مكونة من 6 أشخاص، هي وزوجها، بالإضافة إلى 4 أطفال.
قبل 4 سنوات، اضطرت أن ترسل طفلها الأكبر البالغ من العمر 12 عامًا، ويدرس في الصف الرابع أساسي للعيش مع جدّته في قريتها بمحافظة حجة من أجل أن يحظى بفرصة لدخول المدرسة بعد أن تأخر سنتين عن ذلك منذ أن أصبح في سن الدراسة. وبعدها بسنة أرسلت طفلتها (11 سنة) "صف ثالث أساسي" أيضًا، والتي كانت قد تأخرت سنتين هي الأخرى.
في حين أصبحت زينب قادرة على تحمل المسؤولية، وصارت كلمتها مسموعة أكثر على مستوى أسرتها، ذهبت رجاء للحديث عن كيف طور النقاشُ وتبادل الآراء بينها وبين زوجها عن المشروع لغةَ تفاهمٍ أكبر بينهما، فيما لاحظت ولاء أنها أصبحت إنسانة مختلفة.
تؤكد زينب أن برنامج دعم الصمود الريفي ساعدها في التغلب على مصاعب لا تنتهي، وأن تعتمد على نفسها وإدارة مشروع، ولو صغير يدرّ عليها بعض المال تنفقها على إعالة أسرتها.
ويختلف الوضع مع رجاء محمد، فهي الوحيدة التي أكملت تعليمها الجامعي، ولكنها كانت عاطلة عن العمل وتريد أن تعتمد على نفسها؛ لذا كان هذا البرنامج فرصة مهمة أتاح لها إدارة مشروع خاص بها وتطمح لتوسيعه.
أما ولاء عياش؛ فلا تعتقد أنها كانت قادرة على تحقيق حلمها بدراسة الجامعة بدون ما قدّمه لها برنامج دعم سبل العيش والأمن الغذائي في اليمن. تقول: "والدي لا يستطيع تحمل نفقة دراستي الجامعية، وبعد سنة من إكمال المرحلة الثانوية، كنت أعتقد أنني أحلم بشيء من الصعب تحقيقه".
حاليًّا تدير ولاء مشروعها ("بوفية" خاصة للنساء) بمساعدة شقيقاتها، ويقدمن مأكولات سريعة، وعصائر. وعندما تعود بذاكرتها سنة للوراء، وتتذكر كيف لم يؤمن أحد بإمكانية نجاح مشروعها، يدفعها ذلك للعمل بنشاط أكبر -بحسب قولها- فهناك أشياء لا تزال تريد أن تحققها.
وتشعر ولاء حاليًّا أن هناك إمكانية كي تترك بصمة في الحياة، والأهم هو أنها بدأت بجمع رسوم التسجيل في الجامعة.
مسؤولية وصوت مسموع
بالعودة إلى "الشخصية القيادية"، في حديث رجاء و"الإنسانة التي من الممكن أن يكون لها بصمة" كما تشعر ولاء وإلى الكثير من التفاصيل في حياة وهبة وزينب قبل وبعد تأسيس مشاريعهن؛ هناك شيء آخر ذو أهمية كبيرة حدث أيضًا، وهو أن جميعهن أصبح لهن صوت، حضور وشخصية قادرة على اتخاذ القرار، وهذا أمر آخر وضعه القائمون على البرنامج في اعتبارهم من البداية. للتأكد من هذه الجزئية تحديدًا، وعمّا إذا كُنّ يدركنها ويشعرن بها أم لا؛ سُئِلت كل واحدة من الأربع سؤالًا واحدًا على الأقل في هذا السياق، وعلى الرغم من أن الإجابات جاءت بكلمات مختلفة، إلا أن لها المعنى نفسه.
وفي حين أصبحت زينب قادرة على تحمل المسؤولية، وصارت كلمتها مسموعة أكثر على مستوى أسرتها، كما تقول، ذهبت رجاء للحديث عن كيف طوّر النقاشُ وتبادل الآراء بينها وبين زوجها عن المشروع لغةَ تفاهمٍ أكبر بينهما حتى أصبح كل واحد منهما قادرًا على اتخاذ القرار بشأن أي أمر كان.
ولاحظت ولاء أنها أصبحت إنسانة مختلفة في فترة قصيرة لا تتجاوز 5 أشهر، وفق حديثها، حتى إن جميع أفراد أسرتها صاروا يسألونها عن رأيها ويقدرونه بما في ذلك والدها، وهو الأمر الذي أدهشها في البداية.
بالمقابل، عادت ثلاث فتيات، بنات وهبة يحيى؛ ولاء، وشذا (صف أول ثانوي)، وقمر (صف سابع)، إلى المدرسة مع بدء العام الدراسي الحالي في أغسطس/ آب الماضي، لمواصلة الدراسة بعد عام من الانقطاع؛ لعدم قدرة أسرتهن على تحمل تكاليف تعليمهن، لكنّ قرارًا اتخذته والدتهن أعاد لهن الفرحة والمستقبل.
تقول الأمّ وهبة يحيى، لـ"خيوط": "لم نكن قادرين على تحمل مصاريف تعليمهن العام الماضي، ولكن كنت أعرف أنهن سيَعُدْنَ؛ فأنا حرمت من التعليم ودائمًا أشعر بالغبن من هذا، ولم أرِد لبناتي أن يشعرن كما شعرت، وعندما بدأتُ المشروع وأصبحت قادرة على تحمل مصاريفهن، اتخذت القرار بعودتهن إلى المدرسة".