يعد الأرز أحد الثلاثة المحاصيل الرئيسية إلى جانب القمح والذرة، التي عمل عليها العلماء فيما يسمى الثورة الخضراء لزيادة إنتاج الغذاء في العالم، باعتباره وجبةً رئيسية لدى معظم سكان العالم، تتم زراعته خلال شهري مايو/ أيار، ويونيو/ حزيران، في مساحات مبدئية تُحرث فيها التربة، وتُرش بالمبيدات الحشرية، وتُسمّد، ثم تغرس الشتلات. بعد ذلك، يُروى الأرز بماء وفير مدة 40 يومًا ثم يرفع عنه الماء مدة عشرة أيام. بعد شهرين يتم نقل الشتلات إلى مناطق شاسعة تتعرض للشمس بشكل مباشر، حتى يكتمل نمو الأرز إلى شكله النهائي. وينتشر الأرز في كثير من بلدان العالم التي تتميز بالمناخ الحار والمعتدل، وفيرة المياه.
مغامرة تخلصت من الخوف
في اليمن نجح المزارع، عبدالعزيز عويدان، في زراعة الأرز، لأول مرة خلال موسم الخريف، في منطقة القناوص، بمحافظة الحديدة (غربي اليمن)، التي تعدّ فيها الزراعة النشاطَ الرئيس للسكان، إذ تنتج المحافظة ما نسبته 26% من إجمالي إنتاج المحاصيل الزراعية في الجمهورية اليمنية، وأهم محاصيلها: الفواكه والمحاصيل النقدية والخضروات والحبوب، بحسب المركز الوطني للمعلومات.
ساعد في ذلك وفرة واتساع المساحات الزراعية الخصبة، الممتدة من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب، منها المساحات المروية بمياه الأودية والآبار، ومنها ما تعتمد على مياه الأمطار الموسمية؛ لذلك فإن المحافظة تعد من أهم محافظات الجمهورية إنتاجًا للمحاصيل الزراعية.
يقول عويدان، وهو أيضًا رئيس جمعية القناوص التعاونية الزراعية لمنتجي الحبوب، لـ"خيوط": "يزرع المزارع اليمني محاصيل زراعية لا تلبي الاحتياج الأساسي له، سواء للفرد أو للبلد بصفته منتجًا قوميًّا، إذ عادة ما يتهرب من زراعة المحاصيل النقدية الربحية؛ خوفًا من التعرض للفشل وللخسائر، خاصة أنه يعتمد على نفسه، في ظل غياب دور الدولة".
ويتابع عويدان: "جربت زراعة الأرز، وهو رغم كل التحديات التي يقف على رأسها احتياج الأرز لنفس طويل حتى الحصاد، بين أربعة إلى ستة شهور، إلى جانب ضرورة وفرة المياه المتجددة بحيث تغمر الأرض طوال فترة النمو، وألّا تقل درجة الحرارة عن 21 درجة، لكنها كانت تجربة ناجحة".
ويضيف: "زراعة الأرز خطوة مهمة نحو تعزيز ونمو الزراعة في المنطقة". هذه التجربة تعكس إصرار وقدرة المزارعين على تحقيق الإنجازات رغم التحديات، وتحقيق نوعٍ من الأمان الغذائي الذاتي.
"استغرقت عملية زراعة الأرز حوالي خمسة أشهر، من غرس البذور حتى مرحلة الحصاد، بالتزامن مع جهود مكثفة ومستمرّة، وتمكّنت من تحقيق تقدّم ملحوظ، رغم أنّ الفوائد كانت محدودة في البداية، وكانت التجارب تتم بشكل محدود، لكن بعد مضي سنة كاملة تمكّنت من الوصول إلى نتائج إيجابية واضحة وحصاد وفير".
تجدر الإشارة إلى أنّ تجربة زراعة الأرز في منطقة القناوص، بمحافظة الحديدة، سبقتها تجارب أخرى زراعية بمحافظة حضرموت، وفي مديريات المغربة والجميمة وأسلم والشرفين، ومناطق أخرى في محافظة حجة.
ويرجع نجاح زراعة الأرز في تلك المناطق، إلى وفرة المياه ومواءمة درجة الحرارة خلال موسم نمو الأرز، الذي يتراوح بين 4 إلى 6 أشهر، فيما تتراوح درجة الحرارة هناك بين 21 و34 درجة مئوية، وهي النسب المثالية للزراعة.
وكان الأرز يزرع في مناطق: وضرة، ووادي المشنة، ووادي أخرف، وأفلح، بمحافظة حجة، قبل ثلاثين عامًا، لكنّ المزارعين فضّلوا زراعة القات بدلًا من الأرز؛ لأسباب متعلقة بعوائد القات السريعة، وسهولة زراعته وقطفه مقارنةً بالمحاصيل النقدية والغذائية التي تتطلب جهدًا كبيرًا وزمنًا أكبر.
نتائج إيجابية وحصاد وفير
تعتبر منطقة القناوص بيئة خصبة ومناسبة لزراعة الأرز؛ نظرًا لوفرة المياه فيها، وتناسب درجة الحرارة مع متطلبات زراعة هذا المحصول، حسب تأكيد المزارع عويدان الذي تمكّن من تجاوز التحديات وحقّق نجاحًا غير مسبوق بهذه التجربة التي استطاع عبرها إثباتَ أنّ المنطقة بيئة مواتية لهذا النوع من المحاصيل بكميات كبيرة.
يقول عويدان عن هذه التجربة المثيرة: "استغرقت عملية زراعة الأرز، في مزارع لي بالقناوص، حوالي خمسة أشهر من غرس البذور حتى مرحلة الحصاد. بعد مضي الخمسة الأشهر، بالتزامن مع جهود مكثفة ومستمرة، تمكّنت من تحقيق تقدم ملحوظ، رغم أنّ الفوائد كانت محدودة في البداية، وكانت التجارب تتم بشكل محدود، لكن بعد مضي سنة كاملة من العمل الجادّ والاجتهاد، تمكّنت من الوصول إلى نتائج إيجابية واضحة، وحصادٍ وفير بحلول نهاية الموسم".
يقول عويدان إنّه خلال تجربته التي كان لا ينظر إليها إلا باعتبارها مغامرة غير محسوبة؛ نظرًا للتحديات الجمّة التي واجهته، ولجِدّة التجربة وعدم اختبارها بشكل جِدّي في المنطقة، لكنه تمكّن من تجاوز هذا كله بالإيمان والاجتهاد وعدم اليأس. ويذكر عويدان أنّ عدم اختيار التوقيت السليم لزراعة المحاصيل، وعدم التعامل بحذر مع النباتات أثناء نموها، أبرز الأسباب التي أعاقته.
وتكمن خطورة عدم التقدير هذا، في التسبب بأضرار فادحة للنباتات، مثل نموها بأوراق نحيفة وطويلة، وتعرضها للكسر بسهولة، ممّا يزيد من تأثر النباتات بالأمراض والتساقط بسرعة.
بحسب عويدان، فإنّ تجربة زراعة الأرز ليست بالسهلة، إذ قام بالعديد من المحاولات في سبيل تحقيق النجاح، من ضمنها الاستعانة بمهندسين زراعيين، والقيام بتهيئة البيئة الزراعية المناسبة لزراعة الأرز.
وأضاف عويدان: "من خلال هذه التجربة، حاولت إضافة منتج جديد إلى السوق اليمنية التي تعاني من قلة التنوع في المنتجات الزراعية".
واختتم عويدان حديثه لـ"خيوط"، بالقول: "نأمل أن تلتفت الجهات المسؤولة إلى الاهتمام بزراعة الأرز الذي يمكن أن يحقق مكاسب كبيرة للمزارعين، الذين يواجهون ظروفًا معيشية صعبة".