وحده الأستاذ القدير عبدالله عبدالإله من يغرف من ذاكرته وإرشيفه الشخصي كل ما يتعلق بإزالة الغبار عن وجه مناضلي ثورة 14 أكتوبر المجيدة من أول طلقة إلى 30 نوفمبر 67. ما يقوم به يفترض أن تقوم به هيئة بكامل فريقها؛ للأسف لم يعمل على تهيئتها وإيجادها أحد! وستأتي لحظة لن يشار إلى الشهداء في هذه البلاد إلا من يختارون بعناية، حتى الشهادة لن تمنح إلا لمن دعت لهم أمهاتهم، وعلى الآخرين أن يصمتوا في قبورهم!
سؤال صغير جدًّا في حجمه، كبير جدًّا في مدلوله، تهرب من قراءته كثيرون، والسبب أعرفه جيدًا، إذ إن كثيرين أيضًا لا يدرون شيئًا عن الاستقلال! وفي مناهجنا التي حشيت بالكلام الإنشائي عن أحداث لها تاريخ، لا يدري أبناؤنا -من الابتدائية حتى الجامعة- عنها شيئًا! أضف إلى ذلك أن القراءة عدو الجميع إلا من رحم ربي، لذلك ضحكت عندما لاحظت أن هناك ضمن جدول كلية الآداب مادة "الثقافة العامة"، التي تخرج مجرد جهلة، بالكاد يحملون شهاداتهم إلى وزارة الخدمة، وبرفقتها وساطة من الشيخ أو الأفندم!
بالصدفة لاحظت أن صديقًا عزيزًا أنزل على صفحته صورة تفاصيلها تقول إن جنديين من الإنجليز؛ أحدهما يراقب والثاني يقوم بإجراء الإسعافات الأولية ليمني جرحته رصاصات الإنجليز! سألت عن مدلول ذلك، للأسف فلم يعلق أحد عليها، لأن لا أحد يعرف شيئًا؛ لأن القراءة عدو الجميع.
عندما تكتب وتتمنى أن يتم تكريم المناضلين، فتذهب الأذهان باتجاه الحكومة، والحكومة أي حكومة ماضية أو حاضرة أو تلك التي ستأتي، فلا علاقة لها بمناضلين إلا بمن يفرض نفسه بحكم قوة العادة! أما أن أحدًا سيذهب إليه بباقة ورد، فلن يذهب أحد، ناهيك عن كبش في اليد!
وحده الأستاذ عبدالله عبدالإله من كان جزءًا من الفعل، ما زال يحتفل بطريقته، ويسلط الضوء على من قدموا. وهناك بعض المناضلين وإحساسهم بأن لا أحد يذكرهم أو يتذكر أدوارهم، فيكتبون وعلى استحياء، احترامًا للنفس، وما أكثر المحتاجين منهم، ومن لا يجد كفاف يومه
في العالم، إضافة إلى الدولة وهي هناك مفهومة المعالم، فتقوم الحكومة كواجب عليها ضمن منظومة قيم عامة، بتكريم من ناضلوا بكل أشكال النضال في سبيل الوطن، تقوم بتكريمهم ورعايتهم، وبالتوازي، ولأن المناهج ووسائل الإعلام تسلط الضوء على ما قدموا، فهناك هيئات ومنظمات وسلوك عام يكرمهم بكل صور التكريم.
في الاتحاد السوفيتي أيامها والآن روسيا وأخواتها، حتى على جدران عربات القطارات ووسائل المواصلات المختلفة، فتذكر العبارة نفسها: "الأولوية في الجلوس لـ…… وأبطال الحرب"، ولأن الوعي عالٍ بالأمر، فترى من يحملون على صدورهم النياشين يجلسون مكان من يقفون فورًا عندما يرون أحدهم وقد صعد! في المدارس والجامعات وحتى في الشارع لا بد أن ترى يدًا تحمل باقة ورد تمد بها إلى أيدي أولئك الذين قدموا للوطن كل شيء حتى حياتهم.
في البلدان الجاهلة والمتخلفة يتم حتى سرقة مرتباتهم، هذا إذا كان لهم راتب من الأساس.
تمنيت أن أرى، وفي جنوب البلاد تحديدًا، من يخرج للبحث عن المناضلين، ويتم تكريمهم بكل أشكال التكريم، وتمنيت أن يصدح صباح 30 نوفمبر بكل أشكال التكريم، ويعزف النشيد الوطني في كل مكان حتى على السيارات. للأسف لم أرَ شيئًا مما تمنيت، وفي شمال البلاد يتم الاحتفال رسميًّا بالـ30 من نوفمبر كرسالة سياسية توجه إلى جهة ما. احتفال ليس له مدلول أكثر من الخطابات الإنشائية التي يعاد إلقاؤها كل نوفمبر من كل عام! وكفى الله المؤمنين القتال.
وحده الأستاذ عبدالله عبدالإله من كان جزءًا من الفعل، ما زال يحتفل بطريقته، ويسلط الضوء على من قدموا. وهناك بعض المناضلين وإحساسهم بأن لا أحد يذكرهم أو يتذكر أدوارهم، فيكتبون وعلى استحياء، احترامًا للنفس، وما أكثر المحتاجين منهم، ومن لا يجد كفاف يومه!
لذلك أنزل ذلك الصديق تلك الصورة التي لها ألف معنى، التي تقول في واحدة منها: "قارنوا بين قبل وبعد الاستقلال".
يصبح الأمر باديًا للعيان، يجعل الأجيال المتعاقبة تنبذ التضحية في سبيل الوطن، لتحل معها نية "طلبة الله" بكل ما هو وطني.