طيلة الخمسة عشر سنة الماضية ظل علي حمود (48 سنة) مستأجرًا في إحدى حارات شارع الدائري في صنعاء، شقةً مكونة من ثلاث غرف، ولم يرفع عليه المؤجر كلفة الإيجار التي كانت تصل إلى 15 ألف ريال، غير مرة واحدة في عام 2011، حين رفعها إلى 20 ألف ريال.
يقول علي في حديثه لـ"خيوط"، إن المؤجر لم يرفع سعر الإيجار في بداية الحرب، ظنًّا منه ومنّا جميعًا أنها لن تطول، ولكن بعد حوالي سنة ونصف قرر رفع الإيجار إلى 30 ألف ريال. يضيف قائلًا: "كنت في البداية رافضًا هذه الزيادة في الإيجار، ولكن عندما رأيت أسعار الإيجارات ترتفع في كل مكان، رضخت للأمر الواقع".
يعول علي أسرة مكونةً من سبعة أشخاص، لا يتجاوز الابن الكبير سن السادسة عشرة، الأمر الذي جعله يخشى أن تطول الحرب وتتشرد أسرته.
وأدى توقف صرف رواتب الموظفين المدنيين في العام 2016، إلى تراكم الإيجارات على كاهل علي حمود، بعد عجزه عن دفعها ومواجهة قرار المؤجر برفع الإيجار إلى 60 ألف ريال دون أي مراعاة للظروف الصعبة الناتجة عن توقف الرواتب. ويتابع حمود حديثه: "خُيّرت من قبل المؤجر بالدفع أو الخروج من المنزل؛ لذا قمت بالبحث عن منزل آخر للإيجار، ولم أجد سوى غرفتين خارج المدينة، بمنطقة نائية في حزيز بسعر 30 ألف ريال.
من بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، يبدأ المستأجرون بتلقي إخطارات المؤجرين بعزمهم زيادة الإيجار ابتداءً من بداية العام، وتهديد من يرفض بأن الشهرين المتبقين من العام ستكون مهلة غير مدفوعة لإخلاء العقار المستأجر لإفساح المجال لمستأجر آخر يوافق على تسديد الإيجار الشهري بالزيادة المفروضة من بداية العام.
معاناة الموظفين
منذ سبتمبر/ أيلول 2016، توقف صرف الرواتب الحكومية عن أغلب موظفي الدولة، الذين يزيد عددهم عن مليون موظف، ما بين مدني وعسكري، يقيم الكثير منهم في صنعاء، وبالإضافة إلى علي حمود الذي كان يعتبر مرتبه مصدر الرزق الوحيد، فهناك الكثير من الموظفين الذين تشبه حالتهم حالة حمود.
كثير من الموظفين المستأجرين وجدوا صعوبة بالغة في إيجاد منزل آخر بعد طردهم من المنازل التي كانوا يقيمون فيها، لعدم قدرتهم على دفع إيجاراتها، وما نتج عن توقف الرواتب من تمييز ضد الموظفين الحكوميين ورفض منحهم أي عقار من قبل المؤجرين خشية عدم قدرتهم على تسديد الإيجار، ولذا يشترط المؤجرون ضمانة تجارية بالإضافة إلى ضمانة مالية كبيرة عند التأجير لأي شخص، في ما يتعارف عليه بـ"الديبازي".
وتسببت الحرب الدائرة في اليمن منذ مارس/ آذار 2015، بزيادة نسبة الفقر في اليمن إلى 75% من السكان حتى نهاية العام الماضي 2019، مقارنة بحوالي 47% قبل الحرب، حسب تقارير الأمم المتحدة، بالإضافة إلى حوالي 80% نسبة البطالة، بينما لا تزال اليمن حاليًّا مصنفة كأسوء أزمة إنسانية في العالم حسب الأمم المتحدة، وهذه الأرقام زادت من معاناة السكان الذين يعيشون في بيوت الإيجار، لا سيما في صنعاء، والمقدر نسبتهم بحوالي 70% من سكان صنعاء حسب إحصائيات غير رسمية.
تعميم وزارة العدل لم يخفف من حدة المشكلة القائمة بين المؤجر والمستأجر، التي طرأت جراء أزمة الإيجارات؛ لأن التوجيه كان مفتوحًا ولم يحدد نسبًا معينة للإيجارات، وترك الأمر لرغبة مالك العقار
وفي أبريل/ نيسان 2017، أصدرت وزارة العدل في صنعاء تعميمًا حول مشاكل الإيجارات، أكدت فيه على مراعاة ظروف المواطنين، بعد أن برزت في تلك الفترة مشاكل كبيرة بين المؤجرين والمستأجرين، بسبب عجز المستأجر عن سداد إيجار المنزل، نظرًا لظروف الحرب وتضاؤل فرص العمل وانقطاع المرتبات.
وفي هذا الشأن قال محمد الحجري، مدير مكتب عقارات، إن تعميم وزارة العدل لم يخفف من حدة المشكلة القائمة بين المؤجر والمستأجر، التي طرأت جراء أزمة الإيجارات؛ لأن التوجيه كان مفتوحًا ولم يحدد نسبًا معينة للإيجارات، وترك الأمر لرغبة مالك العقار. وأضاف الحجري أن المتوجب كان ينحصر في توجيه صريح يحدد المشمولين بنسبة خفض الإيجارات، وبالذات شريحة الموظفين الحكوميين والنازحين، وتحميلها هذه النسبة جانب الدولة، بحيث تقوم بإضافة الخصم على ضريبة العقارات.
استغلال
في السنوات السابقة استقبلت صنعاء حوالي نصف مليون نازح، حسب الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث بأمانة العاصمة في العام 2019، من مختلف مناطق الصراع، لا سيما تعز وعدن والحديدة ومناطق صعدة الحدودية مع السعودية؛ ما أدى ذلك إلى حالة ازدحام سكاني كبير، نتج عنه حالة من الاستغلال لدى ملاك العقارات، ورفع أسعار الإيجار.
وليد نعمان (48 سنة)، الذي نزح من مدينة تعز في 2015، إلى صنعاء وجد شقة بعد البحث لمدة شهرين، حسب قوله، مكونة من ثلاث غرف، في منطقة شملان غربي صنعاء، وهي منطقة طرفية وتفتقر لبعض الخدمات العامة، وتم الاتفاق مع مالك العقار على سعر 25 ألف ريال شهريًا. ويقول وليد في حديثه لـ"خيوط"، إن العقد المتفق عليه مع صاحب العقار كان ينص على عدم الزيادة إلا بعد تصحيح الوضع وانتهاء الحرب.
رغم صدور قرارات وتعميمات حديثة، بالإضافة إلى المواد القانونية في القوانين النافذة، إلا أن مشاكل الإيجارات لا تزال في تزايد يومًا بعد آخر، وذلك لعدم وجود قانون طارئ لمثل هكذا قضايا
لم يستمر وليد وعائلته المكونة من خمسة أشخاص، سوى سنة واحدة فقط، حتى طلب المؤجر رفع الإيجار إلى 35 ألف ريال، ضاربًا بعقد الاتفاق عرض الحائط، وبعد الزيادة بحوالي سنة، ومع فترة زيادة نزوح أهالي محافظة الحديدة، طلب المؤجر رفع السعر مرة أخرى إلى 50 ألف ريال أو مغادرة المنزل خلال شهر واحد، وحسب حديث وليد لـ"خيوط"، فإنه قرر الخروج من المنزل والبحث عن منزل آخر.
ارتفاع الطلب
وبعد أن شهدت صنعاء إقبالًا كبيرًا للساكنين فيها من مختلف المناطق ولأسباب كثيرة، زاد الطلب على بيوت الإيجار، وأدى ذلك إلى أزمة سكن كبيرة وارتفاع في أسعار الإيجارات، وصعوبة الحصول على مسكن مناسب بسهولة.
الصحفي الاقتصادي رشيد الحداد قال لـ"خيوط"، أن أحد أهم الأسباب التي أدّت إلى ارتفاع أسعار الإيجارات في صنعاء تدهور العملة الوطنية، التي فقدت أكثر من 180% من قيمتها الشرائية، ولذلك فإن الشقة التي كان إيجارها 30 ألف ريال قبل الحرب؛ أي 130 دولار، مع فقدان الريال اليمني قيمته الشرائية، أصبح إيجارها لا يساوي 50 دولارًا، لذا عمد ملاك العقارات إلى رفع الإيجارات، إلى جانب ارتفاع الطلب على المساكن، الذي كان أحد أبرز العوامل التي أدت إلى ارتفاع الإيجارات. وفي جميع الأحوال، تعد أزمة الإيجارات في صنعاء واحدة من أسوأ الأزمات التي تعيشها العاصمة صنعاء منذ 50 سنة على الأقل، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية وفقدان شرائح واسعة من السكان مصادر دخلهم الأساسية.
قوانين متعثرة
وفي فترة لاحقة من العام الماضي 2019، أصدرت السلطات في صنعاء تعميمًا آخر ينص بعدم رفع ملاك العقارات إيجارات السكن، وعدم السماح لمؤجري العقارات السكنية التأجير بالدولار والتعامل بالعملة الوطنية، ولكن ذلك التعميم لم يتمتع بسلطة إلزامية على المؤجرين، إذ أصبحت أسعار التأجير ترتفع يومًا بعد آخر، وبعض ملاك العقارات السكنية يشترطون الدفع بالدولار الأمريكي، وهذا ما يشكو منه الكثيرون.
وكان رئيس حكومة صنعاء عبدالعزيز بن حبتور كشف مؤخرًا أن حكومته بصدد إقرار لائحة تعديل لقانون المؤجر والمستأجر، بحيث تتلاءم مع ظروف الحرب والحصار حسب قوله، وأكد بن حبتور على أن اللائحة لا تتعارض مع القانون، وبأن حكومته جادة في تطبيقها عبر وزارة الإدارة المحلية وأمانة العاصمة ومحافظي المحافظات.
وتنص المادة (211) في القانون المدني العام 2002، على "ضرورة مراعاة الظروف في أوقات الكوارث والحروب"، ولم تحدد حكمًا معلومًا، بل تركت الخيار لقاضي المحكمة، وتنص المادة (102) من القانون الخاص بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر لعام 2006، على أن "يعاقب بالحبس، مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو غرامة مالية لا تتجاوز مئة ألف ريال، كل مؤجر قام بعمل يقصد به مضايقة المستأجر والضغط عليه لإخلاء العين، خلال فترة مدة الإيجار أو زيادة الإيجار المحدد في العقد".
من جهته يقول المحامي عبدالرؤوف شداد، في حديثه مع "خيوط"، إن هناك قصورًا قانونيًّا من حيث تطبيق المواد القانونية الخاصة بالمؤجر والمستأجر، ويؤكد أن هناك قضايا كثيرة عالقة في محاكم صنعاء خاصة بهذا الشأن، ودعا لضرورة البت بهذه القضايا بأسرع وقت، كما شدد على ضرورة سن قوانين تتلاءم مع هذه المرحلة بحيث يتم الفصل بين القضايا بأسرع ما يمكن وبطريقة قانونية وعادلة للطرفين.
ورغم صدور القرارات المشار إليها، بالإضافة إلى المواد القانونية، إلا أن مشاكل الإيجارات لا تزال في تزايد يومًا بعد آخر، وذلك لعدم وجود قانون طارئ لمثل هكذا قضايا، يراعي ظروف الجميع ويكون وينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وفقاً لمستجدات الوضع الراهن.