بعد مجاميعه "اعترافات مائية" 2004، و"هكذا أنا" 2016، و "كتاب الاحتضار" 2016، صدرت للشاعر عبدالمجيد التركي مجموعته الرابعة "كبرتُ كثيرًا يا أبي" عن مؤسسة بدور التركي بالعاصمة الأردنية عمَّان، بــ162 صفحة، وتشتمل على مجموعة من النصوص التي اتخذت من القصيدة الجديدة (قصيدة النثر) مسارًا كتابيًّا شديد الخصوصية.
يقول هشام شمسان في مقاربة تأويلية؛ سيميائية العنوان، وإيحائيات البناء النصي في المجموعة:
"لا نبالغ حين نقول بأن موضوعة العنوان تختصر في دلالتها سيرة تحولية محورها الشاعر، وفضاؤها العام الطفولة، والأبوة، والأسرة، والمجتمع، والوطن. وتسرد تمرحلات السيرورة العمرية بوجوهها المتباينة (صبا، شباب، شيخوخة)، وتنضوي فيه محمولات اجتماعية، وثقافية، وأيديولوجية، وفلسفية لمعاني الرفض، والتقدير الأبوي، والتمسك بالطفولة، برغم هشاشتها، وهامشيتها. وكسر الاستسلام لعبثية الحياة، وفنتازية الأحلام، ومركزية الفقر، والحاجة، والتصادم مع الخوف، والموت، والعزلة، والقيم،... إلخ.
ففي تعبير "كبرتُ كثيرًا" استعارة ضمنية للزمن، وتبدلاته، وتغير أحواله، وعدم القدرة على العودة إلى الوراء. كما يتضمّن اعترافًا بالنضج الشخصي، والنمو الجسمي والعقلي، والعاطفي، والروحي. ويأتي -ذات التعبير- في سياق تغيير المواقف، والأفكار، وفي سياق المراجعة الذاتية، لوصف التغير، من خلال استخدام الفعل الزمني (كبرتُ).
وقد اختار الشاعر: الفعل الماضي (كبرتُ) + صيغة المبالغة (كثيرًا) التي تدل على الثبوت، ليعبر بهما عن اليأس القطعي الثابت من إمكانية العودة بالزمن إلى الماضي، مع تجدّد الانفتاح المستقبلي لمزيد من التقدم بالعمر. ولو كان قال: "شختُ يا أبي" كما قالها الشاعر طه الجند في إحدى قصائده؛ لكان أغلق المعنى التكثيري للعمر؛ لأنّ فِعْـليّة (شختُ) لا تؤدي وظيفة دلالية متطورة، ونامية، فضلًا عن إيحائيتها الجافة".
ومن أجواء المجموعة:
"كبرت كثيرًا..
شعري يبيض كل يوم
دون أن أصل إلى معنى الوقار..
بدأت باستهلاك النصف الآخر من عمري
أنتظر السكر والضغط كل يوم
وأتأمل الذين يحملون نصف أجسادهم الميتة
ويمشون بقدم واحدة.
بدأت أتمرن على قيادة الكرسي المتحرك
وأفكّر في ليونة الإسفنجة التي يلصقونها على العكاز
لا أزال محتفظًا بهيكلي العظمي، دون أي كسر
لا أحب كلمة هيكل!