يعمل نبيل محمد ذو الخمسة والثلاثين عامًا، سائق تاكسي، ومن خلاله يوفر مصروفات أسرته المكونة من أربعة أفراد. يسكن نبيل الذي تخرّج من كلية الشريعة والقانون، في شقة مستأجرة بالعاصمة صنعاء، ويواجه تحديات في توفير احتياجات الأسرة وتأمين إيجار منزله الصغير.
يقول مواطنون، إنّ الأزمات المتلاحقة خلال السنوات الماضية منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، أجبرتهم على التنازل عن الكثير من الأشياء كالترفيه، والوجبات الغذائية الكاملة، مثل الفواكه واللحوم والدجاج.
يشرح نبيل لـ"خيوط"، أنّ الحرب والحصار ضاعفا من المعاناة، "كل شيء مرتفع"، ومع تبعات الحرب الروسية في أوكرانيا زاد الارتفاع أيضًا، كما زادت المشتقات النفطية بنسبة 30% مطلع يوليو/ تموز، وأسعار المواد الغذائية، حتى رغيف الخبز، ارتفع من عشرين إلى ثلاثين ريالًا، وتقلص حجمه كثيرًا.
يقول هذا المواطن، إنه يقوم بتوصيل الزبائن الذين يتواصلون معه إلى الأماكن التي يريدون، ويجني حسب طول المشوار (الرحلة)، إذ يقدر ما يحصل عليه شهريًّا بين 100-150 ألف ريال، بينما يقل المبلغ بنسبة كبيرة في بعض الأشهر.
يدفع نبيل نحو 30 ألف ريال (50 دولارًا)؛ إيجار منزله، وتسديد فواتير الماء والكهرباء، شهريًّا، فضلًا عن دفع رسوم المدرسة التي يدرس فيها طفله ذو السبع سنوات، والذي يستعد لإلحاقه بالعام الدراسي الجديد، وهو ما يصل إلى نحو 300 دولار سنويًّا.
مع الحرب المستمرة في اليمن، منذ أكثر من سبع سنوات، يواجه أكثر من 23 مليون شخص في اليمن الجوعَ والأمراض ومخاطر أخرى، بزيادة 13% عن العدد الذي سُجِّل في 2021، حسب الأمم المتحدة.
يضيف نبيل بالقول: "حتى العمل خفّ كثيرًا، بسبب أوضاع الناس، الكثير لا يستطيع أن يستأجر تاكسي، فيتجهون إلى استخدام باصات النقل العامة، والدراجات النارية"، مؤكدًا أنّه يقترض الكثير من المال، من البقالات ومن الأصدقاء، فكثيرًا ما تمرّ أيامٌ لا يعمل فيها ولا يجد قيمة شراء الوقود؛ الأمر الذي جعل توفير المواد الغذائية وغاز الطهو وإيجار المنزل الذي يسكنه همًّا كبيرًا، وغيره من اليمنيين في مختلف المناطق، "فإذا وفرت شيئًا لا أستطيع توفير الشيء الآخر".
ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، لا يؤثر فقط على سائقي مركبات الأجرة والخاصة فقط، بل يزيد من سعر تكاليف النقل؛ ما يرفع من أسعار المواد الغذائية خاصة، والمواد الأخرى بشكل عام، فضلًا عن تأثيره على أسعار الكهرباء والماء.
تقليص المساعدات
لا يختلف حال صلاح علي، الذي يعيل أسرة مكونة من 5 أفراد، كثيرًا عن غيره، والذي يعمل حارسًا للأمن في أحد المولات التجارية في صنعاء، مقابل راتب شهري لا يتجاوز 40 ألف ريال يمني (60 دولارًا بسعر الصرف في صنعاء؛ 560 ريالًا للدولار الواحد)، في حين يواجه تحديات كبيرة في توفير لقمة العيش، وتأمين الحد الأدنى من مصروفات المنزل، الذي يسكنه بحي الصافية (غربي العاصمة اليمنية صنعاء).
يقول صلاح لـ"خيوط": "كل شيء بات غاليَ الثمن، راتبي لا يكفي لتغطية نفقات المنزل وتكلفة التنقل بين المنزل والعمل، وتسديد فواتير الكهرباء والماء"، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد والسلع الغذائية بشكل جنوني مع وصول فاتورة الماء التي يدفعها صلاح شهريًّا من 5 آلاف ريال إلى 10 آلاف ريال، وقفز زيت الطبخ من 1000 ريال إلى 1500 ريال.
ويحصل صلاح على مساعدة عينية من منظمة الغذاء العالمي ما بين الشهر أو الشهرين، وتسد فارقًا بسيطًا في احتياجات الأسرة، وتخفف عن كاهله، ولو القليل، مِن هَمّ توفير لقمة العيش، وهو ما يجعله يشعر بالاستياء، بحسب قوله، لإغلاق الأمم المتحدة برامجها الإنسانية بسبب انخفاض التمويل كما تؤكد، فخلال الأشهر القادمة لن يحصل صلاح والملايين من اليمنيين على الحصص الغذائية المقررة من المساعدات الإغاثية الشهرية التي تقوم بتوزيعها المنظمة الأممية.
يتحدث صلاح أنه بالكاد يستطيع توفير الخبز والفاصوليا والأرز، بينما تم الاستغناء عن الفواكه والدجاج واللحوم، وحتى وجبات العشاء لم يعد بمقدور هذا المواطن وكثير من اليمنيين توفيرها، ويختتم هذا المواطن حديثه بالقول: "ما كان فينا يكفينا، فلم يكن ينقصنا حرب روسيا في أوكرانيا، لتزيد مستويات الغلاء والمعاناة".
نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على الوضع الاقتصادي العالمي ارتفعت أسعار السلع الغذائية الأساسية، منذ بَدء العام الجاري بنسبة تصل إلى 38%، حيث سجّل دقيق القمح والزيوت النباتية أكبر الزيادات في المناطق الريفية التي كانت الأكثر تضررًا، بحسب التقرير الخاص بتوقعات الأمن الغذائي في اليمن خلال الأشهر الستة الماضية من العام 2022.
يؤكد عبدالحكيم الذي يعيل أسرة مكونة من 4 أفراد، لـ"خيوط"، أنه لا يستطيع توفير متطلبات أسرته اليومية، وكلُّ ما يحرص على تأمينه هو شراء كيس القمح، حتى لا يموت هو وأطفاله جوعًا، في ظل اعتماده على أقارب له من المغتربين في مساعدته أو إقراضه بعض المال.
وبيّن التقرير أنّ إنتاج اليمن من القمح لا يغطي سوى أقل من 10% من الاحتياجات، ولهذا تتم تغطية معظم الإمدادات الغذائية الأساسية من خلال الواردات التجارية، وهو ما جعل البلاد "شديدة التأثر بإمدادات الغذاء العالمية وصدمات الأسعار".
وقدّر التقرير أنّ مخزونات حبوب القمح في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، كافية لتغطية ما يقرب من أربعة أشهر من الاحتياجات، أما في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيين) فإنها، وإلى جانب توقعات بوصول كمية إضافية من القمح، ستكون كافية لتغطية الاحتياجات لما يقرب من ستة أشهر.
وفي ظل النقص الحاد في التمويل وتداعيات الحرب في أوكرانيا، إلى جانب التضخم المشهود على المستوى العالمي، أعلن برنامج الغذاء العالمي تقليص المساعدات إلى ما دون 50% من الاحتياجات اليومية لخمسة (5) ملايين شخص من الأكثر احتياجًا.
وأكّد البرنامج تقليص المساعدات لبقية المستفيدين البالغ عددهم ثمانية (8) ملايين مستفيد إلى نحو 25% من احتياجاتهم اليومية، كما سيتم إيقاف أنشطة تعزيز القدرة على الصمود وسُبل كسب العيش والبرامج التغذوية وأنشطة التغذية المدرسية لأربعة ملايين مستفيد، فيما سيستمر تقديم المساعدات ضمن هذه الأنشطة والبرامج لنحو 1.8 مليون شخص فقط.
وكان البرنامج يقدم المساعدات الشهرية المتنوعة المنقذة للحياة خلال الفترة الماضية لما يزيد على نصف السكان في اليمن، أي لأكثر من 19 مليون شخص، من بينهم 13 مليون من الأشخاص الأكثر احتياجًا.
تأمين الطعام
مع الحرب المستمرة في اليمن منذ أكثر من سبع سنوات، يواجه أكثر من 23 مليون شخص في اليمن الجوع والأمراض ومخاطر أخرى، بزيادة 13% عن العدد الذي سُجِّل في 2021، حسب الأمم المتحدة.
يسكن عبدالحكيم نصر، في ريف محافظة إب (وسط اليمن)، ويعمل معلِّمًا للغة الإنجليزية، يتقاضى راتبه الشهري من الأهالي، والذي يصل إلى 25 ألف ريال؛ أي ما يعادل أقلّ من 50 دولارًا، في ظل توقف المرتبات منذ نهاية العام 2016، عن نحو مليوني موظف في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين).
يؤكد عبدالحكيم، الذي يعيل أسرة مكونة من 4 أفراد، لـ"خيوط"، أنه لا يستطيع توفير متطلبات أسرته اليومية، وكلُّ ما يحرص على تأمينه هو شراء كيس القمح، حتى لا يموت هو وأطفاله جوعًا، في ظل اعتماده على أقارب له من المغتربين في مساعدته أو إقراضه بعض المال.
يملك عبدالحكيم عدة حقول تُزرع فيها الذرة والبُنّ وشجرة "القات"، ولكن مع الجفاف وشحة الأمطار الموسمية، لم يعد يجني منها سوى القليل، وبقدرٍ لا يكفي لتأمين الطعام، ولو لعدة أسابيع.
الخبز مع اللبن الطبيعي، والشاي والأرز مع مسحوق الطماطم، هي وجبات بسيطة لكنها طعامهم اليومي، ويحرص عبدالحكيم على توفيرها، إذ إن تكلفتها، باتت كبيرة خلال الفترة الأخيرة، في ظل انعدام فرص العمل، فضلًا عن عدم وجود أي مصادر أخرى للدخل.
ويرى الباحث الاقتصادي نجيب العدوفي، أنّ الحرب الروسية الأوكرانية تشكّل تحدّيًا اقتصاديًّا جديدًا أمام بلد يستورد ما نسبته 90% من احتياجاته، وخاصة القمح الذي يعدّ الغذاء الأساسي لليمنيين، والذي تصل نسبة استيراده من روسيا وأوكرانيا إلى نحو 30%، مشيرًا إلى أنّ أسعار الغذاء في اليمن ستتضاعف بصورة أكبر، وستشهد البلاد مزيدًا من حالة الجوع الذي تعيشه الآن.
يوضح نجيب لـ"خيوط"، أنّ هناك صعوبة في توفير البدائل في بلد يغرق في الحرب، خاصة بعد تقلص المساحات الزراعية وشحة المياه والتي تَحُول دون أن يكون البلد زراعيًّا بامتياز، لكن في حال توقفت الحرب، واستعادةِ مؤسسات الدولة، يمكن في هذه الحالة أن تنشط الصادرات النفطية والغازية وتغطية فاتورة الواردات الغذائية.