مديرية رازح إحدى مديريات محافظة صعدة (شمال اليمن)، وتقع في غرب المحافظة.
تقول المصادر التاريخية إنّها سمّيت باسم رازح بن خولان ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وقال الفيروز أبادي، في القاموس المحيط: ورازح أبو قبيلة من خولان، ويقصد بها إجمالًا قبيلة خولان بن عامر وقبيلة خولان (بن عامر/عمرو) في صعدة وعسير (السراة) المذكورة في نقوش ملوك همدان باسم «خولن جددن»؛ خولان الجديدة(1).
وفي تعريفه لخولان وأنسابها ومواضعها الجغرافية، يقول الهمداني، في الإكليل: "خولان العالية من أولاد خولان بن عمرو بن مالك بن الحارث بن مرة بن أدد بن عمر بن عريب بن زيد بن كهلان ابن سبأ. وهذا خلاف ما عليه خولان العالية، فهم من أول الدهر إلى آخره ينتسبون إلى حمير، ولا ينكرون أخوتهم من خولان بن عمرو بن الحاف بحقل صعدة ونواحيه. وإنما قيل خولان العالية، للفرق بين البلاد لا الفرق بين النسب، كما يقال أزد شنوءة وأزد عمان ولا إشكال في أنّ الجميع من الأزد، وكما يقال طيء السهل وطيء الجبل، وخولان الشام وخولان اليمن، وهمدان الجبال وهمدان البون، وعذر شعب وعذر مطرة وغير ذلك"(2).
تنوع مناخ منطقة رازح وتواشجها الثقافي مع مناطق عسير في المخلاف السليماني اليمني ووجودها في سلسلة جبل السراة التاريخية، جعلها تتميز بمنتوجاتها الزراعية، منها البن، وتتميز بمعمارها وزيّها وإرثها الثقافي، ومنها فنون الموسيقى والغناء الذي صار مؤثرًا في محيطه الجغرافي.
"ويبدو واضحًا تأثُّر فنّ منطقة جنوب المملكة العربية السعودية بالفن الرازحي، لدرجة تضاؤل الفروقات بينهما، خاصة مناطق جبال جيزان وعسير وجبال السراة (منطقة الباحة آخر حدود جنوب المملكة ذات الهُوية اليمانية). كما يشمل ذلك التأثر بعض أجزاء مناطق جنوب الطائف، حيث يستخدمون الإيقاع ذاته، ونفس الآلات الإيقاعية تمامًا (الزار والطارات)، وأيضًا نفس أسلوب الأداء ونفس المقامية تحت مسمى إيقاع خبيتي"(3).
وفي رازح مجموعة من المعالم التاريخية(4)، منها:
قلعة شذابة
ويرجع تاريخ تشييد القلعة إلى المرحلة الأولى للحكم العثماني في اليمن، ثم تجدّدت وتوسّعت خلال حكم الإمام يحيى بن حميد الدين، وهي من القلاع التي كانت تستخدم كمواقع عسكرية، ومراكز للحكم الإداري للدولة. والقلعة من حيث تخطيطها المعماري الهندسي عبارة عن عدة أجنحة مبنية بالأحجار المهندمة، وكانت تتكون من خمسة طوابق، ويتبع القلعة عددٌ من المرافق، مثل مدافن الحبوب، وخزانات المياه. وتقسيمات القلعة الداخلية تعكس مستوى الفنّ الهندسي الرفيع، وكذلك أخشاب سقوفها ونوافذها وأبوابها تتضمن زخارف خشبية جميلة، وما زالت بحالة جيدة، ومساحة القلعة تشغل 35 مترًا طولًا و35 مترًا عرضًا.
رغم بناء القلعة والمتماسك، فإنّ الإهمال الطويل وغياب الصيانة، قد أدّى إلى انهيار الدور الخامس بفعل الأمطار الغزيرة، وتواصَلَ الدمار إلى انهيار أجزاء كبيرة من الدورين الرابع والثالث، ولا تزال أجنحتها في الدور الأول والثاني قائمة. وفي الوقت الحالي بعض أجزاء القلعة مهجور ومعرّض للخراب، وأجزاؤها الأخرى تشغلها وزارة الدفاع كموقع عسكري، وجناح منها تابع لوزارة الداخلية يستخدم كسجن، وبعضها الآخر مركز لإدارة المديرية، ومكاتبها والمرافق الخدمية التابعة للقلعة يستخدمها حاليًّا أفراد الجيش.
قلعة حرم
تقع قلعة حرم في رأس جبل حرم بالجهة الغربية منه، ويعتبر هذا الجبل أعلى قمة في محافظة صعدة، ويرجع تاريخ القلعة إلى المرحلة الأولى من الحكم العثماني، وفي عهد الإمام يحيى بن حميد الدين تم إضافة بعض المنشآت التابعة للقلعة، مثل تجديد وتوسيع خزانات المياه. وتحصينات القلعة غاية في الجمال، وفي الجهة الغربية من مبنى القلعة تقع البوابة الرئيسية، وغرف الحراسة، وثلاث صالات واسعة، ومنها إلى المجلس الرئيسي للاستقبال، ويتبع القسم الغربي من المبنى: خزانات مياه مبنية بالأحجار والقضاض، ومسجد، ومخازن للعتاد العسكري والتموين، وفي وسط القلعة يقع المبنى المخصص للسكن، وهو مكون من خمسة طوابق يحتوي على ثلاث غرف، ويتبعه مدخل خاص تحيط به ثلاث أبراج للحراسة، ومخازن حول القلعة وغيرها، وتطلّ قلعة حرم على مناظر طبيعية جميلة مزينة ببساط أخضر على مدار العام، نظرًا لهطول الأمطار على مديرية رازح معظم فصول السنة، وتزداد غزارةً في فصل الصيف؛ لذلك تبدو المدرجات الزراعية الخضراء والقرى المتناثرة حولها بنمطها المعماري المتميز، كسندس مطرز بالعقيق يعكس لوحة جمالية غير قابلة للتكرار. وعند سفح جبل حرم يقع سد الزريبة، وهو معلم هامّ يرجع تاريخه إلى القرن الخامس الميلادي، حسب ما يشير النقش بخط المسند الموجود أعلى السد، وتبلغ أبعاد السد 27 مترًا طولًا، و27 مترًا عرضًا، وكان السد عبارة عن منشأة ري متكاملة يتبعه قنوات وتوزيع المياه ومنافذ مخارج المياه، ويبدو أنّ حوض السد مقسوم إلى نصفين ومدرج من الداخل، وربما كان يتبعه نظام دقيق لتوزيع المياه بشكل عادل لكل القبل المستفيدة منه، وحاليًّا تشغل المواد المترسبة في حوضه جزءًا كبيرًا من طاقته الاستيعابية للمياه؛ مما يدلّ على أنّ السدّ عميق، وستكشف أعمال التنقيب الأثري في هذا السد ومحيطه عن معلومات تاريخية ذات قيمة حول نظام الري القديم الذي كان متبعًا، ولا يزال السد بحالة جيدة، ويؤدي جزءًا من وظائفه، وبحاجة إلى ترميمات وصيانة، وقبل الوصول إلى موقع السد يلاحظ بقايا أطلال لمبانٍ سكنية وبقايا سور تتخلله أبراج حراسة، ولم يبقَ منها حاليًّا سوى أساسات المنشآت القديمة.
مبنى الدامغ
يقع حصن قصبة الدامغ في قمة جبل الدامغ (جنوب رازح)، ويتبع حاليًّا عزلة الأزد، ويرجع تاريخ الحصن إلى الفترة الأولى للحكم العثماني، وتجدّدت وتوسّعت مرافقه خلال حكم الإمام يحيى بن حميد الدين، وتخطيط مبنى الحصن بشكل دائري، ويتكون من أربعة طوابق، قوام بنائه الأحجار المهندمة، ويتبع الحصن عدد من مدافن الحبوب، وخزانات المياه عبارة عن برك مبنية بالأحجار والقضاض يعلوها عقود جميلة.
حصن الحجلة
يقع الحصن شرق عزلة الحجلة، ويرجع تاريخه الأول إلى الفترة الأولى للحكم العثماني، ثم تجدّد في فترات لاحقة كان آخرها، خلال حكم الإمام يحيى بن حميد الدين، ويتخذ تخطيطه المعماري الشكل الدائري، ويتكون من أربعة طوابق، قوام بنائه الأحجار المهندمة، وتحصينات المبنى عديدة، وله بوابة واحدة، ويتبع الحصن مرافق خدمية، وأهمها خزانات المياه العديدة الموجودة في محيطه، وعند سفوح الجبل سد، ومن قمة هذا الحصن يمكن رؤية شواطئ البحر الأحمر، ويحيط بمبنى الحصن مساحة واسعة للاستراحة.
جامع الكفل
يقع جامع ذي الكفل في قرية "شاهر الحنش" منطقة الحجلة- مديرية رازح، ويرجع تاريخه إلى بداية العصر الإسلامي، ويعتبر من المساجد الأثرية الهامّة لما يحتويه من روائع الزخارف الفنية الإسلامية على واجهات جدرانه، وفي محيط المحراب في جدار القبلة تزداد الزخارف الفنية كثافة، بالإضافة إلى الكتابات الإسلامية القديمة، ويتبع هذا الجامع مرافق لخزن الماء.
لا يزال الجامع بحالة جيدة ويؤدّي دوره ويَؤُمّه المصلون من كافة المناطق المجاورة لأداء صلاة الجمعة فيه، ولكن جانب الزخارف والفنون الرائعة فيه تقادَمَ عليها الزمن، وبحاجة إلى ترميمات أثرية بصورة علمية، بحيث لا تخلّ بجوهرها وطابعها القديم.
وادي دهوان
يقع وادي دهوان في عزلة النظير، ويعتبر من أجمل المواقع السياحية في مديرية رازح، ويشتهر بإنتاجه الوفير من المزروعات، وأهمها: الموز، ومحصول البن، وفيه المياه جارية على مدار العام بشكل غيول وينابيع، وتعتبر عزلة النظير الأكثر كثافة سكانية دون غيرها من العزل، وتتمتع بعوامل جذب سياحية عديدة، تتمثل بقرية النظير بنمطها المعماري السائد قوام عمارتها الأحجار، وكان يوجد فيها مسجد تاريخي قديم لكنه تهدّم، وتم إنشاء مسجد جديد على إثره.
المصادر والمراجع:
(1) ينظر الموسوعة اليمنية، الجزء الأول من الطبعة الأولى، ص 438، والجزء الثاني من الطبعة الثانية، ص 1277 وما بعدها.
(2) كتاب الإكليل، أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داوود بن سليمان الأرحبي البكيلي الهَمْداني، (10/ 293).
(3) تغريبة الغناء الرازحي، انشطار التراث الغنائي على تخوم الجغرافيا السياسية، محمد الهجري - "خيوط"، 28 مارس 2020.
(4) نتائج المسح السياحي في الفترة (1996-1999م)، الجزء الثاني، محافظة المحويت، محافظة حَجّة، محافظة صعدة.