في شارع النصر بسعوان شمالي شرقي صنعاء يقف إبراهيم الحميدي (30 عامًا) وأمامه قدر كبير مليء بالزيت وبجانبه منضدة مصنوعة من الزجاج تستخدم لحفظ وعرض "السمبوسة" التي يعمل على إنتاجها في موسم رمضان، إذ يزيد الطلب عليها بشكل كبير.
الحميدي اقترض مبلغًا من المال لشراء هذه المعدات التي يعمل عليها لإنتاج وجبة "السمبوسة"، وبيعها للمارة في هذا الرصيف الذي يعمل عليه بمنطقة "سعوان" حيث يصطف، إلى جانبه، عدد من الباعة الجائلين لمنتجات وسلع ووجبات مختلفة، إذ يمثل ذلك، وفق حديث إبراهيم لـ"خيوط"، مصدر عملٍ موسميا يحاولون استغلاله بالرغم من الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها الجميع في اليمن.
تقوم أخوات الحميدي بعجن وإعداد رقائق "السمبوسة" في المساء، ومن ثم يتم حشوها، قبل فرزها، باللحم المفروم أو الجبن أو العدس، في حين يقوم إبراهيم في النهار بالعمل على تحضيرها وقليها بالزيت وبيعها للناس خلال الفترة التي تسبق موعد إفطار الصائمين.
يشير الحميدي إلى أن سعر القطعة الواحدة من "السمبوسة" تتراوح بين 30 إلى 100 ريال بحسب الحشوة المطلوبة، ويصل صافي ربحه اليومي كما اعتاد في مثل هذه الفترة من شهر رمضان التي يحرص فيها على العمل في الرصيف لبيع "السمبوسة" إلى 30 ألف ريال، بالرغم من تأرجح هذا المبلغ هذا العام وعدم استقراره وانخفاضه في بعض الأيام. فهو يتقاسم ما يجنيه من عمله في هذا المجال مع شقيقاته اللاتي يشتركن معه في هذا العمل. وقد أوضح أن العمل بهذا المشروع غير مجزٍ في الأشهر الأخرى.
تنتشر بشكل لافت مثل هذه الأعمال الرمضانية لإنتاج وجبة "السمبوسة" في مختلف شوارع وأرصفة صنعاء، إضافة إلى أن هناك محلات تجارية معروفة ومشهورة في العاصمة اليمنية تحظى بإقبال كبير خلال أيام هذا الشهر لشراء "السمبوسة" التي يلاحظ ارتفاع أسعارها من عام لآخر، إذ يصل سعر "الحبة" الواحدة في هذه المحال التي تبيعها إلى نحو 70 ريال.
لجأ كثير من اليمنيين للبحث عن عمل في ظل أوضاع متردية مع تدهور الاقتصاد والعملة المحلية وانعكاس ذلك في زيادة الفقر والبطالة إلى مستويات قياسية، إذ اتخذ البعض من الشوارع ملاذا للهروب من هذا الواقع الصعب للعمل بائعا جائلا في ظل تنامي ظواهر أخرى مثل التسول والتشرد وعمالة الأطفال الصغار
تكتظ شوارع صنعاء بالباعة الجائلين الذين يفترشون الأرصفة لبيع أصناف مختلفة من السلع والمنتجات التي لا تتوقف عند حدود السلع والمنتجات الغذائية "كالسمبوسة" بل تشمل أصنافا متعددة من المشروبات والحلويات والملبوسات وغيرها من السلع والمنتجات التي تحظى برواج في شهر رمضان.
ويؤكد خبراء اقتصاد أن معظم السكان في اليمن يعيشون على الكفاف، خصوصًا الأسر الفقيرة والفئات الضعيفة وفي مقدمتهم موظفو الدولة المحرومون من مرتباتهم لأكثر من ثماني سنوات، إضافة إلى صغار المزارعين والصيادين والعمال وأصحاب المحال والدكاكين الصغيرة والبسطات في الحضر والريف.
التخلص المؤقت من البطالة
في شارع آخر بمنطقة "سعوان" يقف سامي أحمد (28 عامًا) أمام منضدة خشبية قام بإنشائها من أجل عرض "قنينات" بلاستيكية بها عصائر مختلفة وبيعها للمارة، وعلى المنضدة توجد عصارة كهربائية يستخدمها لعصر المزيد من أصناف المشروبات في حال كان هناك طلب عليها.
يقول أحمد في حديثه لـ"خيوط"، إنه يفترش هذا المكان كل عام في شهر رمضان فقط، ويبيع العصائر للناس، إذ يعتبر رمضان بالنسبة له موسماً للعمل، في حين يظل يبحث عن عمل من مكان إلى آخر بقية أشهر العام، وفي معظم الأحيان يبقى عاطلًا.
يضيف أن تكاليف مشروعه الرمضاني محدودة للغاية، إذ إنه لا يحتاج سوى بعض الفاكهة التي يشتريها من أحد أسواق الجملة، ومسحوق عصائر وماء وسكر وثلج وكهرباء.
في كل عام يعمل أحمد على شراء كميات قليلة من هذه المواد في بداية شهر رمضان، ومع مرور الوقت يكسب أكثر وبالتالي يضاعف من شراء المواد التي يصنع منها العصائر. هو يبيع "قنينة" المشروب الواحدة (0.75 لتر) بأسعار متفاوتة باختلاف نوعية العصير، إذ تبدأ أسعار بعض الأصناف بمبلغ 100 ريال، وتصل في بعض الأحيان إلى 1000 ريال، لافتًا إلى أنه يكسب يوميًا مبلغا لابأس به يصل إلى نحو 20 ألف ريال، وقد يزيد أو ينقص معتمدًا على طلب العصائر على حد قوله.
ويعيش اليمن ظروفا وأوضاعا اقتصادية وإنسانية صعبة بفعل الصراع الدائر في البلاد منذ العام 2015، حيث يعاني غالبية السكان من أوضاع معيشية متردية مع انقطاع الرواتب وفقدان الكثير لسبل عيشهم المتاحة.
ولصعوبة الحياة المعيشية لجأ كثير من اليمنيين للبحث عن عمل في ظل أوضاع متردية مع تدهور الاقتصاد والعملة المحلية وانعكاس ذلك في زيادة الفقر والبطالة إلى مستويات قياسية، إذ اتخذ البعض من الشوارع ملاذا للهروب من هذا الواقع الصعب للعمل بائعا جائلا في ظل تنامي ظواهر أخرى مثل التسول والتشرد وعمالة الأطفال الصغار.
بالمقابل، يُعدّ شهر رمضان شهرًا خاصًا وفريدًا في اليمن، فهو يزخر بالعديد من العادات والتقاليد، ويُساهم في انتعاش بعض المهن الموسمية التي تُعدّ مصدر رزق للكثير من اليمنيين.
وينتظر كثير من الشباب اليمنيين العاطلين عن العمل حلول شهر رمضان للعمل في مهن موسمية تلاقي رواجًا كبيرًا خلال الشهر، وتُدرّ أرباحًا جيدة على أصحابها. في المقابل فإن العمل يتراجع عامًا بعد آخر منذ العام 2015 مع بداية الحرب والصراع في البلاد، إذ طالت هذه التبعات مختلف سبل عيش اليمنيين.
أعمال رمضانية
تشهد اليمن وضعًا إنسانيًا صعبًا، إذ تصنف الأمم المتحدة اليمن بأنها تعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج أكثر من 80% من السكان إلى المساعدات الإنسانية، وقد أدت الحرب والوضع الإنساني الصعب إلى توسع فجوة البطالة بشكل غير مسبوق. غير أن هناك محاولات شتى يقوم بها البعض لا سيما العاطلين عن العمل لكسر هذه الفجوة والعمل في شهر رمضان.
يقول عبد الرحمن الحبيشي لـ"خيوط" إنه تشارك مع صديقه من أجل عمل بسطة خضار في أحد شوارع صنعاء وقد عملا على إنشائها منذ منتصف شعبان استعدادًا لقدوم رمضان وتوفير الخضار والفواكه للناس طيلة الشهر وذلك لزيادة الطلب في رمضان.
يضيف الحبيشي أنه يعمل ببيع الخضروات والفواكه خلال شهر رمضان فقط، وأن العمل بهذه المهنة تحديدا في بقية الأشهر بالنسبة له مخاطرة ، لأن أسعار الخضار والفواكه غير مستقرة وقد تفسد المنتجات المعروضة بسبب قلة الطلب عليها، ومن جراء ذلك يتعرض للخسارة الأكيدة على غير الحال في رمضان.
لا يقتصر العمل في أرصفة الشوارع والأحياء والأسواق على الرجال والأطفال فقط؛ بل يمتد إلى النساء أيضًا اللواتي أصبحن يتحملن مشقة العمل وعناء الحال لا سيما مع اشتداد الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها غالبية السكان
بالرغم من تراجع الطلب على الخضروات والفاكهة في رمضان من عام لآخر، فإن العمل في بيعها خلال هذا الشهر يجذب الكثير من العاطلين، بالنظر إلى أنها توفر دخلا مهما كان مستواه، سواء كان متوسطا أو ضئيلا، لكنه ميزته أنه يتم بشكل يومي وفق البائع الحبيشي.
ويرى كثير من الناس أن رمضان موسم للرزق والعمل، وهو ما يجعل البعض يقومون بأعمال مؤقتة تحكمها طبيعة الشهر، وتدر عليهم دخلًا وفيرًا، ولعل أبرز هؤلاء المتلهفين الشباب العاطل عن العمل، وأرباب الأسر من ذوي الدخل المحدود. فهؤلاء يعتبرونها فرصة للتجارة في المواد الغذائية والفاكهة وغيرها من السلع التي يكثر الطلب عليها في رمضان.
وفي هذا الشهر يستفيد بعض اليمنيين من إقبال المواطنين على الإنفاق لشراء حاجياتهم من المواد الغذائية ومتطلبات المائدة الرمضانية، وتتحول شوارع المدن وأرصفتها إلى أسواق تزخر بالحلويات والعصائر وأعواد السواك وغيرها من السلع التي يقبل عليها الصائمون. كما يفضل كثيرون الأعمال الحرة والمشاريع الصغيرة على العمل عند آخرين، وعادةً ما يكون العاطلون عن العمل هم من يبتكر تلك المشاريع والأعمال، الأمر الذي يؤدي إلى انتعاشها بموازاة النشاط التجاري في المحال الكبرى، سواءً تلك التي تبيع المواد الغذائية أو الملابس، وتحقق ربحًا وفيرًا بمجرد عرض البضائع سواء على الأرصفة أو على عربات متحركة، ولا يقتصر الأمر على العمل في المأكولات والمشروبات فقط، بل في الحلوى والملابس وغيرها.
فرصة للنساء
لا يقتصر العمل في أرصفة الشوارع والأحياء والأسواق على الرجال والأطفال فقط، بل يمتد إلى النساء أيضًا اللواتي أصبحن يتحملن مشقة العمل وعناء الحال، لا سيما مع اشتداد الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها غالبية السكان.
ودفعت هذه الظروف والأوضاع النساء أيضًا إلى أرصفة الشوارع من أجل العمل، إذ تقول سحر أحمد لـ: "خيوط"، إنها تستغل رمضان من أجل بيع اللحوح للناس وتكسب من ذلك مبالغ مالية لا بأس بها تعينها على مساعدة أسرتها من أجل دفع إيجارات السكن وشراء مستلزمات رمضان، إضافة إلى توفير ما أمكن من مستلزمات معيشية ضرورية، مؤكدًة أن رمضان يعتبر مكسبًا لها رغم زيادة النساء العاملات في هذا المجال بشكل كبير وغير مسبوق.
بجانب سحر تعمل شقيقتها في بيع الحلوى بمختلف أشكالها بعد أن تقوم بإعدادها وتجهيزها في المنزل، إذ يعتبر العمل في بيع الحلوى والمقبلات والمعجنات من الأعمال والمهمة المنتشرة في رمضان والتي لا تكاد تخلو مائدة منها، الأمر الذي يجعل الطلب عليها كبيرا طوال الشهر، ويدفع كثير من النساء للعمل بها.