يعد رمضان موسمًا للخير وفرصة للتكافل والتراحم بين الناس، إذ ما أن تبدأ أول أيامه إلا ويشرع الخير أبوابه على المحتاجين والفقراء، وتنشط فيه العديد من المبادرات الخيرية المرتبطة به، إن لم تقتصر عليه في كثير من الأحيان وتنتهي بنهايته.
عشرات المبادرات والنشاطات التي تتزامن مع شهر رمضان في اليمن، خصوصًا خلال السنوات الأخيرة التي رافقها أيضًا تزايد في أعداد الفقراء والمحتاجين الذين بلغت نسبتهم أكثر من 80% ويمثلون أكثر من نصف السكان بحسب تقرير للأمم المتحدة؛ التقرير أشار إلى أن هؤلاء يحتاجون إلى حماية ومساعدات إنسانية عاجلة.
في السياق ذاته، أشار مؤتمر "دعم الاستجابة الإنسانية في اليمن؛ سباق لإنقاذ الأرواح" أنه من المتوقع أن يعاني أكثر من 16 مليون شخص من الجوع خلال سنة 2021، وأن ما يقرب من 50 ألف يمني يتضورون جوعًا إلى حدّ الموت في ظروف تشبه المجاعة، بسبب ظروف الحرب والحصار والانهيار الاقتصادي وغياب الرواتب والعديد من الأزمات".
هذا وينتظر الكثير من أصحاب الدخل المحدود والمعدمين والنازحين شهر رمضان، للحصول على مساعدات ومعونات ومواد غذائية تسد بعضًا من حاجتهم وتعينهم على تحمل المزيد من الأيام الشاقة، بالتوازي مع مواظبة قلة من التجار ورجال الأعمال على دفع زكاة أموالهم والتسابق إلى الخير ومد يد العون للمستحقين، في المقابل هناك من يتخذ من شهر رمضان فرصة للتكسب الشخصي والربح، مستغلًّا حاجة هؤلاء الفقراء، لتحقيق مصالحه الذاتية باسم المحتاجين.
هناك مبادرات تسيء للعمل الإنساني وتمارس الاحتيال تحت مظلته، مستغلة طيبة اليمنيين وتسابقهم في فعل الخير، حيث تقوم بعض هذه المبادرات بجمع مبالغ ضخمة من التجار ورجال الأعمال والمتبرعين، لكنها تصرف جزءًا كبيرًا منها على مصروفات شخصية أو على مشاريع خيرية وهمية
مشكلة لا حل!
يمكن أن تصبح عشرات المبادرات الرمضانية الموسمية مشكلة بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل وموسميتها أول الأسباب.
أمل حميد، شابة تعمل في المجال الخيري التطوعي في مؤسسة خيرية، عاملة طوال العام، تشكو لـ"خيوط" من المنافسة غير العادلة للمبادرات الموسمية الرمضانية على حساب المؤسسات والجمعيات المتخصصة بالعمل الإنساني الدائم، وبحسب حميد فإن هذه المبادرات الموسمية تضر بعملهم، من حيث الحصول على الدعم أو تنظيم عملية توزيع المساعدات.
وتقول حميد إن هناك مبادرات تسيء للعمل الإنساني وتمارس الاحتيال تحت مظلته، مستغلة طيبة اليمنيين وتسابقهم في فعل الخير، حيث تقوم بعض هذه المبادرات بجمع مبالغ ضخمة من التجار ورجال الأعمال والمتبرعين، لكنها تصرف جزءًا كبيرًا منها على مصروفات شخصية أو على مشاريع خيرية وهمية، كتقديم المساعدات لأقرباء ومعارف، وليس لمحتاجين حقيقيين، وتحتفظ ببقية الأموال -التي هي حق لهؤلاء المحرومين- لنفسها بعد انتهاء رمضان.
ويرى بعض العاملين في المجال الإنساني أن المبادرات الرمضانية، رغم كونها صورة فريدة لرمضان وسمة لروحانيته، إلا أنها قد تخلق مشكلات في استيعاب المحتاجين الذين يطالبون الجمعيات والمؤسسات باستمرار دعمهم كما في رمضان، ويتهمونها بسرقة الأموال التي يتبرع بها الخيّرون.
انعدام الثقة
يؤكد محمد عبدالجبار، تاجر، أنه لا يثق في كثير من المبادرات؛ لأنها لا تأخذ طابعًا رسميًّا ومنظمًا، ثم بسبب كثرة هذه المبادرات التي أصبحت شكلية في الغالب ولا تصل للمحتاجين الحقيقيين، بالإضافة إلى أن العاملين فيها يستغلون اسم الفقراء لجني مكاسب شخصية.
ويضيف عبدالجبار لـ"خيوط" أنه يضطر في بعض الأحيان لإرسال أحد موظفيه الموثوقين لمرافقة أصحاب المبادرات أثناء شراء المساعدات وتسليمها للمحتاجين للاطمئنان أن تبرعاته ذهبت لمن يستحق.
فيما يذهب الكثير من الفقراء والمحتاجين للقول إنهم في حاجة للحصول على عمل ومصدر دائم للدخل أكثر من حاجتهم للحصول على وجبات إفطار يومي في رمضان، أو سلة غذائية لا تمنع عنهم ذل الحاجة، انطلاقًا من مبدأ "لا تعطني سمكةً، بل علمني كيف أصطاد". في الوقت الذي يعاني فيه العمل الإنساني في اليمن من العشوائية وعدم التنظيم في الاستهداف وغلبة الموسمية في ظل حاجة الناس المستمرة طوال العام، خصوصًا مع ظروف العيش الصعبة والمعدومة في كثير من الأحيان.
وعلى الجانب الآخر برزت مبادرات ممتازة وبأفكار إبداعية ساهمت كثيرًا في إعادة الزخم المجتمعي والثقة في العمل الإنساني كمبادرة "من الناس إلى الناس"، لـ"نجيب الحجي" المغترب اليمني الذي يصوم أول رمضان له في اليمن منذ ثلاثة عشر عامًا، وقرر المشاركة في التخفيف من معاناة أبناء وطنه بمبادرة ترتكز على جمع الطعام والمال من الناس وإعطائه للفقراء، بشفافية كاملة؛ حيث يضع كل المستجدات على حسابه بالفيسبوك ويطلع الجميع على تفاصيلها، وغيرها من المبادرات المؤسساتية والشبابية المنظمة والذاتية التي تتنوع في أفكارها وأساليب عملها، كمشاريع إفطار الصائمين الفردية بتوزيع التمر والماء للمشاة في الجولات والمسافرين خارج المدن، ومشاريع المطابخ الخيرية، وبنوك الطعام.
ويبقى أصعب ما يواجه العمل الإنساني والخيري عمومًا في اليمن، هو استنزاف قدرات الشباب في العمل التطوعي، وغياب الرؤى الإدارية لتحويل العمل الخيري من مرحلة تقديم المساعدات إلى مرحلة تنمية المجتمعات الفقيرة وتأهيلها للاكتفاء الذاتي، وكيفية خلق مجتمعات منتجة وليست مستهلكة، والتخلص من ثقافة الاهتمام بظواهر المشاريع التي تستهدف العواطف وإهمال المشاريع ذات الأثر البعيد والأنفع للمستفيدين.