يتمسّك الناس في محافظة شبوة، بعادات وتقاليد رمضانية متميزة؛ تعبيرًا عن تعظيمهم لهذا الشهر الذي توارثوا من أجله كثيرًا من الطقوس منذ القدم، ليحتفلوا به ويستشعروا عظمته، بغض النظر عن اختلاف الظروف المعيشية للمواطنين بسبب الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد، عما كانت عليه في السابق، إلا أنّ هناك من يصرّ على ممارسة العادات الرمضانية المتوارثة قدر المستطاع، وابتكار طقوس جديدة على المجتمع الشبواني، كتعليق الزينة في الحواري والمنازل، وتخصيص ملابس معينة تتزين بها النساء والفتيات، وكثير من الفعاليات الاجتماعية والدينية التي تقام على مدار أيام الشهر الفضيل.
تمتاز ليالي رمضان في شبوة بأجواء ممتلئة بالأنس والتجمعات العائلية وزيارات الأصدقاء، ويهتم الناس بالترتيب المسبق لزياراتهم التي تتسم بالحكايات للكبار والصغار، واللعب لتمرير الوقت، والحزاوي (الألغاز) التي يتبادلها الحاضرون في الأمسيات التي تقام للشباب خارج المنازل وبجانب الطرقات؛ لذلك يكون ليل رمضان في شبوة مليئًا بالحياة في المناطق والقرى المجاورة للمدينة؛ أما المدينة فلا تفتر عن الحركة والزحمة والتسوق، ولا تهدأ إلا بعد الفجر، في محاولة لتجاوز الانهيارات الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها البلاد، وتلبيه لمتطلبات المعيشة.
عادات تقاوم غلاء المعيشة
تشكّل الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية تحديًا كبيرًا أمام المواطنين داخل محافظة شبوة في رمضان، فالحالة الاقتصادية تشهد تدهورًا شديدًا للأوضاع المعيشية مع الارتفاع الجنوني للعملات الأجنبية مقابل الريال اليمني، وعودة المغتربين التي تعد من أكبر المشكلات في المحافظة؛ نظرًا لقلة فرص العمل، وهو ما شكّل ضغطًا كبيرًا للقيام بالمسؤوليات اليومية للناس تجاه أنفسهم ومناسباتهم، خاصة في موسم رمضان والأعياد.
الحياة الاجتماعية للمجتمع داخل شبوة، ذات طبيعة بسيطة غير متكلفة، وهذا ما يمنح الآخرين الشعورَ بالألفة داخل المحافظة، خاصة القادمين من مناطق محافظات أخرى، لكن تلك البساطة بدأت تتغير إلى تكلف مريب في أحيان كثيرة، من خلال محاولات اتّباع طقوسٍ جديدة لم تكن موجودة في السابق.
يقول الدكتور أحمد صالح عبدالحق، محلل اقتصادي من شبوة: "لاحظنا تغيرًا طفيفًا في العادات والطقوس المتعلقة بشهر رمضان، مما يعني أنّ المواطن ما زال يقاوم من أجل المحافظة على هذه الطقوس التي تميز رمضان عن غيره من الأشهر".
خاصة -بحسب حديث عبدالحق، لـ"خيوط"- أنّ الوضع المعيشي في تدهور، يومًا بعد آخر، بشكل عام، وشبوة بشكل خاص، والأسباب كثيرة، أهمّها: انهيار العملة المحلية، وارتفاع تكاليف التأمين والنقل للمستلزمات السلعية والمشتقات النفطية إلى اليمن، ونظرًا لإقبال المواطنين في رمضان على تنويع الأصناف التي يتم شراؤها من السلع الأساسية والاستهلاكية، وزيادة الطلب على هذه الأنواع من السلع، أدّى إلى زيادة ملحوظة في الأسعار.
يضيف: "أقامت السلطة المحلية مخيمًا رمضانيًّا خلال الأسابيع الماضية لدعم السلع التي يحتاجها المواطن خلال شهر رمضان، حيث وصل التخفيف إلى حوالي 30% في بعض السلع، أيضًا تقوم السلطة المحلية في شبوة بمراقبة الأسعار بين وقت وآخر".
إضافة إلى ذلك، فإنّ المبادرات الخيرية والتجار في محافظة شبوة، يقومون بدعم الأُسَر المحتاجة والمتأثرة بهذه الأوضاع، وإقامة مشاريع إفطار خيرية للصائمين، وهذا يخفف من وطأة الأوضاع بصورة نسبية على الناس.
من جانبه، يقول علي بافتاح، من أهالي شبوة، لـ"خيوط": "مع وجود هذه الظروف التي نعيشها، يظلّ مجتمعنا الشبواني متماسكًا بعضه ببعض، ونعيش رمضان بعاداتنا وتقاليدنا، ولو بإمكانيات بسيطة، فنحن على سبيل المثال لدينا عادات مجتمعية مهمّة، مثل (العزَام) أي الترحيب، ونشاهد أهل شبوة يتسابقون إلى (العزَام) على المسافرين وعابري السبيل، حيث تُعَدّ موائدُ إفطارٍ لهم.
في حين يقف الشباب على مداخل المدن ومخارجها بالإفطار "السَّفَري"، فضلًا عن معاملة الناس لبعضهم بالتكافل، وتعاهد الجيران بالوجبات والاحتياجات.
يتابع علي: "شبوة من أكثر المناطق التي تحاول الحفاظ على عاداتها وتقاليدها، رغم ما خلّفته الحرب من دمار ونزوح وتدهور معيشي، لكنّنا متمسكون قدر الاستطاعة بعاداتنا، مع أنّ التغييرات التي أصابت المجتمع "حدِّث ولا حرج"؛ بسبب زيادة الاستهلاك في المأكل، والالتزامات المنزلية الرمضانية، وغيرها الكثير".
مخاوف وقلق
الحياة الاجتماعية للمجتمع داخل شبوة، ذات طبيعة بسيطة غير متكلفة، وهذا ما يمنح الآخرين الشعورَ بالألفة داخل المحافظة، خاصة القادمين من مناطق محافظات أخرى، لكن تلك البساطة بدأت تتغير إلى تكلف مريب في أحيانٍ كثيرة، من خلال محاولات اتّباع طقوس جديدة لم تكن موجودة في السابق، وهذا ما يقلق المعلمة صباح عبدالله، حيث قالت لـ"خيوط": "بدأت تظهر عادات مجتمعية دخيلة على مجتمعنا، وهذا ما لاحظته من خلال مشاهدة الطريقة التي نعيش فيها الآن في رمضان؛ البذخ في تقديم الأكل، وتصويره، وتبادل الوصفات من قبل حلول رمضان، والتجهيزات من ملبس وزينة شخصية ورسومات تعبيرية، وتبادل الهدايا الغالية بين الفتيات، والأنشطة المكلفة.
إضافة إلى هوس التسوق الذي يسيطر على الناس، في ظل ضآلة الإمكانيات واضطرار كثيرٍ من الناس، ولا سيما الموظفين الحكوميين، إلى الاقتراض من أجل هذه التفاصيل المرهقة، التي أصبحت تشكّل عبئًا يجبر الناس على الانجراف نحو مثل هذه الممارسات، واتباع تقاليد جديدة؛ كلها أمور مقلقة تشير إلى أنّ رمضان خرج من الإطار الذي جاء فيه؛ وهو الشعور بالآخرين، وممارسة الروحانيات، والاهتمام بصحة الجسم".
بينما ترى مريم، معلمة من سكان شبوة، في حديثها لـ"خيوط"، أنّ الناس أصبحوا في سباق إثبات لأنفسهم بأنّ هذه هي الحياة الطبيعية، وتأثروا بمواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "إنستغرام" وحياة الزيف، كما يلاحظ ذلك على بعض الشابات، إذ تعتبر مريم ذلك أمرًا مقلقًا، وتضيف: "لاحظت طالباتي كيف يتحدثن عن أمور يعيشها المشاهير باهتمام، سواء في رمضان أو غيره".
في المقابل، تعتبر لمياء العولقي، هذه العادات الجديدة طبيعية، كما تقول لـ"خيوط": "طبيعي أن نتأثر نحن الجيل الجديد والشاب بعادات الآخرين وطريقة حياتهم، مثل التأثر بمثل ما هو قادم من الخليج؛ نظرًا للقرب الجغرافي، ووجود كثير من المغتربين هناك، إضافة إلى حضورهم الكثيف على (إنستغرام)".
تضيف لمياء: "نحن جيل منفتح على كل مختلف، وهذا لا يعني أننا لا نحترم عادات وتقاليد شبوة، خاصة تلك المتعلقة بالمناسبات، بل على العكس؛ نُضفي عليها روحًا إضافية"، في حين تشعر عائشة بالحنين لرمضان "زمان" عندما كانت طفلة، حيث تتسم أجواؤه بالبساطة والألفة، مضيفةً: "لا أنكر وجود مثل هذه الأجواء حاليًّا، لكن كل زمن له مميزاته".
يسعى الناس في شبوة لاقتناص الفرص ليعيشوا لذة الحياة، والمشاعر الدينية والاجتماعية، متحدّين بذلك الأحداث اليومية في إطارهم الجغرافي، أو ما يدور في عالمنا المتسارِعة أحداثُه، وكذا الأزمات التي ترافق شهر رمضان، مثل: انقطاعات الكهرباء، وزيادة الأسعار، وارتفاع أفق متطلبات الحياة، واللحاق بالتسارع المقلق للمجتمع في استحداث نمط المعيشة، فذلك لم يمنع الناس من التمسك بطقوس شهر رمضان.