محمد جسار & رشيد سيف
لمدينة عدن خصوصية رمضانية لا تضاهيها أي مدينةٍ يمنية أخرى؛ فالعادات التي تأصلت لدى سكان المدينة، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من عادات شهر رمضان، إذْ ما يزال المجتمع العدني محافظًا على كثير من طقوسه الثقافية والتراثية الخاصة بشهر رمضان، رغم ما تمر به البلاد من ويلاتٍ قاسية على مختلف الأصعدة.
وبحكم تنوعها السكاني، وتعدد المراحل التاريخية التي عاشتها المدينة منذ عقود طويلة على الصعيد الديني والثقافي والعرقي؛ ترك ذلك بصمة إيجابية لا تزال تتجدد وتُمارس كطابع فريد من نوعه طوال العام وفي رمضان تحديدًا.
وتبدأ ممارسة الطقوس الرمضانية في مدينة عدن منذ أواخر شهر شعبان، حيث تباشر الأسر العدنية استقبال شهر الصيام بالزينة والفوانيس التي تعلق في حارات ومنازل المدينة، إلى جانب الاستعداد للتسوق بُغية توفير متطلبات "السفرة العدنية الرمضانية"، التي تمتاز بأصنافها عن باقي المحافظات، مع وجود تشابه نسبي.
سفرة رمضانية مميزة
بينما يتأهب الصائمون بمدينة عدن، لإعداد موائد الإفطار، يخرج حسين علي عصر كل يوم إلى السوق، لبيع "اللّحُوح" (نوع من الخبز) الذي تصنعه أخته. يقول حسين لـ"خيوط": "إنّ رمضان هو شهر العمل والعبادة، وقد تعودت صغيرًا على الصيام والعمل الجزئي في نهار رمضان في بيع اللحوح في السوق".
في نهار رمضان تكاد لا ترى أي إنسان في الطرقات حتى ما قبل وقت العصر، ومن ثم يبدأ الازدحام في الأسواق لشراء اللحوح التي تعد بها وجبة "الشفوت" الرئيسية على الإفطار، وبعض العناصر الرئيسية للسفرة الرمضانية العدنية، كالسنبوسة والباجية و"المدربش".
وتكثر الوجبات الهندية في سفرة الإفطار العدنية، خاصة الحلويات التي تُحضَّر بشكل مستمر في رمضان، خاصة في بعض المناطق، مثل: صيرة، كريتر (عدن القديمة)، التواهي، المعلا.
وتعد حلوى "البدامي"، إحدى أبرز الحلويات التي تبذل نسوة المدينة جهدًا كبيرًا في طهيها قبيل أذان المغرب، إلى جانب حلوى "الجلاب جامو"، أما الوجبات، فتشتهر السفرة العدنية بالزربيان، وبعض الأطباق الهندية واليمنية، مثل: الكدر، والصيادية، والمطفاية، والربيس، والجبيز، والمعوبال، والكُبن، والهريس، والكاتليس، والمخلم، والوجبة الباذنجانية "البورتة"، وغيرها.
عن الأجواء الرمضانية المختلفة في عدن، تقول أم إبراهيم _وهي ربة منزلٍ_ لـ"خيوط": "إن لرمضان في عدن روحانية مختلفة عن كل أشهر السنة؛ تبدأ من الصيام وصولًا إلى مد السُفرات، ولمَّة العوائل". خلال هذه اللمَّة يتبادل الأهالي _وخصوصًا النساء_ بعض النقاشات، حول طرق طبخ بعض المأكولات الجديدة والمبتكرة، بالإضافة إلى تبادل أطباق الفطور بين الجيران.
"مرحب مرحب يا رمضان"!
في حواريهم الضيقة، يلعب الأطفال بمرح، دون اكتراثٍ للعوامل الكثيرة التي تُحبط البعض، بينما يرى بعض الأهالي شهر رمضان فرصةً لتدريب الأطفال الذين تجاوزوا العاشرة من العمر، على الصيام. ومنذ اليوم الأول، ينتشر الأطفال وهم يقرعون الطبول ويرددون الأهازيج الشعبية والأناشيد الترحيبية بشهر رمضان، فيما يذهب كبار السن إلى لعب الدمنة في المقاهي بعد وقت العصر أو في منتصف الليل، إلى جانب قراءة الجرائد والتحدث عن السياسة التي تشغل اهتمام الأغلبية الساحقة من العدنيين.
يذكر الحاج عمر أحمد لـ"خيوط"، أنه حين كان طفلًا، كان يرى في قدوم رمضان سببًا للاحتفال هو وأقرانه الذين يماثلونه في العمر، "الأهازيج المصاحبة لرمضان، كان لها وقعٌ خاص؛ عندما يتجمع الأطفال ويدورون في الحواري القريبة من منازلهم، حاملين المشاعل، وهم ينشدون: "مرحب مرحب يا رمضان"، مستنكرًا غياب تلك العادات في الوقت الحاضر، فهي _في قوله_ كانت تعطي لرمضان نكهةً خاصة ومميزة عن بقية الشهور.
ورغم تعقيدات الظرف الاقتصادي الراهن الذي تعيشه البلاد، يخرج كثير من شباب عدن قبيل موعد أذان المغرب طيلة أيام شهر رمضان، إلى الطرقات وجولات المدينة لتوزيع التمر والماء على المارَّة، كخطوة تطوعية لتعزيز ثقافة السلام والتسامح.
أزمات اقتصادية
كحال جميع المدن اليمنية، تعيش مدينة عدن واقعًا معيشيًّا صعبًا، خصوصًا مع هبوط قيمة العملة المحلية، وعدم استقرار أسعار الصرف، بالإضافة إلى غلاء المواد الغذائية الأساسية في رمضان، كالقمح، والدقيق، والبقوليات، حيث يشكو تجار التجزئة من تراجع الحركة الشرائية هذا الموسم، بخلاف المواسم السابقة، كما هو الحال مع التاجر أحمد بن حميد، الذي قال لـ"خيوط"، إن عملية البيع تراجعت في رمضان الحالي، بالمقارنة مع الموسمين السابقين، رغم وجود وباء كورونا وقتها.
"ذلك أن شراء البضائع تتم بالعملة الصعبة، فيما تُباع بالعملة المحلية؛ وبين العُملتين يحدث اضطرابٌ مالي، يؤدي أحيانًا إلى خسائر بمئات الآلاف؛ لأن سعر الشراء يزيد عن سعر البيع"، يوضح حميد.
يرى حميد، أن من الجيد أن تقوم الجهات المعنية، بمكافحة "تجار الأزمات"، من خلال الرقابة على أسعار السلع الغذائية، "لكن الأسوأ من ذلك، عدم ضبط صرف العملة، قبل الحملات التي تقوم بها القوى الأمنية أحيانًا"، يستدرك.
عبدالسميع الدبعي، أحد الصيارفة المحليين بمدينة عدن، يعزو _في حديثٍ لـ"خيوط"_ ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين هذا الموسم إلى "خوف الناس من القادم، لذلك كان الطلب كبيرًا على شراء العملة الأجنبية، مقارنةً بالأعوام الماضية، وبعد إعلان تشكيل المجلس الرئاسي، هرع كثيرون إلى صرف العملات الصعبة خوفًا من تراجعها، الأمر الذي أدّى إلى تهاوي سعر الصرف في ليلةٍ واحدة، إلى ما يقارب نصف قيمتها، وفي أقل من 24 ساعة عادت أسعار الصرف إلى الصعود مجددًا".
وبحسب الدبعي، فإن "التلاعب الخطير وغير المسبوق" في صرف العملة، هو ما أدّى إلى إحجام الكثيرين عن الشراء كما في المواسم السابقة؛ الأمر الذي قلل من معدل القوة الشرائية هذا العام، حد قوله.
مبادرات شبابية ومجتمعية
جرَت العادة، في رمضان من كل عام، على التحضير لإقامة مبادرات شبابية ومجتمعية يشارك فيها الجميع، تركز على تقديم الإفطار الجماعي في شوارع المدينة للعامة، كالإفطار الجماعي الذي أقامه "المجلس العزابي" في العاشر من رمضان الجاري، على كورنيش الشهيد جعفر محمد سعد، حضر إليه مئات الصائمين.
رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، يبقى شهر رمضان شهر الخير وفعل الخير، كما يقول المواطن عادل أبو محمد، وهو أحد المسؤولين عن إفطار الصائمين في أحد مساجد عدن، مشيدًا بإسهام بعض التجار ورجال الأعمال "الذين يتصدقون لوجه الله تعالى، ولا يريدون ذكر أسمائهم، ويمدون السُّفرات في تجمعات كثيرة في بعض حواري ومساجد عدن"، بحسب أبو محمد لـ"خيوط".
ومن ضمن هذه المبادرات، تنظيم بطولات رياضية سنوية لكرة القدم، خاصة بشهر رمضان، فضلًا عن بطولات كرة الطائرة وكرة القدم التي يتنافس فيها أبناء الأحياء في مدينة عدن.
وتقام بطولة "دوري المريسي"، في رمضان من كل عام في "ملعب الحبيشي" بمديرة صيرة، بمشاركة عدد من أندية المحافظات الأخرى، ويشرف مكتب الشباب والرياضة على البطولة المقرر إقامتها (في دورتها السادسة والعشرين)، بنظام خروج المغلوب، وبمشاركة 21 ناديًا من عدد من محافظات جنوب اليمن، في حدث رياضي حرص المنظِّمون له على الإعداد والتهيئة لإخراجه في صورة لائقة ومشرِّفة.