يمنح الصيام جسم الإنسان فوائد صحية لا يمكن الحصول عليها من أي عقاقير طبية، إلا أنه في المقابل، يشكل خطرًا حقيقيًّا على حياة المصابين بأمراض مزمنة، كالسكري والضغط وقصور وظائف القلب.
ضاعفت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) هذه المخاطر منذ بَدء تفشيه مطلع العام الماضي (2020) في اليمن، وهذا العام حلّ شهر رمضان في ظل موجة انتشار ثانية للوباء، الأمر الذي زادت معه مخاوف آلاف المصابين بالأمراض المزمنة.
حاولت "خيوط" الغوص أكثر في تفاصيل هذه القضية التي تغدو شائكة صحيًّا ودينيًّا في شهر الصوم، وذلك من خلال اللقاء بأطباء متخصصين في مجالات الغدد الصماء والقلب، بهدف الحصول على إفاداتهم في هذا الشأن.
ويقف المصابون بمرض السكري، في صدارة الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الصيام، رغم أنه الخيار الأنسب للراغبين في تخفيف الوزن أو تنظيم سكر الدم. ووفقًا للطبيب سعيد اليافعي، وهو استشاري مرض السكر والغدد الصماء، فإن الانخفاض الشديد في نسبة السكر بالدم جراء الصيام قد يؤدي إلى عواقب وخيمة منها الوفاة.
لا يكون الصيام ممنوعًا على كافة المصابين بمرضى السكري، ويشير اليافعي، إلى ما ناقشه الأطباء في المؤتمر السنوي الخاص بالسكري في رمضان، حول تقسيم مرضى السكر إلى ثلاث فئات، يتم على أساسها تحديد إمكانية الصيام من عدمه.
وقال اليافعي في حديثه لـ"خيوط"، إن الفئة الأولى، ممنوعة تمامًا من صيام رمضان لما فيه من خطورة شديدة على صحتهم. وتشمل هذه المجموعة، أي مريض سبق له الإصابة بالانخفاض الشديد للسكر في الشهور الثلاثة السابقة لشهر رمضان، ومن أصيب بارتفاع "الأحماض الكيتونية" في الدم، وكذلك الارتفاع الحاد جدًّا للسكر في الدم مع زيادة "المعدل الأسموزي" في الدم، وفيه يكون معدل السكر تجاوز ٥٠٠ مجم/مل، وذلك خلال الثلاثة الشهور السابقة لرمضان.
فئة الممنوعين من الصيام تشمل أيضًا، المصابين بشكل متكرر بانخفاض السكر في الدم، وفقدان الإحساس بأعراض انخفاض السكر في الدم، وكذلك مرضى السكري من النوع الأول غير المنتظمين. ويعرّف اليافعي ذلك بارتفاع معدل السكر التراكمي A1C عن ٧٪، ومرضى السكري الحوامل ممن يعالجن بالأنسولين أو منتجات "السلفوناميد" كأقراص "الدوانيل" و"الديامكرون" والأماريل"، إضافة إلى مرضى السكري المصابين بالفشل الكلوي من المرحلة الرابعة والخامسة والمرضى المعالجين بالغسيل الكلوي.
وأشار اليافعي إلى أن قائمة المنع من الصيام تشمل أيضًا "المصابين بأمراض الشرايين من المراحل المتقدمة كقصور الشريان التاجي، أو جلطات القلب والمخ، أو انسداد شرايين الأطراف، وكبار السن أو المصابين باعتلال الصحة".
ويضيف الطبيب المختص بأمراض السكر، أن الفئة الثانية من المرضى الممنوعين من الصيام، ليسوا بنفس درجة الخطورة الشديدة كالفئة الأولى، لكن يجب عليهم أيضًا مراجعة الطبيب لإخبارهم عن الأوقات التي يتوجب عليهم الإفطار في حال ظهور بعض الأعراض، مثل مرضى السكري غير المنتظمين أو المرضى الذين يستعملون أكثر من حقنة أنسولين يوميًّا، والمرضى بسكر الحمل ممن يعالجن بالحميّة أو الحبوب، ومرضى الكلى والقلب، الذين حالتهم مستقرة، أو المصابين بالسكري ممن يقومون بأعمال مجهدة عضليًّا.
يقسّم الأطباء مرضى السكر الذين يشكل الصوم خطرًا على حياتهم إلى ثلاث فئات، خصوصًا إذا كانوا مصابين بأمراض أخرى مزمنة كأمراض القلب والضغط
صوم مشروط
الصوم المشروط، والذي عادة ما يكون تحت إشراف الأطباء، يشمل مرضى السكر ممن لا تنطبق عليهم صفات الفئة الأولى أو الثانية، وهم غالبًا ما يتمتعون بصحة جيدة، ومعدل السكر لديهم منتظم وأدويتهم فموية. هؤلاء يمثلون الفئة الثالثة من المصابين الذين قد يشكل الصيام خطرًا على صحتهم، ويقول اليافعي إن "خطط علاجهم بسيطة، وليست لديهم مضاعفات أو أمراض أخرى". كما تشمل الفئة الثالثة المصابين بجلطات دماغية، حيث يشكل تكرار مثل تلك الجلطات لديهم خطورة كبيرة على حياتهم في رمضان، خصوصًا المصابين منهم بأمراض مزمنة كالسكري والضغط.
الدكتور محمد أمين الكمالي، وهو جراح مخ وأعصاب وعمود فقري في صنعاء، يؤكد في حديثه لـ"خيوط"، خطورة تكرار الجلطات الدماغية، وبالأخص على المصابين بأمراض مزمنة، مشيرًا إلى أن الجفاف الذي يحدث بسبب الصيام، يزيد من خطر الإصابة بالجلطات الدماغية، ولذا فهو ينصح بتجنب التعرض لمخاطر صحية وجسدية قد تسبب أذية دائمة للمريض.
وفي ظل تفشي وباء كورونا، ينصح الدكتور الكمالي باتباع الوقاية، وأن يحرص الأشخاص المصابون أو الذين لديهم شك بالإصابة، على عزل أنفسهم وعدم تعريض حياة الآخرين للخطر، وذلك كخطوة أساسية لتحجيم الفيروس ومنع انتشاره. كما يقول إن ذلك يشمل المصابين باعتلالات أخرى مع أعراض صدرية وتنفسية، وأن هؤلاء تتضح حالاتهم للطبيب المعالج أيًّا كان تخصصه، وبالتالي يشدد على ضرورة التزامهم بعزل أنفسهم، حرصًا على صحتهم وحماية للآخرين.
مرضى الكلى
غالبية مرضى الكلى لا ينصح لهم بالصيام، باستثناء مرضى الفشل الكلوي المتعايشين على ما يسمى طبيًّا بـ"الاستصفاء الدموي" (الغسيل الدموي).
وبحسب الدكتور نجيب أبو أصبُع، وهو أستاذ أمراض الكلى بكلية الطب جامعة صنعاء، فإن مرضى الكلى يمكن تقسيمهم إلى أربع فئات، بعضهم يشكل الصوم خطرًا على حياتهم، والبعض الآخر يكون الصيام مفيدًا لهم.
الفئة الأولى هم مرضى الفشل الكلوي الذين يواظبون على الغسيل الدموي (الكلوي) ويغسلون مرتين أسبوعيًّا، بمن فيهم المرضى في بداية مراحل الفشل الكلوي، أي إن وظائف الكلى ما زالت لديهم تعمل في الحد الأدنى ولم تصل إلى التوقف النهائي، وبينهم أيضًا، زارعي الكلى، ومرضى الحصوات الذين قد يصلون إلى مرحلة الفشل الكلوي.
ويقول أبو أصبع، إن المرضى الذين هم في بداية الفشل الكلوي بشكل عام، لا ينصح بالصيام لهم؛ لأن الكلى بحاجة إلى سوائل وتعويضات، ومن هذه الفئة الذين يتراوح لديهم معدل الكرياتين من (2-3-4). ويضيف أن بعض هؤلاء المرضى يصرون على الصيام، و"عندها ننصح بتعويض السوائل في المساء، لكن إذا شعر المريض بالتعب، عليه أن يفطر، وأن يُجري فحصًا طبيًّا كل خمسة أيام، بحيث يتابع وظائف الكلى".
وأشار إلى أن الفئة الثانية، هم مرضى الفشل الكلوي المتعايشين مع ما يسمى بـ"الاستصفاء الدموي"، الذين يغسلون مرتين أسبوعيًّا، حيث يكون الصيام مفيدًا لهم بشكل كبير، وهؤلاء ينصحهم أبو أصبع بالصيام، لافتًا إلى أن الذين لديهم غسيل كلوي في الفترة الصباحية، يُنصح بتحويله إلى الفترة المسائية. ويضيف: "هناك الكثير من هؤلاء المرضى ارتاحوا كثيرًا من الصيام، ومرضى هذه الفئة لا مشكلة لديهم؛ لأن 90% منهم عمليًّا لا يوجد لديهم بول، ولهذا فنقص السوائل بالنسبة لهم هو فائدة، وينصح لهم بالصيام".
أما الفئة الثالثة فهم زارعو الكلى خلال السنة الأولى من الزراعة إلى منتصف الثانية. هؤلاء، بحسب الدكتور أبو أصبع، ممنوع عليهم الصيام خلال السنة والنصف الأولى من زراعة الكلى؛ "لأن الكلية المزروعة بحاجة إلى سوائل، كما أن المريض يتعاطى علاجات مثبطات للمناعة"، علاوة على أن الكلية المزروعة "جاءت من جسم غريب، مهما كانت درجة قرابة المتبرّع من المريض، فهي بحاجة إلى أن تستقر خلال ما لا يقل عن سنة ونصف، وهو أقل وقت للتمكين من الصيام، لهذا لا ينصح في السنة والنصف الأولى إلى السنتين بالصيام لهذه الفئة من مرضى الكلى".
في ظل الموجة الثانية من جائحة كورونا، يقف الأطباء في اليمن في مقدمة ضحايا الفيروس، الذي بدأ عودته المباغتة مطلع فبراير/ شباط الماضي، موديًا بحياة عدد من الكوادر الطبية الكفؤة
ووفقًا للطبيب أبو أصبع، فإن قائمة الممنوعين من الصيام، تمتد إلى المرضى الذين يعانون من تكرار الحصوات والالتهابات المستمرة في المجاري البولية. وذكر أن مرضى هذه الفئة لا يقدرون على الصيام، وأنهم في حال أصروا على ذلك، فستظهر لديهم مشاكل صحية "بشكل كبير جدًّا"، حيث "تتكون لديهم حصوات أكثر، ما يؤدي إلى تفاقم الالتهابات ويهدد بانسداد المجاري البولية وتضخم في الكلى، ما يعرض المريض للدخول فيما يشبه الفشل الكلوي، وهذه الفئة لا ينصح نهائيًّا بالصيام لها."
وبالنسبة للمرضى المصابين بقصور في القلب إضافة إلى القصور الكلوي، فمن الصعوبة عليهم الصيام، حيث ينصح أبو أصبع هذه الفئات بتجنب الصوم، لافتًا إلى أنه "مخاطرة كبيرة جدًّا، وقد تصل إلى مضاعفات لا يمكن السيطرة عليها".
في موجته الأولى في اليمن، حصد فيروس كورونا (كوفيد-19) أرواح العشرات من كوادر "الجيش الأبيض"، وخسرت البلد نخبة من الأطباء الأكفاء، ليس من السهل تعويضها على المدى القصير.
الآن، وفي ظل الموجة الثانية من الجائحة، يقف الأطباء في البلاد، التي تشهد حربًا مستمرة منذ أكثر من ست سنوات، في مقدمة ضحايا الفيروس، الذي بدأ عودته المباغتة مطلع فبراير/ شباط الماضي (2021)، موديًا بحياة عدد من الكوادر الطبية الكفؤة.
يمتلك اليمن منظومة صحية متهالكة وهشة، ولا يعتمد عليها في مواجهة سيل من الأوبئة والفيروسات والأمراض المختلفة، كنتاج طبيعي لاستمرار النزاع المسلح الذي بدأ في العام 2014، وتصاعد مطلع العام 2015، شاملًا كل مناطق البلاد، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية وانهيار مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها المنظومة الصحية.
وتفتقر غالبية المحافظات اليمنية إلى الوسائل الطبية اللازمة لمواجهة تفشي جائحة كورونا، وفي الميدان تواجه الطواقم الطبية شراسة الفيروس بما توفر لها من إمكانات بسيطة.
يقول الدكتور أسامة ناشر في حديثه لـ"خيوط"، إن "الوضع الصحي في عدن ليس جيدًا في ظل تزايد عدد الحالات المصابة بالفيروس ونقص شديد في الإمكانيات الطبية". وحسب الدكتور أسامة، ففي محافظة عدن بأكملها لا يوجد سوى مركز عزل وحيد بطاقة استيعابية لا تتجاوز 20 سريرًا مجهزًا.
وفي ظل التساهل الشعبي وعدم الاكتراث في التعامل الجاد مع الوباء، يلجأ الدكتور ناشر للتوعية الصحية عبر صفحته في "الفيسبوك"، كنافذة متاحة للتخاطب مع الناس ونشر التوعية الصحية المناسبة. ومؤخرًا أطلق ناشر نداء عاجلًا لتدارك الوضع الصحي المتردي في اليمن، حيث مراكز العزل والمستشفيات الحكومية بحاجة إلى الدعم السريع.
يقول ناشر إن "عددًا كبيرًا من الأطباء يتساقطون، وتُوفي عدد منهم في الخطوط الأمامية"، وإن "مركز العزل الوحيد في عدن مهدد بالإغلاق بسبب نقص المعدات الطبية"، وهو يحذر "من خطر عدم توفر المعدات الطبية"، التي قال إن الأطباء لن يتمكنوا من الاستمرار في معالجة المرضى في حال لم تتوفر بصورة عاجلة.